أصداء

ليتَ يايوم الاحتلال كُنتَ يوما بلا غدِ

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لم يجد الكثيرون حرجا في التعبير عن امتعاضهم من الصورة القاتمة بل المأساوية االتي رسمها الموسيقار الراحل فريد الاطرش عن الحياة عندما شجا بصوته ( الحزين اصلا) اغنيته المفرطة في اليأس والحزن ( عُدتَ يايوم مولدي عُدتَ يا أيها الشقي ). تساءل البعض هل وصل الحال بالموسيقار الكبير، و كرد فعل ربما لقسوة الحياة واصرارها على توجيه سفنها بما لاتشتهي رياحه، الى ان يعلن انتمائه الى مدرسة ابي العلاء المعري الذي سبقه بمئات السنين فأطلق صيحته الشهيرة:

ياموت زُرْ إن الحياة ذميمة

ويانفسَ جِدًي إن دهركِ هازل

الكثرة الساحقة ترى في اغنية الاطرش وابيات المعري نشازا وكابوسا وصورة تتمنى ان لايظلمها الزمن فتكون وصفا لحالها وتحاول جاهدة فتتضرع وتعمل لكي تكون الدنيا بالنسبة لها ( ربيع والجو بديع ).

كان الكثير من سكان الاتحاد السوفيتي السابق يخفون في غرف نومهم الصلبان التي يرجعون اليها في ساعات متأخرة من الليل يطلبون اليها العون والفرج والحرية من النظام الجاثم على صدورهم. اعتقد ان نسبة كبيرة من العراقيين، واقصد هنا عراقيي الداخل اولا، ولا أجانب الحقيقة في القول ان ثقلا كبيرا ممًن كان محسوبا على النظام وحتما بعض قياداته واركانه، بالاضافة الى اصحاب الغيرة الوطنية من عراقيي المهجر وليس بعض الاسماء المشبوهة في المعارضة العراقية السابقة، كانوا يفعلون الشئ ذاته فيبتهلون الى الله عن طريق مصاحفهم وصلبانهم وايقوناتهم ليأذن بنهاية ليل الدكتاتورية و الاستبداد وتشرق شمس الحرية و الرخاء والمساواة على وطنهم الحبيب. وهكذا وبالرغم من تحفظ الكثيرين على الطريقة التي تم بها ذلك، بقي هؤلاء يسلٍي النفس في امكانية ولادة عراق جديد لاتقل فيه بغداد رخاء عن ابوظبي والبصرة عن دبي والموصل عن جدة واربيل عن الدوحة. ما اقسى ان يستفيق الانسان على كابوس رهيب بعد ان كان قد بدأ نومه بحلم جميل. هاهو الاحتلال البغيض يوشك ان يطفئ شمعته الرابعة على ركام عراق رايته العنف و طعامه الموت والاختطاف وشرابه الدم.

