خطة أمنية لكل مواطن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مع بدء سريان تنفيذ الخطة الأمنية الجديدة، أو خطة فرض القانون في بغداد كما سميت، فان الحديث المتجدد، هو حول جدوى تنفيذها، وهل من نجاح ولو نسبي يلوح في الأفق ستثمر عنه هذه الخطة؟
وبما أنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بالتأكيد، حيث يتوجب حتى في حالة نجاحها فرض خطط قادمة تناسب المراحل اللاحقة.
وفي سياق الحديث عن الجانب الأمني، يجدر أن نشير بالمناسبة إلى أن هناك ما يمكن أن نسميه " ثقافة أمنية" قد نشأت في بغداد ومناطق التوتر الأخرى في العراق. ومن ملامح هذه الثقافة الأمنية، هي أن العديد من المؤسسات والقرى والبلدات والأحياء السكنية والوحدات الاجتماعية مثل العشائر والبيوتات والعوائل، بل وحتى الأشخاص كل حسب أهميته يضع خطته الأمنية لنفسه دون ضجة إعلامية وسابق إنذار. فبعض الأحياء السكنية خلقت تفاهمات لها مع سكانها ومع الأحياء المجاورة، وبعضهم عقدوا معاهدات وكذا بعض العشائر والقرى عملت تحوطاتها من أجل صد أي هجوم معادي. مثلما عمل البعض خططه الإرهابية الهجومية ضد أطراف وأهداف.
معظم الأحياء أعدت لجانا من أبنائها للحراسات وبعضها لجأ إلى مليشيات تنتمي إلى طائفته. علما أن معظم الأحزاب والقوى السياسية في كل الطوائف بات لديها مليشيات وقوى مسلحة. وقد وضعت متاريسا ونقاط تفتيش وحواجز وعيون تمنع وترقب الغريب أو من يشتبه به. ولهذا كانت أغلب الأعمال الإرهابية توجه عادة إلى الأهداف الأسهل المتمثلة بالأسواق وأماكن التجمع العامة، التي لا يجمع بين روادها رابط معرفي، حيث تتسم بالمجهولية والانفتاح مع كل قادم إليها. ولعمري أن هذه أهم الأماكن التي يتوجب أن تشملها الخطة الأمنية "المركزية" قبل غيرها.
من المعلوم أن هناك مؤسسات لا يمكن تسليح أهلها وتكليفهم بالدفاع عن أنفسهم، مثل الجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى والمستشفيات والجمعيات الخيرية والأهلية وما يماثلها. وانه من المفترض أن يتم تحييدها عن أي نزاع أو صراع مهما كان نوعه. ولكن مع الأسف وضعها الإرهاب ضمن الأهداف السهلة.
وعودة إلى الخطط الأمنية، نجد الأفراد المهمين يعمدون إلى أخذ الحيطة والحذر ورسم تحركاتهم، وصرف مبالغ لحراستهم بالاعتماد على بعض الشركات الأمنية التي نشأت في البلد، أو على أبناء عمومتهم أو أحزابهم أو أتباعهم وهكذا. أما المواطن البسيط الذي يتعايش مع الموت وينتظر قدومه، فلعله لا يستسلم، وتجد تحوطاته البسيطة تبدأ بالدعاء والذكر والتسبيح طيلة طريقه، والالتفات يمنة ويسرة، والشك والاشتباه في محيطه أينما سار. ولا أظن أن هناك من يستسلم البتة لمصيره دون وضع خطته الأمنية الخاصة.
وهناك ممن يجلسون بأمان الله ويتوقعون سقوط قذائف الإرهاب على رؤوسهم من هذا الطرف أو ذاك، فمن المرجح أن لديهم ما يتخذون في هذا الجانب، حيث اختيار الغرف والأماكن الأكثر أمانا واطمئنانا بالنسبة لهم. وطبعا لا ننسى الأعداد الكثيرة التي هاجرت أماكن سكناها دون أن تنتظر ورقة التهديد والإنذار التي تأتيهم من الطائفيين.
السير في وسط الطريق لا على جانبه، هو جزء من الخطط الأمنية لسواق السيارات، خشية ما يتوقعوه من وجود عبوات ناسفة على جوانب الطرقات، والابتعاد عن الأماكن الحساسة المتوقع استهدافها، وأماكن الازدحام قدر الإمكان، والخروج بوقت غير مبكر والعودة مبكرا إلى البيت، يدخل في هذا السياق.
وماذا أيضا تفتيش جوانب البيت وحديقته إن توفرت، وتفتيش السيارة الخاصة، من داخلها وأسفلها، خشية أن تكون قد وضعت عبوة ناسفة أو مواد متفجرة بها كاستهداف لصاحبها أو جعلها وسيلة لاستهداف الآخرين.
وحتى تنجح الخطة الأمنية "المركزية" في بغداد، والتي وان كان شعارها "فرض النظام والقانون"، فان هدفها الجوهري هو وقف نزيف دماء الأبرياء من المواطنين الذين يسقطون جراء التفجيرات، والقصف العشوائي الأعمى على الأحياء السكنية وغيرها. نقول حتى تنجح هذه الخطة، نطالب هنا بإتباع أسلوب اسبق من ذلك ألإستباقي الذي يضرب الإرهاب في وكره قبل تحركه، وهو هنا السعي إلى تجفيف منابع الإرهاب المادية والبشرية. فالذهاب ابعد من الحدود، يعني الوصول إلى دول الجوار والدول الأخرى وزرع الأعين بأساليب مخابراتية تستدل على شبكات الإرهاب التي تصدر المال والبشر إلى العراق. والاتصال والتنسيق المستمر مع دول العالم المتوقع أن توجد فيها تلك المنابع. كما أن للمشاريع الخدمية والتنموية في البلد بصورة عامة وأماكن التوتر خاصة أهمية كبيرة في قطع الطريق على الإرهابيين في إيجاد المبررات وتجنيد الشباب العاطل عن العمل. وإتباع سياسة "التفتيش بإبرة" واستخدام تقنيات وأساليب حديثة في التنقيب عنها، لان مادة القتل الجماعي هنا عادة هي الأسلحة والمواد المتفجرة التي يبدو أنها لا تنضب في هذا البلد. وان تتم هذه الاساليب وفقا لشعار الخطة المعلن "القانون"، متجنبة انتهاك حقوق الانسان.
ومن مكملات الموضوع نطالب بتعزيز الخطط الامنية "المؤسساتية" والفردية للمواطنين، حتى على صعيد المواطن البسيط، وذلك من خلال بث إرشادات توعوية عبر مختلف وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، تضع له خارطة طريق ونقاط ذهبية تجنبه قدر الإمكان أن يكون ضحية سهلة للإرهاب، ويتعاون لتثبيت القانون والنظام.
د. حميد الهاشمي