دعوا أليسا تغني للحب والحياة بعيدآ عن كوارثنا!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أليسا... الفنانة اللبنانية المتميزة هي وردة جميلة من باقة ورود لبنان التي لاتنتهي، ولن تنتهي بعونه تعالى. فمن منا لايحب تناول الفطور مع فيروز العظيمة وهي تداعب بصوتها الشجي ندى الصباح الجديد وبراعم الرمان المتفتح. ومن منا لايحب أن يسمع ندى الروح المتدفق مساء مع صوت الأنوثة الحقيقة للسيدة ماجدة الرومي عندما تكاد الورود تغفوا على خيوط ضوء القمر وصوتها الجميل. ومن منا مابين الصباح والمساء لايحب ان يسمع صوت وديع الصافي ذلك المبدع الكبير وهو يحيط الروح والوجدان بماء زلال تسبح به الارواح وتغتسل به الأنفس... سجل طويل وراقي هذا الفن اللبناني الأصيل. مثل اهله تمامآ تشعر وانت تجالسهم او تحادثهم برقة ذلك " الزنار " اللبناني الجميل الذي يحيط بالخصر الرقيق. و تشعر بعظمة وعمق جذور شجرة الأرز التي تتوسط علمهم اللبناني الجامع لكل أهل لبنان من شمالهم الجميل حتى جنوبهم العذب.
في كل بلداننا العربية تحيط بنا الكوارث من حيث نعلم او لانعلم، ولبنان في وسط هذه الدائرة وليس بعيدآ عنها. وليس هنا بصدد مناقشة الوضع السياسي اللبناني، لكني حريص على الاشارة بان صناعة هذه الكوارث في كل بلداننا هي ماركة " صنع محلي " وبجدارة، قبل ان تتحول الى ايادي اخرى خارجية ومتحكمة. والمشكلة التي نعاني هي تصدر الجهال والمتعصبين لبعض المنابر المفتوحة او الاعلامية، ومثل هولاء أفه تتسابق مع الريح للفتك بوحدة المشاعر الوطنية وفي حق الانسان باأنسانيته!!. ويتراجع امام ذلك بل ويغيب ذلك الفكر التنويري الأنساني النهضوي، وانا اجزم اذا بقي هذا الغياب وهذا الحال مستمرآ لعقود قادمة فسنكون من الامم المنقرضة بعد أن يفتك بعضنا ببعض.
فلقد انتفض البعض للدين والوطن والقومية مرة واحدة وكل ذلك بسبب صعود أليسا الى المسرح في احدى الحفلات الفنية وهي تضع في رقبتها الجميلة سلسلة تحمل علامة " الصليب " التي ترمز الى سيدنا المسيح "ع". وبرر هذا البعض موقفه انها تغني في بلد اسلامي فيجب ان تحترم تقاليده!! وان تحترم اهل البلد!! ويبدو ان اصحاب هذه الاراء المتطرفه لم يعد يشبع رغباتهم تقسيمنا الى شيعة وسنة الى عرب وعجم الى صفويون وبقايا العثمانيون الى قصف وتفجير الكنائس والمساجد كما يحدث في العراق. كل هذه الكوارث لم تعد كافيه فهاهم يعدون العدة ويصعدون من نبرتهم العنتريه التي وصفها شاعر الحب نزار قباني " بالعنتريات التي عمرها ماقتلت ذبابة ". لكن هذه المرة البوصلة باتجاه جديد بين المسيحين والمسلمين!! ضاربين عرض الحائط كل ثوابت التاريخ من العيش والوجود المشترك الاسلامي المسيحي في المنطقة.. ويتصورون بغباء شديد ان وجود الاديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلامية في هذه الدائرة القريبة هو مجرد مصادفة تاريخية. وليس رحمة ألاهيه وعبره للمتقين والعقلاء.
وبعيدآ عن صفحات التاريخ وفقه الدين. ياايها " الفطاحل " من اجبركم على مشاهدة او حضور حفلة أليسا وهي تضع الصليب!! ومن اعطاكم الحق بمصادرة حق الاخرين بالتعبير الأنساني عن معتقد معين. طالما لايمس معتقدات الاخرين. ثم لم يكفيكم تقسيم ديننا الى مذاهب وهيئات متحاربة، تعملون على تقسيم الفن هذه المرة بين المذاهب و الاديان!! يجب ان تكون واضحة ثقافة احترام الاخر الانسان الذي يشاركني الوجود في هذا الكون الفسيح والجميل الذي يريد ان يحوله البعض الى علبة من عيدان ثقاب متشابهة تنتظر الانفجار في اي لحظة. وليس بعيد ياتي يوم على سبيل المثال يخرج لنا احدهم ليقول ان الزي " الكردي " يثير مشاعرنا القومية والعروبية!! او مثلما يخرج علينا البعض ويقول مثلا ان أرتداء الحجاب هو نوع من الاستفزاز!! من اين جئتم بهذه الاراء المتطرفة التي تسلب حق الانسان باأنسانيته وحرية فكره واختياراته.. فهذه الارض حملت تنوع حضاري وديني فريد وغاية في الروعة والابداع السماوي والأدمي. فهي ارض أدم وحواء وهي ارض ابو الانبياء ابراهيم "ع" وهي ارض سيدنا موسى وسيدنا عيسى وأرض سيدتنا مريم العذراء " عليهم السلام أجمعين " وهي أرض نبي الرحمة الصادق الأمين محمد "ص" وال بيت النبوة "ع"، وهي ارض أكرمها الله ببيت المقدس والبيت العتيق الكعبة المشرفه والنجف الاشرف وكربلاء الحسين وهي ارض كل المذاهب وارض كل المراقد المقدسة. وارض المحبة والجمال من العرب والاكراد من السنة والشيعة والمسيح ومن الاقباط ومن المارون ومن الدروز والصابئة والأشوريين والشبك، وهي ارض أمهات الحضارات في بابل وسومر والحضارة المصرية. وهي ارض التاريخ والجغرافية على حد سواء فلماذا هذا الاصرارعلى تدمير الذات والاخرين.
ومازلت أتذكر جيدآ تلك الضجة الفارغة التي اثارها البعض على اغينة الورده اللبنانية الجميلة هيفاء وهبي " واوا "!! وكان مصدر الاعتراض هذه المرة لان هيفاء اساءت الى الطفولة!! انها نكته كبيرة ومسخة بنفس الوقت، وقد رددت على تلك المقالات والتصريحات والاقاويل في مقالة لي في احدى المجلا ت العربية أسميتها " شكرآ هيفاء وهبي " شكرآ لانك ذكرت هذا البعض بالطفولة العربية البائسة، شكرآ لانك اثارت الحمية الانسانية عند هولاء ليعدو كم طفل عربي يستجدي في الشوارع ويجعل من ساحات المرور موطن له بدلا عن مقاعد المدرسة!! شكرآ لانك ذكرت هولاء بأن اكثر من سبعين مليون أمي في أمة القلم والتاريخ!! وتمنيت عليها ان تقدم اغنية جديدة بمستوى " واوا " عسى ان تذكرهم ايضآ بالواقع السياسي والاجتماعي البائس في عالمنا العربي. من يعرف ربما على أثر الاغنية الجديدة تلك قد يتم تداول قانوني وديمقراطي للحكم في بلادنا.!!
كفانا مزايدات وكفانا جهل وكفانا تطرف واقصاء كفانا استخدام المعاول للتهديم بدلآ عن البناء.. فالحضارات والحياة ليس حلقة واحدة مغلقة بل هي مجموعة حلقات منفتحة على بعضها ولايمكن النهوض او الحياة بدون الفن والفكر والادب والشعر والرسم والرياضة والموسيقى والتطور العلمي والاداري الى جانب قيم الدين المتسامحة وعواطفها الأنسانية الكبيرة وبناء أسس العدالة الاجتماعية. ودعوا أليسا وكل الفنانين يعبرون عن الحب والحياة بطرقهم المختلفة من فرشة الرسام وحتى اوتار الموسيقى ومن صفحات الادب والفكر الى صفحات الدين. فلا دين بلا حياة ولاحياة بلا دين... لكن العامل المشترك بين الاثنين هو الحب فلاتقتلوه او تحجروه ودعوا أليسا تغني للحب والحياة. بعيدآ عن كوارثنا ماركة " صنع محلي ".
محمد الوادي