كان يوم عطلة، والاطفال فرحون كوننا نجتمع اليوم لنتناول طعام الفطور معا، فانطلقنا جميعا نتعاون مع بعضنا لتهيئة الوجبة على انغام الاغاني الجميلة التي تحرص قناة عشتارعلى بثها قبل بداية برامجها، وعندما كان قد وجد كل شئ محله الصحيح على المائدة وجلستُ، بعد ان انجزت المهمة المحببة الى نفسي وهي صب الشاي، وقع نظري على مفتاح التحكم بحثا عن برنامج افضل واذا بي اذهب الى قناة البغدادية وهي تقدم الشاعر كريم العراقي في قراءة شعرية يكتب فيها لبغداد تتخللها صيحات حزينة لكاظم الساهر وهو يقول لبغداد ( بغداد لا لا تتألمي بغداد انتِ انتِ في دمي ----). ترى هل بامكان اللقمة ان تكتشف طريقها الى الجوف، والاذن والعين تتحسسسان ألام بغداد؟! كيف يمكن لزوجتي وهي انثى اولا و ابنة بغداد ثانيا، فكل ذكرياتها تدور حولها، ان تصمد امام احزان بغداد؟ وهكذا لجأت المسكينة الى سلاح ( ابسط الايمان )،الى دموعها. صمت رهيب اصبح يسود المكان وكأن الاطفال ربما قد استوعبوا الموقف ووجلاله حتى انهم توقفوا عن المزاح مع شقيقهم الصغير الذي لايتجاوز عمره بضعة شهور احتراما او اندهاشا، لجأ الطفل الصغير الى البكاء في محاولة لجلب الانتباه فوجدت في ذلك منفذا يتركني أَفي حقوق معاني الرجولة فاحتظنته ومسحت سريعا بملابسه بعض دموعي ثم انتبهت الى نفسي وعاتبتها فالدموع من اجل العراق راحة وسلوى للرجال والنساء، للصغار والكبار. لاندعي في سرد هذا اننا حطًمنا الرقم القياسي في الوطنية فيقينا هنالك الملايين من العوائل التي تبكي العراق وتتألم له في كل لحظة بل قدًمت الدماء والدموع من اجله وفي مقدمتها شعبنا الصابر في الوطن الذي تأكل الة الموت اللعينة من جسده يوميا و يعاني من عدم توفر ابسط مقومات الحياة ويعيش تحت التهديد ولانملك إلا ان ننحني اجلالا لصبر هذا الشعب وطول اناته ولكن هي محاولة متواضعة لعلً وعسى تحقق بعض اهدافها في إثارة من يحتاج الى الاثارة.

خرجت احدى الصحف السويدية بمانشيت رئيسي على صفحتها الاولى مرفقا بالصورة يتحدث عن ( مشكلة جدية ) تتمثل في شحة توفر الصابون والاوراق الصحية في حمامات احدى المستشفيات وتطالب بايجاد حلول سريعة بل وتتساءل احدى النساء الكبيرات في السن التي التقى بها كاتب التقرير قائلة: هل يجوز ان اضطر لحمل الصابونة كلما ذهبت الى الحمام؟ ويعد المسؤولون في المستشفى بدراسة الموضوع ومعالجته سريعا. ترى ماذا يقول هؤلاء وهم يشاهدون كل يوم على شاشات التلفاز عشرات الجرحى وهي تُنقل بالعربات الخشبية الى المستشفيات في العراق وتُدخل الى غرف العمليات وكانها تدخل الى سوق الجزارة. بلد تغطيه الثلوج ثلاثة ارباع السنة والمواطن فيه ترفعه الدولة على الاكتاف من الولادة حتى الممات، وبلد تحت اقدام ابنائه كل الثروات وهو منبع الخيرات والحضارات والمواطن فيه يائس تائه لا احد يضمن له ساعة وليس يوما او شهرا او سنة اوجريح بالشظايا حائر بنفسه مع اهله او ميت بالمفخخات اوالهاونات وتُجمع اشلائه بالقطع علما انه يؤمن بقدر الله. أليس هذا سببا يترك الاخرين ينفرون من رؤيتنا فيفضلون ان تحتل اخبار النعجة ( دولي ) اذا اصابها اي عارض صحي مقدمة نشراتهم الاخبارية على ان يعرجِوا على اخبارنا وارقام ضحايانا اذا سمح الوقت بذلك. حسبنا الله من كل مَن سكن تلك المنطقة عندما كانت حمراء او زرقاء وحسبنا الله مِمًن يسكنها بعد ان أصبحت خضراء.

قبل عقود غنى الاطرش ليعكس ربما تجربته ومعاناته الشخصية فقال:

عُدت يايوم مولدي

عُدت ياايها الشقي

الصبا ضاع من يدي

وغزا الشيب مفرقي

ليت يايوم مولدي

كنت يوما بلا غد

واليوم يقف العراقي على انقاض وطنه وفي بحر جراحاته يقول:

عُدت يايوم الاحتلال

عُدت يااسود الايام

الوطن اراه يضيع من يدي

والحراب تأتي من كل جانب

والموت والدم اصبحا الوان علمي

بئس من جاء بكَ ومن معك ومن بإسمك سيأتي

ليت يايوم الاحتلال

كنت يوما بلا غدِ

د. وديع بتي حنا

wadeebatti@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف