الاكراد وسهل نينوى جرس الحقيقة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كان النظام السابق ومع بداية الحرب العراقية الايرانية قد شرع في عرض وتنفيذ مجموعة من الحوافز لافراد الجيش العراقي السابق ضباطا ومراتب بقصد رفع الروح المعنوية ولتشجيع الاقبال على الانخراط في صنوف الجيش المختلفة، وكان من ضمن تلك المحفزات توزيع قطع اراضي سكنية للمتطوعين. كان بعض المراتب في منطقتنا يطالب العاملين في البلدية بالاسراع في تنفيذ التعليمات بتوزيع القطع السكنية وكان اؤلئك العاملون يطالبون سرا العسكريون من ابناء المنطقة بالمقابل التريث والتحلي بالصبر خدمة لمنطقتهم لان الدولة قد قررت استغلال تلك الخطوة في استراتيجية واضحة لتغيير الطابع الديموغرافي للمنطقة عن طريق توزيع قطع اراضي سكنية في منطقتنا لجميع العسكريين الذين يقطنون القرى والمناطق المجاورة. لقد انتصر الشعور بالمصلحة الشخصية على الشعور بالصالح العام لدى البعض من المراتب الذي راح يلح في طلبه فتحقق له ولغيره مبتغاه ووِلد ( الحي العسكري ). ربما يحاجج البعض في ان سياسة الدولة انذاك كانت ستنفذ في كل الاحوال وليست مطالبة البعض بحقوقهم او عزوفهم عن المطالبة بها حجة او شماعة لنتائجها، ولكن الكثيرين عندما تحين لحظة سرد وقائع التاريخ يشيرون من باب براءة الذمة الى مواقف وحيثيات صغيرة رافقت احداث حقبة ما. ليس المقصود من هذا إسقاط شعور عنصري او أثني او طائفي او ديني او رفض التعايش مع الاخرين ولكن من حق الجميع المحافظة على خصوصية مناطقهم خاصة وان الاحداث تثبت خطورة عواقب محاولات التغيير اليموغرافي للمناطق والمدن والذي تمثل كركوك اليوم مثالا ناصعا له.
كان من الطبيعي ان تنشغل قوى شعبنا كحركات او شخصيات مستقلة في بلورة مواقفها من الافكار المطروحة ومنها موضوعة الحكم الذاتي وحقوق شعبنا القومية، ان مشروع الحكم الذاتي اساسا لم يأت كنتيجة طبيعية لصراع مسلح او مفاوضات شاقة طويلة بين جهات تمثل شعبنا وجهات اخرى بل هوعرض قدمته القيادة الكردية وكانت هذه القيادة هي صاحبة الشأن في هذا العرض إطارا وتوقيتا. لقد تباينت ردود الافعال حول هذا العرض فمنهم من يجد فيه الفرصة الذهبية وربما الاخيرة في الحصول على مقعد بسيط في احدى عربات القطار دون ان يعير اية اهمية الى اتجاه هذا القطار وملابسات وظروف سكة سيره، فالهدف لدى هؤلاء هو الجلوس فيه وعدم البقاء في محطات الانتظار. بينما اتخذ البعض الاخر منحى رافظا للمشروع جملة وتفصيلا لايرى فيه إلا سلبياته، في وقت يجهد فيه القسم الثالث نفسه في التبصير بايجابيات الفكرة المطروحة وسلبياتها منوٍها الى ضرورة معالجة الطرح السياسي بما يستحقه من المناورة في الافكار والتوقيت من اجل الوصول الى افضل النتائج و باقل الخسائر، لايغيب عن باله الحذر والتوجس الذي يبدو على وجوه الكثيرين من ابناء شعبنا وخاصة ابناء المناطق المعنية من مستقبل البلد بشكل عام ومن مضاعفات إتخاذ قرارات مصيرية تحت هذه الظروف. وهكذا وجدت مجموعة من ابناء شعبنا في السويد تدفعهم غيرتهم الوطنية في فكرة الحكم الذاتي المطروحة سببا وحافزا للاجتماع ومناقشة اوضاع شعبنا، ولا اعتقد انني اجانب الحقيقة واتجنى على الجهد المخلص اذا قلت ان الذين شاركوا في ذلك الاجتماع الذي سميً مؤتمرا لم يكونوا جلًهم من الاكاديميين كما لم يكونوا جميعا مستقلين ناهيكم عن انني لااعرف فيهم اسما ينحدر في سكنه حقا من سهل نينوى نقطة البحث الجوهرية. لكن لابد من الاشارة هنا الى ان هذا الجهد الذي لايمكن ان ننفي صفة الاخلاص عنه قد تولى المشاركون فيه مسؤولية انجازه دعوة وتنظيما وتمويلا. وقد خرج المؤتمر بلجنة استمدت شرعيتها منه و اخذت على عاتقها متابعة تنفيذ قرراته وكان من بينها زيارة وفد منها الى الوطن للالتقاء بالمسؤولين هناك في اقليم كردستان وللتباحث مع ابناء شعبنا احزابا ومؤسسات وافراد ومعاينة ومعايشة الواقع ومحاولة استقراء افكار و انطباعات ابناء شعبنا حول مجمل القضايا المطروحة، ولم يكن صعبا الاستنتاج في ان الوفد قد تمكن من الحصول على دعم كبير كان بارزا من الناحية الاعلامية وهو يجوب القرى والبلدات ويعقد المؤتمرات الصحفية، كما لم يكن صعبا ايضا على اعضاء الوفد ملاحظة مشاعر الحذر والبرود البادية على جمهور كبير من ابناء شعبنا تجاه الافكار المطروحة، وكنت اعتقد ان الوفد سيبادر الى الدعوة الى اجتماع ثاني في استوكهولم بعد عودته فيتم مناقشة حقائق الارض التي خرج بها الوفد من تلك الزيارة ودروسها العميقة حتما ووضع الية لعمل قادم على ضوء ذلك. لقد كانت مفاجأة حقا ان ارى الاخ العزيز سامي المالح يجوب القرى والبلدات مرة اخرى وكأنه في سباق مع الزمن يحشد ما استطاع اليه سبيلا، ثم يتغير عنوانه بين ليلة وضحاها من رئيس لجنة مؤتمر استوكهولم الى رئيس للهيئة التحضيرية للمؤتمر الشعبي الكلداني السرياني الاشوري الذي من المقرر ان ينعقد خلال الاسابيع القادمة. وهكذا تقرر ان نصعد جميعا مع ( السندباد ) في بساط الريح عوضا عن القطار في رحلة سريعة تصل بنا الى المحطة الاخيرة. انه لغريب حقا ان يتمتع الاخرون بكامل حريتهم في استغلال عامل الزمن واختيار الوقت المناسب لاتخاذ قراراتهم المصيرية بينما يُطلب من شعبنا فعل ذلك خلال اشهر معدودة، ستة عشر عاما واقليم كردستان يتمتع بوضع خاص ومع ذلك لاتنقطع تاكيدات المسؤولين الاكراد في ان قرار الاستقلال هو قرار كردستاني خالص يرى النور عندما يرى الاكراد ان ذلك في صالحهم وطنيا واقليميا ودوليا. أم هل كُتب على شعبنا ان يكون خاسرا وهو يعيش مرحلة التمزق والتشرذم ويقدم ايضا تضحيات ربما تكون اغلى من تلك الخسائر عندما يعيش مرحلة وحدته في تباشيرها بعد الخروج من وحل التسمية! هل فكر هؤلاء حقا بمسؤوليتهم التاريخية في قراءة متانية لنتائج هذا المؤتمر ( ايا كانت ) وتاثيراتها وتداعياتها عراقيا و على ابناء شعبنا بصورة عامة وعلى سهل نينوى بوجه خاص. هل من الممكن خلال هذه الفترة القصيرة ان نصل الى اختيارصائب وفاعل ومؤثر لمندوبي هذا المؤتمر الذي يراد له ان يكون مرجعية لشعبنا ويخرج بمشروع سياسي متكامل يتصدى للتحديات والمهمات والعروض المطروحة امام شعبنا كما تشير اهداف المؤتمر ومحاوره؟ ان العديد يتساءل عن اهلية البعض ممًن شاركوا في النقاش مع لجنة استوكهولم وتأثيرهم الجماهيري ليكونوا اصحاب الحق في تمثيل او اختيار من يمثل مناطقهم لاقرار مصيرها! كنا نتمنى ان تكون لجنة مؤتمر استوكهولم هيئة انقاذ تستكشف قواعد لارضية مشتركة تجتمع حولها قوى شعبنا وتنظيماته وشخصياته الفاعلة لا ان تكون حكومة المنفى التي تحولت سريعا الى حكومة انقاذ وطني انتقالية! انني لا اتهم احدا كونه عرًاب مشروع ما لكنني اعتقد ان مجرد دفع النفس والاخرين الى الزاوية الضيقة حيث ينتظر القسم الاخر قرارا حاسما واضحا هو مسؤولية كبرى لان كلا الحالين اتخاذ القرار سلبا او ايجابا او حتى التريث فيه سيكون له اثاره على مجمل تفاصيل الحياة ولذلك فان هذا المؤتمر سيمثل نقطة تحول خطيرة و فاصلة في حياة شعبنا.
ربما يلقي البعض باللوم على القيادة الكردية كونها تعمل جاهدة على تنفيذ اجندتها لكن ذلك حق طبيعي لها والسياسة هي فن الشطارة والمناورة في الوصول الى الهدف واعتقد ان القيادة الكردية لا تحرم غيرها حقه في فعل الشئ نفسه، وفي كل الاحوال وحسب اعتقادي لم يطلب الاكراد من احد ان يعقد مؤتمر استوكهولم كما لم يكونوا رعاة له ولكن يبقى من حقهم استغلال كل الفرص المتاحة والمتوفرة والمعروضة التي قد تساعد في الوصول الى الهدف، من جهة اخرى فان القيادة الكردية تعلم جيدا ان البناء الصحيح ولمستقبل ذو امد بعيد ينبغي ان يرتكز على ركائز صحيحة والجنين الكامل والصحي هونتاج مشترك لمرحلتي مخاض وولادة طبيعيتين، ولذلك لا اعتقد ان ذلك سيكون خافيا على القيادة الكردية في ان تترفع عن عقد الصفقات مع من لايتمتع بحق الامضاء عليها او ليس اهلا لها وتصل الى تصويب دقيق للقوى والشخصيات التي يمكن الوصول معها الى الاهداف التي تلبي على حد سواء امال وتطلعات جميع الاطراف لكي لايعيد التاريخ نفسه وتظهر في المستقبل مثلا دعوات لتشكيل لجنة لتطبيع الاوضاع في سهل نينوى على غرار لجنة تطبيع الاوضاع في كركوك.
د- وديع بتي حنا