أصداء

هل كان هدف المعارضة العراقية إسقاط النظام؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

هل كان هدف المعارضة العراقية إسقاط النظام أم إسقاط العراق؟

لقد أثبتت الأيام التي تلت لحظة سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين ومارافقها من مخاضات وأحداث إن ماكان يعرف حتى تلك اللحظة بالمعارضة العراقية والتي إستحوذت فيما بعد على السلطة السياسية في البلاد تتكون بالأساس من تيارين سياسيين مختلفين فكرياً وإجتماعياً عن بعضهما البعض بديا في حين من الزمن كتيار سياسي واحد لإشتاركهما آنذاك بمصلحة مشتركة وهدف واحد كان متمثلاً بإسقاط نظام سياسي كان عدواً لكليهما.. ولكن بإنتهاء المصلحة المشتركة وتحقق الهدف الواحد سرعان مابرزت الى السطح الفوارق الفكرية والإجتماعية بين هذين التيارين والتي تطورت فيما بعد الى خلافات تمثل تداعياتها أحد أهم أسباب مايحدث اليوم في العراق.
ويمكن ببساطة تقسيم هذان التيارين حسب الفوارق التي ذكرت سابقاً الى( تيار كان معارضاً للنظام )ضَمّ أحزاب وشخصيات ليبرالية ويسارية وديموقراطية ودينية وقومية تقدمية و(تيار كان معارضاً للعراق)ضَمّ أحزاب وشخصيات دينية وطائفية وقومية محافظة.. وفي الوقت الذي إكتفى فيه التيار الأول( المعارض للنظام ) بعد عودته للعراق بتحقيق هدفه المعلن والذي كان متمثلاً بإسقاط نظام ديكتاتوري وإبداله بنظام ديموقراطي محاولاً بعد تحقيقه الإلتفات الى مداواة جراح شعبه وبناء بلده بعد مالحقه من دمار نتيجة سياسات النظام السابق ظهر بأن التيار الثاني( المعارض للعراق )قد عاد الى العراق مشبعاً بروح الثأر ومدججاً بآيديولوجيا مريضة ومحملاً بأهداف غير معلنة تتجاوز هدف إسقاط النظام الى إسقاط الدولة العراقية وإبدالها بدولة أخرى ذات ملامح ومواصفات جديدة وغريبة عن ملامح الدولة الأصلية تتطابق مع رؤية وأجندة هذا التيار وآيديولوجيا أحزابه وقواه السياسية.. وبمعنى آخر فأنه في الوقت الذي كان فيه التيار الأول يؤمن بدولة العراق ويعتز بملامحها الحديثة التي صيغت عام 1920 ويؤمن بأن تشكيلها في ذلك الحين كان صحيحاً ووفق أسس منطقية وإستناداً لثوابت تأريخية وجغرافية وإجتماعية سليمة وكان هدفه الوحيد هو إسقاط نظام علماني ديكتاتوري شمولي تسلّطَ على مقدّراتها لفترة من الزمن وإحلال نظام علماني ديموقراطي تعددي بدلاً منه.. كان التيار الثاني يهدف الى أبعد من ذلك فإسقاط النظام لم يكن بالنسبة له سوى الخطوة الأولى لإسقاط كل الدولة العراقية بمؤسساتها وبُناها التحتية وبنيتها الإجتماعية كونه لايؤمن بالدولة العراقية التي تأسست عام 1920 أصلاً ويرى بأنها قد شُكِّلَت وفق أسس تأريخية وجغرافية وإجتماعية خاطئة لذا يجب من وجهة نظره نسفها من الأساس ومن ثم إعادة تركيبها وفق الأسس التي يراها هذا التيار صحيحة والموجودة فقط في مخيلة قادته وزعمائه ومُنظّريه وبالتالي فإن معارضة هؤلاء لم تكن موجهة للنظام السابق بحد ذاته بل للعراق ككل والذي كان من ضمنه النظام السابق حتى إذا ماسقط هذا النظام في 9/4/2003 شرّعت هذه القوى بالعمل على تنفيذ الجزء المتبقي والأهم من أهدافها والمتمثل بإسقاط الكيان العراقي بكل أركانه وملامحه ربما لتسميته بإسم آخر غير العراق الذي لايعترف أغلبهم بوجوده أو ربما لتقطيعه وتحويله الى إقطاعيات قد تتحول فيما بعد الى دويلات هنا وهناك بدل العراق الموحد إضافة الى تفتيت البُنية الإجتماعية للشعب العراقي وتحويله الى مجاميع بشرية أحادية الطائفة أو العرق أو الدين بدلاً من شعب العراق الواحد.. لذا فقد بدأت عبر الخطاب الإعلامي لقادتها ومنظريها بالترويج لثقافة غريبة دخيلة لم يألفها أغلب العراقيين على الإطلاق والتي تقول بأنه يجب أعادة تركيب الدولة العراقية أرضاً وسلطةً ومجتمعاً وفق الأسس الطائفية والعرقية لأبناء الشعب العراقي وبالفعل تم إتخاذ سلسلة من الإجرائات الخطيرة التي إما شُرِّعت على شكل قوانين رسمية من قبل السلطة الجديدة التي شكّل التيار( المعارض للعراق ) عمادها أو عن طريق المجاميع المسلحة والميليشيات التابعة لهذا التيار أو عبر التغاضي وفسح المجال للرعاع بالإنقضاض على مؤسسات الدولة الصناعية والثقافية ودوائرها الخدمية وهي إجرائات نجحت الى حد ما في إسقاط الدولة العراقية وتحويلها الى أطلال دولة والتي يمكن إيجاز بعضها بما يلي :
تشكيل مجلس الحكم سيء الصيت وفق المحاصصات الطائفية والعرقية المقيتة.
حل الجيش العراقي.
حل جميع الأجهزة الأمنية للدولة العراقية بما فيها الشرطة والأمن والمخابرات والحدود.
إغماض العين والتغاضي بقصد عن عمليات الحرق والتدمير والسلب والنهب التي طالت أغلب دوائر ومؤسسات الدولة العراقية السابقة كأبنية الوزرات والدوائر الحكومية وبدالات الهاتف ومصانع وزارة الصناعة والتصنيع العسكري السابقة والمتحف العراقي الذي يحتوي آثار تأريخية لاتقدر بثمن تحكي تأريخ العراق العظيم الذي لايؤمن به هؤلاء بالإضافة الى مراكز الفنون والمسارح وبالخصوص ماحدث لمسرح الرشيد الذي لانعلم إن كان لإسمِهِ دخل في كمية الحقد التي طالته مِن قبل الذين دمّروه!
ونتيجة لهذه الإجرائات والممارسات ومارافقها وتلاها من تداعيات مأساوية أصبحت الدولة العراقية بحاجة الى إعادة تشكيل وبناء وتركيب.. وهذاهو بالضبط ماكان ينتظره ويسعى إليه هؤلاء لذا سرعان ماتصدّوا عبر بيادقهم السياسية الجاهزة المؤدلجة الغير كفوءة والعديمة الخبرة السياسية لهذه المهمة ليعملوا على تشكيل ملامح الدولة العراقية الجديدة على هواهم ووفق ماتمليه عليهم أجنداتهم السياسية الحزبية وبالتالي فقد تمخضت عملية إعادة بنائهم لهيكلية الدولة العراقية وأجهزتها الخدمية والأمنية عن ملامح دولة متهاوية مهترءة تديرها حكومة محاصصات ضعيفة منقسمة على نفسها وبدوائر ومؤسسات وأجهزة أمنية عليلة ومخترقة طائفياً وينخر فيها الفساد الإداري والمالي والإجرامي.. فاليوم بات الجيش لهذه الطائفة والشرطة والأجهزة الأمنية لتلك الطائفة والمنصب الفلاني لهذه القومية والمنصب العلاني لتلك القومية والوزارة الفلانية للحزب الفلاني والوزارة العلانية للتيار العلاني نزولاً الى أصغر منصب أو وظيفة أو دائرة أو مؤسسة في مايسمى بالعراق الجديد حتى باتت جميعها تخضع لهذه المحاصصة المقيتة التي طالت مؤخراً حتى محافظات ومدن وأحياء وأزقة ودرابين العراق التي يراد لها أن توَزّع محاصصة بين أمراء الحرب الجدد( زعماء التيار المعارض للعراق ).
