أصداء

الشعب يهرب والحكومة تدّعي انها منتخبة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

نعيش هذه الأيام في فوضى الخطابات الغريبة والعجيبة حيث نسمع من أفواه عراقيين مسؤولين في السلطة، يدّعون فيها انهم حكومة منتخبة ويمثلون كل مكونات الشعب العراقي، لكننا في الجانب الأخر لا نرى غير هروب جماعي عراقي منهم!


وما نخشاه مستقبلا فيما اذا استمرت الحالة على هذا المنوال فستجد الحكومة نفسها وحيدة تحكم نفسها في المنطقة الخضراء فقط وعراقا خوايا من البشر.

ترى لماذا يهرب العراقيون، وهل فقدوا الثقة بحكومتهم، اليست حكومتهم ومجلس نوابهم منتخبون، اوليس الدستور الذي اجمع عليه المشاركون في حكم العراق على انه الدستور النزيه الذي يضمن لمختلف شرائح المجتمع العراقي الحياة الأمنة والتمتع بكامل حقوقه الإنسانية، كما يخطبون!... لماذا فقد العراقيون الثقة في مصداقية تحريرهم من ظلم نظام دكتاتوري عشائري ذاقوا منه العذاب؟

لماذا يهرب العراقيون ولماذا فقدوا الثقة بحكومتهم؟
سؤال لا يرى فيه غالبية العراقيين صعوبة بالإجابة عليه.. فبمجرد النظر الى طريقة تشكيل الحكومة والتي اعتمدت المحاصصة في توزيع المسؤوليات، وما افرزته عقلية الغالبية من اعضاءها واسلوب أداءها، وما حل بالعراق في زمنها وبسببها من فساد ومن فرز طائفي وقتل وجرائم متنوعة طالت كل العراقيين، كل ذلك يسهل معرفة لماذا فقد العراقيون الثقة بحكومتهم.

فبعد ان تم اسقاط النظام الدكتاتوري وتسنم الحكومة الجديدة مسؤولياتها، وبدء مجلس النواب إجتماعاته واصبح الدستور سئ الصيت نافذا ولازم التنفيذ، لم يحقق الدستور الأمان ولا منحت الحقوق بل على العكس زاد الفساد وانتشرت الجريمة وفقد الجمهور العراقي الثقة بالحكومة وبكل مؤسساتها وكل مشاريعها وخططها، لأن الدستور وبالرغم من اقراره بصيغته الطائفية والظلامية مليء بالتناقضات والثغرات ولايتوفر فيه الحد الادنى من الشروط القانونية الصحيحة لبناء الدولة العراقية الحديثة ولا يخلق الانسجام السياسي والحكومي في حدوده الدنيا بين القوى السياسية الدينية والقومية، ورغم كونه لايلبي طموحات الشعب العراقي المدنية والعلمانية والتقدمية فانه لايصلح ايضاً ليكون سندا للحكم ومعبرا عن سلامة بناء الدولة ومرافقها المدنية والعسكرية، وهذا التوصيف ينطبق ايضا على مجلس النواب جملة وتفصيلا.

ان المد الطائفي والظلامي والمساعي الرامية لفرض القوانين والتعليمات والخطط ذات الصبغة المذهبية والطائفية التي تقودها الحكومة الحالية كونها حكومة محاصصة طائفية وفيها من وزراء غير اكفاء ولا جديرين، أغرق العراق في مستنقع الإنقسامات الطائفية والقومية الضيقة، هذه الانقسامات ستفرغ العراق من كل النشاطات الإجتماعية التي ترسخت في وجدان اطيافه الدينية والقومية المتنوعة عبر العصور، فبالرغم من مشاركة جميع الأطياف العراقية في تشكيل الحكومة الحالية فانها ستبقى حكومة ذات توجه طائفي لأنها كما تظهر أسيرة الأحزاب الدينية ذات الطابع المذهبي والتي تمتلك ميليشيات اخترقت اجهزة الدولة الأمنية وعاثت بالبلد فسادا ونخص بالذكر وزارة الداخلية والدفاع التي تأكد وعلى لسان بعض من اعضاء الحكومة ومجلس النواب، بانها مساهمة ومساندة للميليشيات التي تقوم بأعمال قتل وتهجير على الهوية او على اساس الإنتماء العقائدي او الفكري.

فإذا كان الواقع العراقي بهذا الشكل المأساوي، والتوجه الطائفي والإثني مسيطر على معظم الأطراف السياسية التي لها تأثير على الساحة العراقية، فكيف سيكون مستقبل العراق والعراقيين اذن؟
انني اجزم هنا لمن يريد بناء العراق الجديد ذو ثوب حضاري مزهو الألوان ليبدأ من الأساس، فعلى الحكومة ومن يعمل معها ان تغير مسار إتجاهاتها الفكرية نحو الوطنية والشعور الوطني ان ارادت البقاء وكسب ثقة شعبها، واعتبار ذلك حافزآ لنشاطهم بدلا من التوجه الطائفي والقومي العنصري الذي يخلق شعورا بإقصاء الآخر.
اما إذا استمرت الحكومة بنهجها الحالي الطائفي سواء على مستوى الأفراد أو الأحزاب، فأن الأمور ستتدهور وسيغرق العراق في حرب أهلية اكثر مما هو علية اليوم وسيحترق الجميع دون استثناء، واريد ان اُذكّر هنا من باب الحرص على وحدة العراقيين، ان الأخوة الأكراد في كردستان العراق والذي يبدو انهم الطرف المستفيد الأكبر من هذه الفوضى الطائفية والتي قد تجر العراق الى تقسيم طائفي وعرقي لا يحمد عقباه، ان يتصدوا لهذا التوجه الطائفي وان يقفوا ضد تقسيم العراق، ونذكّرهم بانهم قد يخسرون كل ما حصلوا عليه من مكاسب خلال السنوات الماضية من دعم ومساندة من قبل قوات التحالف، لأن المنطقة وفي ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة ستتعرض للتغيير ضمن الستراتيجية الأمريكية! وينطبق ذلك التذكير ايضا لقيادات بقية القوميات المتواجدة ضمن منطقة كردستان العراق الذين يتخذون من شمال الوطن ملاذا آمنا يحمي أبناءهم من القتل والتهجير الطائفي والقومي.

اعود لخطر التوجه الطائفي او القومي العنصري من ناحية حفظ الأمن...فحكومة بهذا الشكل لا يمكن لها أن تؤسس أجهزة أمنية تضمن الأمن والسلام لعموم المواطنين، ولأنها كذلك فستكون غالبية اعضاءها رافضين للطرف الأخر خاصة اذا ما اتيح لها فرصة السيطرة على الشارع ومؤسسات الدولة وهذا مما لا شك فيه سيشجع الجهلة على القتل والتهجير اوالإستيلاء على اراضي وممتلكات الأخرين!

اما فيما يتعلق بخطر مثل هكذا توجه طائفي او عنصري بالنسبة لإدارة المؤسسات المدنية. فكيف تستطيع حكومة أن تدير مؤسسات دولة تتخذ من القانون أداة لتحقيق الديمقراطية والعدالة بين المواطنين على أساس المساوات في حقوق المواطنة وهي بهذه المواصفات؟
ان ما يحدث في مؤسسات الدولة العراقية من فساد وسوء إدارة يدل دلالة اكيدة على ان الكادر المعين لتسيير شؤونها يفتقر الى الخبرة والتسلسل الإداري لإدارة تلك المؤسسات حيث لا يمكن لفرد من الدرجة السادسة تولي منصب في مناصب الدرجة الأولى، وما حدث في زمن نظام صدام لا يختلف عما يحدث اليوم اطلاقا بل ان كافة المؤشرات تدل على ان ما يجري في مؤسسات اليوم فاق آلاف المرات عن الزمن السابق، فقد تولى ومع الأسف الشديد اناس لا يملكون الخبرة التراكمية ولا المؤهلات العلمية والمهنية مناصب قيادية لمجرد انتماءهم الطائفي او الحزبي المذهبي، مما خلق جوا انتعشت فيه النظرة بعدم الثقة في كل خطط ومشاريع الحكومة لا بل وصل الأمر بالتشكيك بجنسيات وبشهادات بعض من اعضاءها، وعدم الوثوق بما يتكلمون......
فهل يعقل ان مفوضا اصبح لواءا في سلك الجيش او الشرطة.. وفراشا في مستشفى حكومي وبائع خضراوات مع احترامي العالي للمهن الحرة اصبحوا مسؤولون في وزارات حساسة ومهمة، ولا اخفيكم سرا فان الفساد وعدم الكفاءة والنزاهة اقترب من السلك الدبلوماسي الذي من المفروض انه يمثل وجه العراق المشرق والمتحضر اما العالم..... والأمثلة كثيرة لا اريد الخوض في تفاصيلها، لأنها ظواهر لا تليق بسمعة حكومة حديثة تتبنى مشروعا لبناء دولة ديمقراطية متحضرة ومتقدمة.


كيف يمكن بناء دولة حضارية تتخذ من العلم رسالة للتقدم والرفاهية، وهي بنفس الوقت مرتبطة باحزاب وايدلوجيات ما زالت تؤمن وتنتظر منذ اكثر من الف عام، عودة الغائب المنتظر لينشر العدل والسلام بين البشر، علما ان هناك الملايين من البشر من الذين يعتنقون بالإضافة للأديان السماوية الثلاثة...الاف العقائد المتنوعة والمختلفة، كيف يمكن بناء شعب متطور يحترم عقائد وانتماءات الأخرين، في حين نرى توجه الحكومة نحو تغيير المناهج الدراسية بدءا بالمدارس الإبتدائية باتجاه ترسيخ المفاهيم الطائفية والمذهبية التى من شأنها خلق جيل عنصري متخلف مهزوز يرفض الأخرين بل ويستخدم العنف ضدهم، الا يجدر بنا التوجه لتغيير مثل هكذا مناهج طائفية متخلفة، واحلال بدلها مناهج ترسخ روح الود والمحبة والعمل الصالح.

المطلوب لقيادة العراق حكومة جديدة بمنهج حضاري، اعضاءها أناس متعلمون مثقفون يمتهنون كفاءات عالية في السياسة واحترام حقوق الإنسان، ولديهم خبرة تراكمية في ادارة شؤون المؤسسات المدنية والعسكرية، أناس همهم الأول والأخير سلامة الوطن والصدق والصراحة مع مجتمعهم وتقديم افضل الخدمات والعلوم لأبناءه من خلال بناء مؤسسات علمية واقتصادية وتربوية تستطيع مواكبة التطور العلمي والحضاري الذي سبقتنا فيه دول اخرى أقل منا ثروة وحضارة، وليس الإتيان بحكومة تحتل المستشفيات ومدارس ومعاهد وجامعات وكنائس ومساجد وملاعب ووسائل الإعلام واسواق ومراكز شرطة العراق، لتحوّلها الى منابر طائفية لأداء مراسيم اللطم والدروشة والشعوذة والبكاء وهز الرؤوس ونشر الخطب الداعية للكراهية والحقد بين بني البشر، العراق بحاجة الى قيادة تشعل ثورة حقيقية لتغيير الذات والمفاهيم والنصوص والفتاوى التي تدعو الى العنف والكراهية واحلال بدلها نصوص ومفاهيم تشيع المحبة واحترام عقائد كل بني البشر، قيادة تشجع العراقيين للتمسك بحب الوطن وحب الحياة...
اليست هذه امنيات المؤمنين المخلصين.

ادورد ميرزا
استاذ جامعي مستقل

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف