ماركسيون يلقون براياتهم في الوحول
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كنت قد كتبت في إيلاف عن " البورجوازية الوضيعة " التي ترى في الأحزاب الشيوعية منبراً عالياً تطلق منه زعيقها السياسي غير الواضح وغير المفهوم بل وغير المقصود.
اليوم فقط أقرأ السيد كريم مروه، الذي قضى حياته في صفوف الحزب الشيوعي اللبناني، يكتشف في النهاية أنه كان يحمل الراية الخطأ وأن لينين أساء للعالم بل إن ماركس لو عاد للحياة لما كتب ما كتب ؛ كل هذا في مقالته الاعتذارية (يجب أن نحاكم لينين). وهكذا يجرّم كريم مروه لينين، " القائد الثوري العظيم " كما وصفه مع ذلك، ويلقي براية الماركسية أرضاً في الوحل. البورجوازيـون الوضعاء (la petite bourgeoisie) لم ينضووا إلى الأحزاب الشيوعية إلا ليتدربوا على امتهان السياسة نظراً لوفرة مردود المهنة معنوياً إن لم يكن مادياً أيضاً، كما يراهنون، وليس للنضال من أجل الوصول للشيوعية وخلاص البشرية. ولذلك لا يقرءون ماركس جيداً ولم يعْـنهم التفقه بأفكاره، وخرجوا بالتالي من الأحزاب الشيوعية كما دخلوا دون أن يزيدوا في علمهم بالماركسية أكثر مما يعلم رجل الشارع.
منذ العام 1959 حين انعقد المؤتمر الحادي والعشرون الإستثنائي للحزب الشيوعي السوفياتي وحتى العام 1961 حين انعقد مؤتمره العام الثاني والعشرون استولى عليّ إحباط شديد حيث أن قادة الأحزاب الشيوعية والمتقدمين في كوادرها ـ وكريم مروه منهم ـ لم ينبس أحد منهم بكلمة إزاء الهرطقات المجنونة التي أطلقها خروتشوف في ذينك المؤتمرين وما بينهما باستثناء الحزب الشيوعي الصيني، هرطقات لا تنتمي إلى عالم الفكر الماركسي من قريب أو بعيد، بل هي من إفرازات النشاطات المعادية للإشتراكية إذ فهم خروتشوف الإشتراكية بالعكس تماماً مما رآها ماركس فاعتقد أن الفلاحين يتقدمون العمال في بناء الإشتراكية فاصطف على يمين المعدوم بوخارين!! جميعهم صفق للتحريفي خروتشوف عالياً وطويلاً. كرجل عاقل فقط كان يتوجب على كريم مروه أن يتساءل، لمرة واحدة على الأقل، فيما إذا كان هو نفسه ماركسياً حقاً قبل أن يعلن إلقاءه راية الماركسية في الوحل. إنني وبكل تواضع أقدم إعتذاري الشديد للسيد كريم مروه لأطمئنه إلى أنه لم يكن يوماً ماركسياً أكثر مما كان خروتشوف أو غورباتشوف أو حتى زوغانوف فيما بعد الإنهيار. وللدلالة السريعة على ذلك أشير فقط إلى عبارته في المقالة المشار إليها تقول: " البنيان العظيم للتجربة الإشتراكية المتمثل بالإتحاد السوفياتي "، فكيف يكون البنيان عظيماً وقد أقيم على أساس خاطئ وأقامه خطاة كما فصّل في المقالة إيّاها وطالب بمحاكمة صاحب المشروع ومؤسسه، زعيم البلاشفة فلاديمير لينين؟!!
الشيوعي السابق كريم مروه، وكما تشي مقالته، لا يعرف من الماركسية حرفاً ورغم ذلك يتنطح لانتقادها بفجاجة دون أدنى تواضع. فمثلاً يصف لينين بذي " الجهد النظري العظيم " الذي تمثل كما يزعم ب " السياسة الإقتصادية الجديدة "(NEP) مدعياً أن تلك " النظرية " السياسية كانت قد شكلت، وكما أرادها لينين بادعائه، الأسـاس لمراجعة كاملة للمشروع اللينيني، لولا الرحيل المبكر للينين ولولا "الدكتاتور" ستالين!! لو سألنا مروّه عما تكون (النيب) فإنني على ثقة من أنه لن يجد جواباً على الإطلاق بعد أن عمّدها " نظرية سياسية " ـ ولا أدري حقاً من أين جاء بمثل هذه التخرصات! في العام 1922، وبعد حرب أهلية وحروب التدخل الأجنبي 1918 ـ 1921 التي جعلت من الأراضي السوفياتية قاعاً صفصفاً، وجد لينين أن مجمل إنتاج العمال لا يساوي ربع مجمل إنتاج الفلاحين وفي حالة كهذه لن يستطيع العمال شراء غذاءهم من الفلاحين بصورة عادلة، فكان أن ترك للفلاحين بعض الإمتيازات، وليس جميعها، ريثما يغتني العمال. في العام 1926 عـاد إنتاج العـمال إلى ما كان عليه عـام 1913 فأصبح ممكناً إلـغاء معظـم أحكام " السياسة الإقتصادية الجديدة " (New Economic Policy) ـ النيب لا هو نظرية ولا ما يحزنون. في الثورة الزراعية 1929 تحررت القيادة السوفياتية من سلطة كبار الفلاحين وأصبح تأمين الغذاء الكافي للعمال السوفيات تحت سيطرة الدولة. المسألة الزراعية ظلت تقض مضاجع القيادة السوفياتية طيلة عمر الإتحاد السوفياتي ولم يكن ذلك بسبب القصور في إنتاج الغذاء حيث كان إنتاج الإتحاد السوفياتي من الحبوب يزيد عن ثلاثة أمثال ما تنتجه الولايات المتحدة إنما كان بسبب عدم إيفاء الفلاحين بالتزاماتهم تجاه الدولة وعدم وفائهم لسياسة التقدم على طريق الإشتراكية. في العام 1951 قامت مناقشة كبيرة للمسألة الزراعية في القيادة السوفياتية وطالب قياديون في الحزب والدولة وعلى رأسهم مولوتوف بإلغاء طبقة الفلاحين التعاونيين دفعة واحدة وإلى الأبد، إلا أن ستالين رأى خطورة في ذلك وأن الإلغاء يلزم أن يكون تدريجياً عن طريق إغراق السوق بالسلع الصناعية الإستهلاكية الأمر الذي سيواجهه الفلاحون التعاونيون بالتخلي عن الفلاحة والإنضمام إلى البروليتاريا ـ راجع القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي.
بعناد شديد وهو ما يثير الشك الكبير قبل السخط، يصر الشيوعيون سابقاً، كالسيد مروّه وكثيرين غيره، على وضع مسألة إنحراف خروتشوف خلف ظهورهم. يخبئونها خلف ظهورهم لا لسبب إلا لحماية ذواتهم ولو كلف ذلك إتهام ثورة أكتوبر لحد اعتبارها خطيئة تاريخية كما يعتبرها اليوم السيد مروّه!! كان هؤلاء الشيوعيون من الأصول البورجوازية الوضيعة قد صفقوا طويلاً وبحماسة شديدة لتحريفات خروتشوف ولزعيقه المشبوه حول الديموقراطية المفقودة في الحزب بقيادة ستالين ـ زعق عالياً حول الديموقراطية المفقودة عام 1956 لكنه مع ذلك، وعندما سحبت قيادة الحزب الثقة منه وكان عليه أن يتنحى، قام بانقلاب عسكري في حزيران 1957 وطرد جميع البلاشفة من المكتب السياسي للحزب. وعندما أوشك خروتشوف أن يصحو ويرتد عن أخطائه صائحاً برفاقه في المكتب السياسي عام 1964 " خراء ستالين أفضل منكم " انقلبوا عليه وأرغموه على الإستقالة تحت طائلة التهديد بالقتل وأتوا ببريجينيف تاجر السلاح وأبي المافيا ـ هكذا هي ديموقراطية الذين ولولوا على فقدان الديموقراطية في عهد ستالين!!
يطالب كريم مروه بغير خجل بمحاكمة لينين لأنه قام بثورة اشتراكية في روسيا المتخلفة خلافاً لرأي ماركس كما زعم. وردّاً على هذا الزعم فإنني أطالب بمحاكمة كريم مروه بتهمة الجهل أولاً وبتهمة القدح والذم بلينين. وعلي أن أشير هنا إلى الحقائق التالية ليس دفاعاً عن لينين وعن انتفاضة أكتوبر بل تثقيفاً لكريم مروه وكل من يتثاقف معه.
ما سمي بثورة أكتوبر لم يكن ثورة ولم تكن اشتراكية كما جرى طويلاً الإعتقاد خطأً. كانت الأممية الإشتراكية الثانية قد اتخذت قراراً، في مؤتمرها المنعقد قي مدينة بال السويسرية عام 1912، ينص على أنه يتوجب على الإشتراكيين الروس القيام بالثورة البورجوازية في روسيا واستكمال بناها الاجتماعية حتى النهاية وذلك بسبب هشاشة الطبقة البورجوازية الروسية وضعفها التاريخي. قامت البورجوازية الروسية بثورتها في شباط 1917 إلا أن حكومتها، حكومة كيرانسكي، تخاذلت ولم تعمل على تحقيق أي من أهداف الثورة الكبرى الثلاث وأولها الإنسحاب من الحرب وإعلان السلم ووقف القتال على الجبهة الروسية الألمانية، وثانيها، العمل على الإصلاح الزراعي، وثالثها، إنتخاب الجمعية التأسيسية للجمهورية. انتفض البلاشفة واستولوا على السلطة ليس فقط بهدف استكمال الثورة البورجوازية كما كانت قد قررت الأممية الثانية بل تلبية لإلحاح مختلف القوى الشعبية المتمثلة بمجالس السوفييت في كل المدن الروسية أيضاً. وهكذا كان أول مرسومين وقعهما لينين كرئيس للدولة هما مرسوم السلام ومرسوم الأرض. وكان لينين صبيحة الإنتفاضة مباشرة أن دعا كل الأحزاب الروسية، بما في ذلك حزب الكاديت الرجعي وهو حزب أغنياء الفلاحين، للمشاركة في الحكومة الجديدة. لكن سرعان ما توحدت جميع الأحزاب البورجوازية والرجعية بما في ذلك حزب المنشفيك وحزب الإشتراكيين الثوريين في جبهة معادية رفعت السلاح بوجه البلاشفة ليس بهدف استعادة السلطة فقط بل بهدف إبادتهم وتصفيتهم نهائياً أيضاً. لم تتردد هذه الأحزاب في نهاية سنتين من الحرب الأهلية التدميرية والدموية في دعوة الجيوش الأجنبية للقضاء على الشيوعيين. إلتف العمال والفلاحون الروس حول الشيوعيين فكان انتصارهم حاسماً ومصيرياً على طبقات البورجوازية والرأسماليين والإقطاع والفلاحين الأغنياء. لم يبق في الميدان إلا العمال وفقراء الفلاحين. واجه الحزب في مؤتمره العاشر 1921 مأزقاً دقيقاً وحاسماً.. هل يبني الحزب مجتمعاً بورجوازياً رأسمالياً مستكملاً الثورة البورجوازية كما بدأ بانتفاضته في أكتوبر 1917 أم يشرع في بناء الإشتراكية؟! البلاشفة بقيادة لينين لم يكونوا خبراء في بناء الرأسمالية، هذا إذا شاءوا ذلك!! وماذا كان سينصحهم كريم مروه؟!! الإشتراكية لم تكن خياراً أمام البلاشفة في العام 1921 بل المسار الوحيد المفتوح أمامهم.
أما بشأن تلك الأسطوانة المشروخة التي تقول بأن لينين قام بثورة اشتراكية في غير مكانها فإنني أنصح السيد كريم مروه بالعودة إلى المقدمة التي كتبها كارل ماركس نفسه لأول طبعة لترجمة البيان الشيوعي باللغة الروسية. أشار ماركس في تلك المقدمة إلى إمكانية قيام الثورة الإشتراكية العالمية في روسيا القيصرية قبل غيرها من الدول معولاً على شكل من أشكال الكومونات الزراعية منتشرة في شرق روسيا القيصرية. على مروًه وجميع الذين يرون في لينين مغامراً استعجل الثورة في روسيا المتخلفة أن يوقفوا مثل هذه الأسطوانة المشروخة طالما أن ماركس نفسه لم يستثن روسيا من الشروع بالثورة.
ثم وبغض النظر عن كل ما تقدم فإن لينين " المخطئ والخاطئ بنفس الوقت! " وستالين " المجرم والدكتاتور! " هما من سلما كريم مروه وأمثاله " البنيان العظيم للتجربة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " ـ بكلمات مروه نفسه ـ وهو البنيان الذي هزم وحده كل النازية والفاشية والرجعية في أوروبا، والذي لم يبدأ في التفكك إلا بعد أن استلمه كريم مروه وأمثاله. نعم كانت روسيا القيصرية بلداً متخلفاً قياساً إلى ألمانيا في العام 1917 لكن الإتحاد السوفياتي عندما استلم قيادته " الديموقراطيون " من أمثال كريم مروه في العام 1954 كان متقدماً على ألمانيا وعلى بريطانيا بل وعلى الولايات المتحدة تقنياً وقد سبقها في ارتياد الفضاء. العلة إذاً في كريم وفي أمثاله، كما اعترف متواضعاً، وليس في قادة البلاشفة، لينين وستالين ورفاقهما.
كريم مروة الذي كان من قادة الحزب الشيوعي اللبناني لم يقرأ فقط ماركس ولينين بل لم يقرأ التاريخ أيضاً، ومن لا يقرأ التاريخ كما هو في حقيقته فإنه لا يستطيع أن يقرأ ماركس على حقيقته أيضاً حيث أن التاريخ كتاب صفحاته الصراع الطبقي. هو يثني باللائمة على البلاشفة لأنهم لم يتحالفوا مع " الإشتراكيين الديموقراطيين " ومع الديموقراطيات البورجوازية ضد النازية والفاشية المتفشية في أوروبا في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي لكن الإشتراكيين الديموقراطيين لم يكونوا أقل حماساً في إبادة الشيوعيين البلاشفة من المناشفة الروس. وقفوا ضد جمهورية بافاريا السوفياتية عام 1919 وشاركوا فيما سمي آنذاك " الإرهاب الأبيض " وفي اغتيال الشيوعيين وأولهم القائدان التاريخيان روزا لكسمبورغ وكارل لبكنخت ليقيموا على إثر ذلك جمهورية (فايمار) التي كانت السلّم الذي صعد عليه أدولف هتلر. في انتخابات 1933 في ألمانيا تآمر الإشتراكيون الديموقراطيون والمخابرات الإنجليزية لإفساح الطريق أمام حزب هتلر لاكتساح الإنتخابات وقطع الطريق على الشيوعيين. في حكومة الجبهة الشعبية في فرنسا 1936 سرعان ما استثنى الإشتراكيون الديموقراطيون بقيادة ليون بلوم والراديكاليون بقيادة إدوارد دالادييه الشيوعيين من الجبهة وتبين فيما بعد أن إبعاد الشيوعيين إنما كان تمهيداً لخيانتهم حكومة الجمهورية الشعبية في اسبانيا وانتصاراً لفاشية فرانكو. إدوارد دالادييه، الرئيس الذي ورث حكومة الجبهة الشعبية هو من تآمر مع هتلر في مؤتمر ميونخ وعقد تحالفاً غير مكتوب ضد الإتحاد السوفياتي بالإشتراك مع بريطانيا تشيمبرلن وإيطاليا موسوليني. ثم منذ أن بدأ العدوان النازي على الإتحاد السوفياتي في 22 حزيران 1941 توقفت الحرب على الجبهة الغربية وأخذ الجنود الألمان على الجبهات السوفياتية يقضون إجازاتهم في الجبهة الغربية. كان تشرتشل وبعض أصدقائه في الإدارة الأميركية ينتظرون نهاية الإتحاد السوفياتي على أيدي الهتلريين!! لم تفتح الجبهة الغربية إلا في 6 حزيران 1944 بعد أن اتضح بصورة قاطعة أن هزيمة ألمانيا النازية أصبحت محققة وخاصة بعد معركة كورسك في تموز 1943، وقد فتحت بالرغم من معارضة تشرتشل وكانت أعمال هذه الجبهة جانبية وغير مؤثرة. وبكلمة في هذا المقام فإن السيد كريم مروه يقرأ التاريخ بالمقلوب فليس البلاشفة هم من رفضوا التحالف ضد النازية بل الإشتراكيون الديموقراطيون والبورجوازيون الليبراليون هم من رفضوا التحالف مع الشيوعيين مؤملين تصفيتهم على أيدي النازيين وهو ما يعترف به اليوم حتى مؤرخو الغرب الليبرالي.
الذين ألقوا براياتهم الماركسية في وحول البورجوازية الوضيعة تحولوا إلى اجترار أفكار بائسة كالتي عبر عنها كريم مروه في مقالته " يجب أن نحاكم لينين ". هؤلاء لم يفهموا ماركس يوماً وقد اعتقدوا أن ماركس ما كتب ما كتب إلا لكي يقيم العدل بين الناس. لو كان ذلك صحيحاً لما انتبذ ماركس وعائلته الحياة بمسراتها ومباهجها وعانى من شظف العيش طيلة حياته ليكتب ما كتب. لقد سخر ماركس سخرية مرة من مفهوم العدالة الذي اجترته فرق عديدة من الإشتراكيين الأوروبيين في القرن التاسع عشر واعتبره مفهوماً بورجوازياً تضليلياً بائساً وعديم الدلالة. فالعدالة المزعومة لا يمكن استحضارها معزولة عن مفهومي القيمة والتحصيص. من اخترع مفهوم العدالة لم يكن يقصد العدالة بطوباها أصلاً غير أن الهروب من مفهوم الصراع الطبقي غير المقبول عليه لم يكن ممكناً دون ارتداء ثوب العدالة الزائف. لا بد للمولج بإقامة العدالة بين أفراد الشعب من أن يتولى بداية التقييم كي يحسن التحصيص. البشرية لم تعرف عبر تاريخها الطويل من يقوم بالتقييم والتحصيص الدقيقين غير " السوق ". لكن السوق هي المستنبت الذي تربته الوحيدة هي الصراع، الصراع بين مختلف الجماعات والطبقات المنتجة عن طريق التنافس السلعي. وفي الصراع تنتفي طوبى العدالة. تلك هي خديعة العدالة، لعبة البورجوازية المفضلة والتي يلعبها اليوم وفي زمن غير زمانها، المستقيل من الماركسية، كريم مروه.
يتجرّأ مروّه على ماركس ويبتذله أيما ابتذال فيزعم أن العدالة كانت هاجس ماركس الأكبر!! ـ والحق أنني أحسّ بماركس ينتفض في قبره من مثل هذه الجرأة عليه وهذا الابتذال لأفكاره ـ ومن أجل تحقيق العدالة " الماركسية " يطالب مروّه بتشكيل كتلة تاريخية تتألف من مجموعات متباينة الإتجاهات تأخذ على عاتقها " مقاومة الرأسمالية المتوحشة والحد من أخطار مغامراتها " ـ لا أدري لمن يوجه خطابه هنا، للشيوعيين أم للاشتراكيين الديموقراطيين أم لأحزاب البورجوازية الوضيعة في الدول المتخلفة؟!. الصورة التي يرسمها هذا المستقيل من الماركسية هي صورة ما فوق التجريد. إنها لم ترسم الطبيعة المتباينة لهذه الكتل! ولماذا يسمح هذا التباين بالائتلاف!! ولم توضح الصورة الهدف من مقاومة الرأسمالية المتوحشة المتعولمة!! هل لتطهيرها من الوحشية وتحريم العولمة عليها؟! أم مقاومتها حتى القضاء عليها؟! ثم القضاء عليها لمصلحة أي نظام؟ لمصلحة الإشتراكية أم العدالة الإجتماعية المزعومة التي على مروّه إذّاك رسمها بالتفصيل؟ وإذا لم يتم القضاء عليها نهائياً فما الذي سيضمن عدم عودتها للتوحش وللعولمة؟؟ وأخيراً وليس آخراً، ما عساه يكون النظام الإجتماعي في تلك الكتل المتآلفة من أجل مقاومة الرأسمالية؟! لئن كان رأسمالياً في بعضها فلماذا إذاً عليها أن تقاوم مثيلتها الرأسمالية؟؟ ـ هذه ليست صورة على الإطلاق ؛ هذه خربشة من يخربش لقتل الوقت هرباً من الملل. صورة الكتل المتباينة المتآلفة المتسالمة هي ليست صورة من عالمنا، عالم الذين ينتجون حياتهم ويتصارعون ويتحاربون لتحقيق هذا الإنتاج. لعلها صورة من عالم آخر أو أخروي. وكي يعطي مروّه صورته لوناً من الحياة لجأ إلى الأمم المتحدة لتقيم العدل والسلام بين الأمم!! لم يفطن مروّه إلى أن الذين أسسوا الأمم المتحدة هم أولئك الذين خاضوا أشرس الحروب للسيطرة على العالم، فكيف لهم أن ينقلبوا على أنفسهم ليقيموا السلم والعدل بين الأمم؟!! وهل لدى الأمم المتحدة وزارة حرب لتقيم العدل بين الأمم؟!
الذين انصرفوا لامتهان السياسة من خلال الأحزاب الشيوعية، بل وغيرها من الأحزاب، يخشون اليوم، وبعد انهيار الإتحاد السوفياتي على أيديهم هم دون غيرهم، يخشون من فقدان وظائفهم بعد أن كدحوا طويلاً فيها واكتسبوا دربتهم السياسية. لذلك، ولذلك فقط، يتجاهلون كليّاً كل التغيّرات النوعية التي حدثت في العالم في الربع الأخير من القرن الماضي وأزاحت العوالم الثلاث الموروثة من الحرب العالمية الثانية من على المسرح الدولي، وظلوا يرطنون بالشعارات القديمة وكأن شيئاً لم يكن، بل وأضافوا إليها بعض التوصيفات المختلقة لاصطناع الجديّة الكاذبة من مثل " الرأسمالية المتوحشة " و " العولمة الرأسمالية " و " المشاريع الإمبريالية " و " الغزو الثقافي " و " الدفاع عن الهوية " وما إلى ذلك من حذلقات جوفاء. ليَع ِ هؤلاء السياسيون الذين فقدوا وظائفهم أن بضاعتهم القديمة لم تعد نافقة بل قد غدت سامة بعد إنقضاء مدة صلاحيتها. الرأسمالية انهارت وأعلنت وفاتها في (إعلان رامبوييهG5) 1975 وبوفاة الرأسمالية توفيت الإمبريالية وأعلنت الأمم المتحدة رسمياً وفاتها عام 1972. لا يمكن للمتوفى أن يقوم بأية مشاريع ولذلك فالحديث عن " المشروع الأميركي في المنطقة " ليس أكثر من حديث إفك واستخدام المشروع المزعوم كفزّاعة لشعوب المنطقة ؛ ومثله الحديث عن الغزو الثقافي حيث أن ثقافتنا الحديثة إنما هي الثقافة الغربية معربة ؛ كما أن هوية الأمة غير قابلة للإلغاء بحال من الأحوال. أما الذين يقاومون العولمة فإنما هم، ودون أن يعوا، يحاربون حرب دونكيشوت لإعادة الحياة للنظام الرأسمالي ؛ فالعولمة ليست إلاّ تفتيت للخلية الرأسمالية الإمبريالية، خلية النواة أو المركز وحوله المحيط أو الأطراف والتي هي البنية الوحيدة التي يحيا فيها النظام الرأسمالي. العولمة هي الصورة الحية لتفكك النظام الرأسمالي.
أقرأ "يجب أن نحاكم لينين" جيداً فلا أحسب الكاتب إلا من الجناح اليميني في حزب المحافظين البريطاني وخاصة عندما يتحدث عن الديموقراطية والقمع الإيديولوجي وعن الفرد كبرغي في آله وعن دور النقابات. أحسب أن الكاتب لم يسبق له أن كان على اتصال بأي فرقة ماركسية وليس عضواً أمضى عمره في الحزب الشيوعي اللبناني ككريم مروّه.
فؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01