لقد أثبت زعماء وقادة(التيار المعارض للعراق)ومَن سار ولازال يسير في ركبهم من الإمّعات الذين غيّبوا عقولهم بأن معارضتهم( الوطنية جداً )للنظام السابق خلال العقود الماضية لم تكن من أجل الوطن والشعب بل من أجل مصالح فئوية ضيقة أو من أجل فرض آيديولوجيا مريضة أو تطبيق أجندة دخيلة.. فلو كان هؤلاء يُحبون العراق وشعبه وكان هدفهم الحقيقي هو فقط إسقاط النظام كونه كان ديكتاتورياً لإكتفوا فقط بما حدث ظهيرة 9 نيسان 2003 من إسقاط للسلطة الحاكمة في العراق لأن هذا هو ماقامت به جميع الحركات الإنقلابية التي شهدها تأريخ العراق منذ تأسيس دولته الحديثة عام 1920..فإنقلابيوا 1958 الذين أحدثوا تغييراً جذرياً في الواقع السياسي العراقي والذي تمثل بتغيير نظام الحكم الملكي الذي كان قائماً قبلهم بالكامل وإبداله بنظام حكم جمهوري لم يفعلوا مافعله معارضوا ماقبل 2003 فهم لم يوزعوا مناصب الدولة محاصصة فيما بينهم على أساس إنتمائاتهم الطائفية والقومية! ولم يُلغوا أو يَمسِخوا الوزارات والدوائر الحكومية للنظام الذي سبقهم بموظفيها! ولم يَحِلّوا أجهزته الأمنية من شرطه وحرس حدود وأمن وجيش بجميع منتسبيها ليستبدلوها بميليشيات! والسبب هو كونهم كانوا مِن أبناء هذه المؤسسات الحكومية ومِن رجال هذه الأجهزة الأمنية وكذلك فعل إنقلابيوا1963 وإنقلابيوا1968 فكل ماقامت به هذه الحركات الإنقلابية هو تغيير النظام أو السلطة الحاكمة مع الإبقاء بل والحفاظ على جميع دوائر ومؤسسات الدولة العراقية وأجهزتها الخدمية والإنتاجية والأمنية وهذا إن دل على شيء فعلى أن جميع هذه الحركات الإنقلابية وإن إختلفنا معها ومع من قاموا بها جملاً وتفصيلاً لم تكن تستهدف حينها كيان ووجود وهيكلية الدولة العراقية بل كانت تستهدفت نظام حاكم أو سلطة سياسية كانت تختلف معها آيديولوجياً أو كانت تطمع بالسلطة التي بيد غيرها وتريد الإستحواذ عليها لصالحها وهو عكس مافعله معارضوا ماقبل2003 تماماً مما أثار ويثير الشك والريبة في النوايا التي كانت وراء وجودهم في صفوف المعارضة قبل سقوط النظام السابق وفي الأفعال والممارسات والخطوات والإجرائات التي قاموا بها بعد سقوطه.
هكذا كانت المعارضة العراقية السابقة.. وهذه هي حقيقتها التي كانت خافية على أغلب العراقيين الذين دفعهم ظلم وبطش وديكتاتورية النظام السابق الى الإندفاع خلفها بدون أن يتوقفوا للحظة ويسألوا أنفسهم لماذا كل هؤلاء معارضة؟ وماذا يريدون من وراء معارضتهم للنظام السابق؟ وماهو برنامجهم للعراق بعد إسقاطه؟ أجميعهم لديهم برنامج وطني ديموقراطي يهدف لخدمة العراق وشعبه؟ أم إن لدى البعض برنامج شمولي ظلامي دخيل يهدف الى تدمير العراق وشعبه؟ أسئلة لم يطرحها أغلب العراقيين على أنفسهم في الماضي ولو طُرحت آنذاك لتمكن كثيرون من فرز الصالح من الطالح من تيارات هذه المعارضة قبل سقوط النظام ولإصطفوا بعد سقوطه الى جانب شخصياتها وتيارتها الوطنية الديموقراطية ولمَنَعوا التيار الشمولي الظلامي منها من تمرير مشاريعه الدخيلة على العراق والعراقيين ولإستفادوا من الفرصة التأريخية التي توفرت لهم بعد 2003 لتأسيس وإشاعة ثقافة سياسية وإجتماعية ديموقراطية حقيقية والتي يبدوا أنها ضاعت منهم الى الأبد.. ولكن لأن كل هذا لم يحدث لذلك فمنذ لحظة سقوط النظام السابق وتولي هذه المعارضة لمقاليد السلطة في العراق بات مصيره ومصير شعبه رهناً بما سينتجه الصراع بين تيارين لاثالث لهما كانا يمثلان هذه المعارضة..
