التفجيرات المتنقلة أي رسالة تحمل؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يقع التفجير كعادته في منطقة مسيحية بل قريباً من بلدة "بكفيا" التي شهدت مقتل الوزير الكتائبي بيار جميل منذ وقت ليس ببعيد، وتنهمر التحليلات من قبل السياسيين اللبنانيين، وكل بحسب مشربه ومذاق مطعمه، بفسر ويجتهد. إلاً ان الكثرة الكاثرة من المسيحيين يتفقون على ان المقصود من هذه الإستهدافات هو الوجود المسيحي في لبنان.
فمن يا ترى الذي لا يريد للمسيحيين وجوداً في لبنان؟ هل هي المعارضة التي تعتمد في اثبات وطنيتها على ركن أصيل في نسيجها، وهو "التيار الوطني الحر" الذي لا ينفي عن نفسه مرجعيته للمسيحيين وحقه في صون حقوقهم في هذا البلد؟ أم الموالاة والتي فيها اكثر من جناح مسيحي وصل بهم الإفراط في التعصب لمسيحيتهم في لبنان أبان الحرب الأهلية الى حد التعامل مع اسرائيل والدعوة الى فدرالية للبنان تحافظ على وجودهم السياسي امام التكاثر العددي والزحف الديموغرافي لشركائهم في الوطن من المسلمين بجناحيهم السني والشيعي؟
أم أن سوريا التي تحولت الى "الشيطان الاكبر في لبنان" هي التي تتربص بهم هذا الشر العظيم؟واذا كان كذلك فلم هم دون غيرهم من الطوائف اللبنانية؟
فلا المسيحيين وحدهم جاءوا بالقرار 1559الذي دعا الى خروج جميع الجيوش الأجنبية من لبنان!، ولا هم وحدهم الذين طالبوا باخراج سوريا من لبنان!، ولا هم الذين انفردوا من بين الطوائف اللبنانية بالتوحد والإجماع حول العداء لسوريا، ففهيم الجنرال عون الذي تتهمه الموالاة أنه رتب صفقة مع السوريين مفادها الكف عن اتهام سوريا او التحريض عليها مقابل وصوله لرئاسة الجمهورية اللبنانية؟
ثم هل من مصلحة سوريا، اذا سايرنا-جدلاً- قوى الأككثرية بأن عون أصبح حليفاً لسوريا في لبنان، أن تضر بشعبية حليفها المسيحي الوحيد لصالح أحزاب مسيحية منافسة يطالبون علناً بمحاكمة سوريا وحصارها وترحيل نظامها الى الجحيم؟
ثم أليس أكثر الناس عداء لسوريا في لبنان هو الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي نادى صراحة عقب اغتيال الحريري برغبته في اجتياح أمريكي لسوريا، على غرار ما فعلته بنظام صدام حسين؟ فلماذا لا تحصل هذه التفجيرات بين الدروز لترعيبهم وتمزيقهم وهم الذين يكادون يجمعون على جنبلاط زعيم لهم في لبنان؟
ثم أليس الطائفة السنية هي التي رجحت الكفة باخراج سوريا من لبنان؟ فالقاصي والداني يعرف ان المسيحيين دائماً كانوا يرغبون برحيل سوريا من لبنان، إلا ان مطالبهم كانت تذهب سدى لأنهم لا يشكلون الأكثرية الشعبية وقد كانوا بحاجة الى طائفة أخرى من الطوائف الكبرى كالطائفة السنية او الشيعية لدعمهم في هذا، حتى جاء اغيتال الحريري في الرابع عشر من شباط 2004م لتميل الكفة السنية لصالح المسيحيين في المطالبة برحيل الجيش السوري عن لبنان..بل ذهب الأمر بالطائفة السنية انها تنازلت عن حقها في دم رئيس الوزراء اللبناني رشيد كرامي الذي أغتيل على يد سمير جعجع قائد القوات اللبنانية والذي صدر بحقه حكماً قضائياً بذلك..حتى ان مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو قال في تصريح له ذات يوم أن السنة تحالفوا مع أكثر المسيحيين تطرفاً وهي القوات اللبنانية التي كانت تذبح السنة على الهوية وانها تنازلت عن حقها في دم رشيد كرامي رغبة منها في بناء وطن جامع للبنانيين على اختلاف طوائفهم، فلماذا لا تنتقم سوريا من السنة بوضع متفجرات في مناطقها وهم الذين كانوا السبب المباشر في اخراجها وهم اكثر الناس الآن مطالبة بالمحكمة الدولية؟
وقوع هذا التفجير في منطقة يتنافس عليها حزبين رئيسين هما حزب الكتائب المعادي لسوريا والمحارب لها، والحزب القومي السوري الإجتماعي، الحزب الوحيد الذي خرق الطائفة المسيحية من بين الاحزاب الموالية لسوريا يطرح تساؤلاً حول ما إذا كانت هذه التفجيرات تستهدف وجود هذا الحزب داخل الطائفة المسيحية خصوصاً إذا علمنا ان قوى 14 آذار خرجت مباشرة مستبقة التحقيق كعادتها لتحمل سوريا مسئولية ما حدث بل إن الوزير مروان حمادة المعروف بكرهه الشديد للنظام السوري لوح به لتشابه العملية بمحاولة اغتيال سابقة وقعت لضابط لبناني معني بملف اغتيال الحريري.
نحن لسنا بصدد الدفاع عن النظام السوري ولا يعنينا ذلك، ولكن يبدو من سياق الأحداث أن هناك جهات قد تكون داخلية او خارجية او داخلية وخارجية متضررة من أي وفاق يتم بين اللبنانيين من جهة حيث قبيل اي تقارب يحدث بين قوى الاكثرية والمعارضة يقع تفجير او يطرأ اشكال يعرقل المساعي لذلك، وقد تكون هذه الجهة موجودة داخل قوى 14 آذار وداخل قوى 8 آذار أيضا. ومن جهة ثانية فإن الواضع لهذه التفجيرات يريد أن يبعد المسيحيين في لبنان عن أي اندماج في مشروع الوطن الواحد لخلق فئات متطرفة داخل الطائفة تسعى الى ايجاد امن ذاتي لها وللطائفة من بعدها وفق منطق "كل مين إيدي أًولو" الذي سيؤدي في النهاية الى ايجاد ميلشيات مسلحة تهدد أمن لبنان ككل وتعيد طرح موضع الفدرالية بزخم اكبر..
فهل سيعي اللبناني أي كان انتماؤه او مذهبه بأنها فتنة القائم فيها خير من الساعي والقاعد خير من القائم والمحارب لها خير من الجميع؟
محمد مصطفى علوش
كاتب ومحلل سياسي لبناني