أصداء

مفجوع بالحياة.. قلق من الموت

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في مثل هذا هذا اليوم 16- 2- 1961 صادف يوم ميلادي.. عرفت بهذا التاريخ الجديد مؤخرا بعد أتصالات هاتفية متكررة أعتصرت فيها ذاكرة أمي وذاكرة بعض أقربائي الذين ولدوا معي في نفس الشهر والسنة.

لماذا خُلقت في كنف هذه العائلة؟.. ولماذا اختارني القدر لأعيش في مدينة كربلاء أحدى مدن العراق؟.. ولماذا تصبح هويتي عربية اسلامية شيعية؟.. ولماذا انا بهذا الحجم والطول واللون؟.. ولماذا أتصف بهذه المزايا والطباع والميول؟.. للأسفهذه الأسئلة الوجودية لاتوجد لها اجابات شافية نهائية.

فأنا لم أختر حياتي.. ومنذ الولادة وحتى الممات أعيش محاصرا بكم هائل من الحتميات البايلوجية التي تحدد طبيعتي الصحية، و القدر أو الحظ،و البيئة، والتاريخ، والدين، والقومية، والطائفة، والعائلةوالعشيرة... محاصر من كل الأتجاهات، وحصاري هذا يدفعني للسخرية من أصحاب الشعارات المثالية الانشائية الفارغة الذين يتشدقون بقوة الارادة وصنع التاريخ وحرية الانسان!

فالأنسان كائن مُكره في أغلب افعاله.. ولكي يتجاوز هذا المأزق لجأ الى خداع التشدق بمقولات أوهام الارادة وتحقيق الذات والكفاح والبطولة وصنع التاريخ... بينما هو في حقيقته مقهور مستلب من قبل أوهام لعبة الحياة التي يتجلى ذروة خداعها في هيمنة الاحلام والاطماع على فكر وسلوك الانسان فيصبح مربوطاً بحبل أطماعه الذي يجره الى أسطبل الإستعباد!


غريب أمر الانسان.. يفرح بالاطفال وهو خادم لهم، ويفرح بالمال وهو مستعبد وحارس له، ويفرح بالمناصب الوجاهة الاجتماعية وهو يستجديها من الاخرين على شكل دعاية انتخابية واعمال خيرية وسلوك مصطنع!


أنا مفجوع بالحياة... هذه هي حكمة عمر مابعد الاربعين.. مفجوع من هيمنة الشر وضعف العدالة، ومن تشوه صورة الانسان وبشاعته، وحزين للاضطهاد والظلم الذي تتعرض له المرأة في كل مكان، لماذا يظلم الانسان اخيه الانسان؟


مفجوع بالحياة.. وارفض معاييرها للنجاح التي تسير عليها كالنجاح المالي،وانجاز شيء ما، أو الحصول على منصب معين، أو شهرة واسعة... ارفض هذه المعايير وليس عندي المعيار البديل الذي يصلح للجميع، ولكن أمتلك معياري الفردي الخاص الذي يناسبني وحدي فقط.


يفترسني القلق من الموت في هذا العمر، ومن الصعب عليّ تقبل البديهات والمسلمات والسكوت عليها دون مناقشتها ومساءلتها.. لماذا خُلقنا وحدد لنا هذا القدر من السنين ثم بعدهانموت؟.. ماالذي يجري في عالم ما بعد الموت؟.. الديانات تقدم اجابات الكثير منها غير مقنع، والكثير منها هو عبارة عن اغراءات للبشر لإختيار الفضيلة والعدالة في الحياة على أمل الحصول على المكافأة في عالم مابعد الموت، ماذا عن فكرة خلود الروح هل هو نهائي أم لزمن محدد؟.. فمنذ اللحظة الاولى لولادتنا تبدأ رحلتنا نحو الفناء والموت أليس هذا جحيماً يطوقنا طوال الوقت؟!

في عمر مابعد الاربعين.. أفتقد بشدة وأشتاق بحرارة الى أجواء المدن العراقية وتفاصيلها الحميمية السحرية.. الشوارع والازقة العتيقة والاسواق وحركة الناس وجدران البيوت والبنايات التي تسجل صفحات ذاكرة المكان.


لقد أصبحت مشاعرينحو العراق.. مثل مشاعر الأم حيال طفلها الضعيف المريض فكلما كان مريضا مشوها كلما أزداد اهتمامها وحبها له... اذ أجد نفسي تشتاق أكثر وافكر بالعودة كلما سمعت عن اخبار المفخخات والتفجيرات والقتل... فالوطن هو المعنى الكبير لحياة الانسان.


ها أنا ذا أستقبل عام جديد من عمري.. بمزيد من الكآبه والحزن والألم وخيبة الأمل... وهذه نتيجة منطقية لمن يكتشف سر لعبة الحياة وأوهامها وخداع أطماعها وإستعبادها للانسان.. وهذه النتيجة منطقية ستقود بالضرورة الى حياة التصوف والزهد... والى السؤال الدائم عن ماهية هذه اللعبة التي تسمى الحياة؟!

خضير طاهر
kodhayer@netzero.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف