الآخرون وتسخين المشهد العراقي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وكأن المشهد العراقي يحتاج إلى المزيد من صب الزيت على النار والتسخين، كي تقوم الأطراف الأخرى بلعب الأدوار القذرة سواء من على أرضه أو من جواره أو من أماكن أخرى. فقد شهدت الأيام القليلة الماضية أحداثا إرهابية إجرامية كبيرة طالت المئات من الأبرياء العراقيين وعلى أساس طائفي بحت، يقرب من موعد "الإعلان الرسمي" للحرب الأهلية الطائفية في هذا البلد.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال فصل العامل الخارجي عنها أو استبعاد دوره فيها. حيث جاءت هذه الجرائم الشنيعة بعد أيام قليلة من إصدار أحد "علماء الدين" في السعودية فتوى تكفر الشيعة وتحرض على قتلهم وان كانت ليس الأولى التي تصدر من هناك.
وما من أحد ينكر تأثير فتاوي التكفير في الواقع العراقي، ليس بزعم التبعية المذهبية من بعض العراقيين لهذه الجهة، بل لتأثير هذه الفتاوي التي تصدّر وتفعّل بين فترة وأخرى، والتي تشكل دافعا ومحفزا كبيرا على الإرهاب التكفيري، خاصة وان منطقة الخليج والسعودية منها تحديدا تعتبر منبعا حقيقيا له، حيث يتدفق المال عادة والمحرضون والجناة المضلّلون.
كما إن الحدث الإرهابي الجلل الذي طال منطقة الصدرية ونال من الأبرياء فيها بأرواحهم وأموالهم ومساكنهم، جاء عشية بث قناة بي بي سي الرابعة (BBC4) الانكليزية لتقرير يتناول "فرق الموت" التي نسبها إلى الشيعة، وكأن كل ما يحصل من موت في العراق هو من فعل الشيعة أو المحسوبين عليهم. وان الموت الذي يطال الشيعة ليس موتا، وان من ينفذه مجرد أفراد أو "فرق حياة" وليس موت. وان الأشخاص اخطر من المفخخات التي تطال البشر والحجر والبيئة مرة واحدة.
"الفلم" التقرير، أظهر بعض القادة العسكريين والمستشارين الاميركان الذين عملوا في العراق "شهودا" على ما نسب من أفعال إلى الشيعة. وأصبحوا لدى بعض الطائفيين الناقمين والتكفيريين شهودا صادقين "للحقيقة" ومدافعين عن حق السنة، ونسوا جرائمهم بحق هؤلاء. ولا كأنهم "كفار" أعداء لا تقبل لهم شهادة ولا يسمع منهم قول.؟؟
وقد كان هذا التقرير الموجه، بمثابة خبر مفرح ولقي صدى طيبا لدى العديد من الأطراف الطائفية المحلية والعربية، ومنها قناة الجزيرة التي أعادت بثه بنسخة ونكهة عربية، كما غيرها من بعض أبواق التكفير والطائفية.
والحدث الآخر كان داخليا، حيث قامت مجموعة مسلحة بخطف بضعة جنود وضباط اميركان من أمام مبنى محافظة كربلاء. وقد نسب الجانب الأميركي هذا الفعل إلى المخابرات الإيرانية و"عملائها" في الداخل، وذلك نتيجة للحرفية الكبيرة التي تم بها هذا الفعل، الذي ترجم على انه رد فعل لما قامت به القوات الأميركية من مداهمة لمبنى تابع للقنصلية الإيرانية في اربيل عاصمة إقليم كردستان العراق. وتواصلا مع هذا الكر والفر بين الطرفين الخارجيين، حصل قبل يومين اختطاف لدبلوماسي إيراني كبير في بغداد، وألقت إيران بالتهمة على الجانب الأميركي وعلى "عملاء" أميركا الذين ربما ينتمون إلى الجيش العراقي. وهكذا أصبح البلد ميدانا لصراع أطراف خارجية ولاعبين أساسيين في استقراره وتوتير وضعه معا.
ليس في العراق طائفة من الشياطين وأخرى من الملائكة، وليس هناك طرف واحد هو الضحية والآخر جان، بل الجميع خاسرون فيه طالما استمر النزيف والتشتت. إننا لا ننكر هنا وجود أطراف من الشيعة ملطخة أيديها بدماء الأبرياء من إخوتهم السنة، ولكن بنفس الوقت ينبغي أن نقر بما دفعه ويدفعه أبرياء الشيعة يوميا من دمائهم، فمن المسؤول عنها؟؟ وطبعا ليس من المعقول أن نحمل السنة تبعة هذا الجرم، ولكن لا بد أن يكون هناك من يتحمل الذنب ويحسب عليهم بالنتيجة، وان كان قادما من خارج الحدود. ومع ذلك فان هذا لا يشرع استهداف الأبرياء منهم أو أخذهم بالشبهة. وعلى المنصف من كل الأطراف أن يقر بالنتيجة بان هذه دوامة يمكن أن ينجرف الجميع فيها وان لا احد بمنأى عن ضررها.
إن الدم العراقي واحد ولا ينبغي أن نفرق بين سني وشيعي، ولا مسلم ولا مسيحي ولا كردي ولا عربي أو تركما ني...الخ. وان الجرم الذي يطال الأبرياء هو واحد، ولا فرق بين محتل أو مسؤول أو متحزب أو طائفي، أو أجنبي قادم من الخارج ممن يقومون بهذه الأفعال. وبالتالي لا بد أن يلقى جزاءه من خلال القانون الذي علينا جميعا إن نحميه. وإذا كانت القوى الخارجية لا تسير على هذا النهج ولا تريده، فهي بحق عدوة العراق الأولى، ولكن على ابن العراقي مهما كان انتماؤه أن يتقي الله في الدم العراقي، وان يسعى من اجل وقف نزيفه لا من اجل استمرار هذا النزيف.
علينا أن ننهي مهزلة أن نكون ساحة لصراع الآخرين، ولكل كاره يصب زيته على نارنا التي لا تحرق سوانا.
د. حميد الهاشمي