بين تيار متنور كان يطمح أن يمضي بالعراق والعراقيين الى الأمام نحو مستقبل مشرق.. وتيار ظلامي كان يُخطط لأن يعيد العراق والعراقيين الى الوراء وينشر بينهم الجهل والتخلف.
بين تيار يعشق بغداد المجد والحضارة ويعتز بها وبتأريخها كظاهرة عالمية فريدة للتعايش السلمي بين البشر وكمثال رائع للرقي الحضاري وكنموذج يحتذى للمجتمع المنفتح المتحضر.. وتيار يمقت بغداد ويبغضها ويرفض طابعها الحضاري نتيجة لعقد يشعر بها تجاهها وتجاه تأريخها وواقعها ومجتمعها المتمدن الحضاري ويريد تحويلها الى مدينة أشباح كئيبة يسودها الموت والحزن.
بين تيار يعشق العراق العظيم ويهيم حباً به لأنه يؤمن بأن دولته الحديثة التي تأسست عام 1920 هي وريثة حضارات سومر وآشور وميديا وبابل وأكد وكان يحلم بأن يعيد لها أمجادها.. وتيار لايحمل أي مشاعر تجاه العراق لأنه لايؤمن تأريخياً بوجود دولة وكيان أسمه العراق ويرى بأن ما إصطُلح على تسميته منذ 1920 بالعراق هو دولة مصطنعة ليس لها أساس تأريخي وبالتالي ينبغي أن لايكون لها حاضر ولامستقبل ويؤمن بدلاً من ذلك بدولة أو دول وبشعب أو شعوب وبنظام حكم أو أنظمة حكم ذات أشكال مختلفة غير التي تعارف عليها العراقيين.
ولللأسف نقولها وفي الحلق غصّة وفي الأحداق فيض من الدموع.. يبدوا أن الغلبة باتت اليوم للتيار الذي كان معارضاً للعراق.. ولمن كانوا يطمحون لتدمير العراق.. وقد خطوا بالفعل خطوات واسعة في هذا الإتجاه وهم اليوم في مراحل متقدمة من تحقيق تلك الأهداف عبر ماقاموا به من إجرائات خطيرة سواء في العلن من خلال الدستور والقوانين التي سنّوها مستغلّين تربعهم على عرش السلطة في العراق أو في الخفاء عن طريق الميليشيات والعصابات وفرق الموت الإجرامية التي تحركها وتتحكم بها أصابع لم تعد خافية على أبناء الشعب العراقي ونخبه الواعية.. وهاهو العراق الذي شاء الزمن الأغبر أن يكون اليوم تحت ولايتهم وظلهم الوارف لاأدامه الله عبارة عن نُسخة مُشوَّشة وممسوخة عن العراق الذي عشناه وعرفناه.. وأخشى ما أخشاه أن يأتي علينا يوم نقول فيه : كان لنا يوماً وطناً إسمه " العـــراق ".
ولكن تبقى مشيئة الله وإرادة الشعوب هي صاحبة القول الفصل في مثل هكذا لحظات حاسمة من تأريخ الأمم.. لذا نقول لهم إنكم بإذن الله وبإرادة الشرفاء والأبطال من أبناء الشعب العراقي ماضون أما العراق العظيم فباق.. وكما يقول شاعرنا المبدع كريم العراقي في مقاطع من قصيدة " الشمس شمسي "....
قـدري بأن كل الحـروب تـجيئنـي مجنونـة تسـعـى لشــد وثـاقــي
وتحـالفـت كـل العصـور لمقتلـــي فـأغـضتهـا بتماسـكي الخــلاق
لكـنمـا هـمــس العــراق بمسمعـي يفنى الأسى وجبين عزك باقي
الشمـس شمسـي والعـراق عراقي ما غيّــر الدخــلاء من أخلاقي


مصطفى القرة داغي
karadachi@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف