أصداء

كم هاري في بلادنا العربية?

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تناقلت وسائل الاعلام العالمية خبر أنضمام الامير هاري الى قوات بلاده العاملة في العراق. والامير هاري يعد الشخص الثالث في ترتيب ولاية العهد في بريطانيا.

الغريب في الأمر ان كل وسائل الاعلام العربية وفي مقدمتها الفضائيات العربية تناقلت الخبر بكل حماس وأندفاع وبشكل بارز، لكن وطبعآ لم تتجرأ ان تسأل ولاصحيفة او قناة عربية او حتى صحفي او كاتب عربي واحد، عن سر هذه الثقافة والتقاليد المحترمة التي ينتمي لها الامير هاري والتي لاتفرق بين أمير وولي عهد وابن عائلة تاريخية مالكة وبين ابن اصغر جندي بريطاني غير معروف ومن عامة الناس لكنه ايضآ يوجد في البصرة جنوب العراق. ومع الاخذ بنظر الاعتبار أن الامير هاري هدد " بترك الجيش اذا لم يتم ارساله مع كتيبته العسكرية الى العراق " وهو ابن ولي العهد وجدته الملكة وامه الاميرة الشهيرة ديانا وابن الملوك الى اخر جد والى اخر نفس.

سوف لن يذهب الى البصرة متوجأ بتاج الملوك المرصع باللؤلؤ والزمرد. بل لم تسبقة او تلحقة او ترافقه " عراضة " عشائرية او خطابات " تمجيد " رسمية سطحية على طريقتنا العربية!! وسوف لن تنطلق حتى قبل وصوله الى العراق مهرجانات شعر بريطاني تمجد بطولاته حتى قبل ان يصل الى ساحات القتال في البصرة على طريقة " التسول الشعري العربي " او كما أطلق عليها ابطال مسلسل طاش ماطاش المبدعين " شعر الطرارة " بل سيذهب هاري مثل اي جندي بريطاني هناك يأكل مما ياكلون ويشرب ممايشربون ولن ينام على فرش الحرير المطرزة بالزمرد ولن ينام لكي يحرسه الاخرين، بل سيكون حاله من حال الاخرين من الجنود البريطانين. يمسك البندقية ظهرآ تحت شمس البصرة القاسية، ويقوم بنوبته العسكرية ليلآ وهواء البصرة الشمالي المشبع بالتراب يلفح وجهه الاميري!! كما انه لن يذهب الى هناك كقائد للجيوش البريطانية ولن يتم رفع الرايات واصطفاف القوات لتأدية التحية العسكرية اليه. بل سيذهب جندي مقاتل ولكونه خريج جامعة " ساند هيرست " العسكرية البريطانية الشهيرة فان ذلك يؤهله لقيادة فقط 11 جندي كمجموعة قتالية لاغير. من مجموع 7100 جندي بريطاني في العراق!!.

السوأل الذي يشغلني انا المواطن العربي... كم ماركة او نسخة من هاري البريطاني يوجد في بلادنا العربية!! وايضآ ماهو شعور " الهاريات " العرب وهم يسمعون مثل هذه الاخبار!!

بالتاكيد سوف يصفونه بالغبي!! فهاري العرب اكبر من ان يحكمه نفس القانون الذي يحكم الاخرين، وهو اكبر من أن ياكل ويشرب ويلبس مثل الاخرين جنودآ كانوا او مدنين وهو لايمشي على شارع يمشي عليه الاخرين ولاينام على سرير تشبهه أسرة الاخرين، وهو مصان غير محاسب امام القانون، بل اذا دعت الحاجة " الوطنية " هو الذي يحاسب القانون. او يعدله بجرة قلم وخلال دقائق لكي يلبي طموحاته او متطلباته الجديدة. وهاري العرب اصبح يتقلد رتبة عسكرية تنافس حتى رتبة والده الرئيس!! وهاري العرب يسلب ملايين الدولارات من اموال الشعب فقط لكي تداعب كرة القدم اقدامه دقائق في احد الاندية العالمية المعروفة!! وهاري العرب لايصلح ان يكون الأ بمرتبة قائد عام للجيوش والفيالق حتى وأن ادى ذلك الى هزيمة نكراء تحيط باالامة والتاريخ. وهاري العرب لايصلح ان يكون مجرد عضو في الحزب الحاكم بل يجب ان يكون بمثابة الامين العام للحزب الحاكم.

وهاري العرب لايمكن ان يكون مضارب عادي في سوق البورصة بل يجب ان تكون كل البورصة في أحضانه. وهاري العرب مستعد لتحمل هزيمة امة كاملة لكن لايتحمل هزيمة خيوله في ميادين السباق. وهاري العرب هوالشاعر والاديب والمفكر الذي لاينافس. وهاري العرب تستضاف بطولات رياضية عربية وعالمية في بلاده اكرامآ لعيونه بعد ان يكون قد اهدر ملايين الدولارات من اموال الشعب. وهاري العرب يؤسس ويشرف على مهرجانات شعر وفن وندوات سياسية هو ليس طرف فيها، لكن تتم برعايته " الهارية " التي ترضخ لها الاقدار!! وهناك نوعية من ماركة الهاري العربية عندها تصرفات وصفات يندى لها الجبين الانساني والاخلاقي والمكان لايتسع هنا ذكرها أحترامآ للقاريء.

وهناك قصة أعتقد انها معروفة لدى الكثيرين من الجمهور العربي، وهي ان "هاري" عربي ابن رئيس دولة عربية، طلب من رجل اعمال ثري ان يشاركه في اسهمه او حصته في مصنع للسيارات، فاعتذر رجل الاعمال بكل لطف وتوجس، لكن ثاني يوم وصلت له رساله ان عليه ان يدخل الهاري المدلل شريك وبدون ان يدفع الهاري حتى دولار واحد!! فشعر الرجل بخطورة الموضوع وذهب لمقابلة رئيس الدولة العربية المعنية ليخبره بقصته مع أبنه. فما كان من هذا الرئيس الاأن سأل رجل الاعمال المشتكي " كم ولد عندك؟ " أجابه عندي ولدين.. فقال له الرئيس أعتبر أبني هو ولدك الثالث!!! وكان جواب الرئيس هنا قاطع وواضح.. وفي احدى المناسبات السياسية التقيت باحد سفراء هذه الدولة العربية في اوربا، وتعمدت ان انقل له هذه القصة على أساس انها مجرد نكته او دعاية. وبعد أن ضحك لم ينكر او يصادق على الرواية لكنه أجابني بجد واضح و بنفس طريقة رئيسه " الا يشرف ذلك رجل الاعمال ان يكون أبن الرئيس ولده مع اولاده الاخرين!! " لم اصبر طويلآ فاجبته ( نعم اكيد سوف يشرفه ذلك، لكن بعد أن يجعل الرئيس حصة اولاد ذلك التاجر نفس حصة ولده في الحكم ) ومنذ ذلك اليوم لم أعد قادر على مقابلة ذلك السفير لانه دائمآ يكون الجواب لي من السكرتيرة مشغول ولاوقت عنده!!. طبعآ لم يفت علي اني تجرأت على هاري عربي كبير. لكني كنت احمد الله دائمآ اني ليس مواطن من ذلك البلد العربي الذي تجرأت على ابن الرئيس فيه بهذه الطريقة الكارثية في عالمنا العربي والا كنت الان في غياهب الماضي السحيق وليس القريب.

طبعآ الفرق بين هاري بريطانيا وبين " هاريات " العرب كبير وهائل. لكني أستخدمت المقارنة من باب الاستعارة والتذكير ليس الأ.. أردت التذكير بواقعنا العربي السياسي المريض والذي لايريد ان يعالج ولا يجهد نفسه بالبحث عن علاج يعيد علامات الصحة الى واقع اصبح الاسؤ سياسيآ على مستوى الكرة الارضية. فنحن نحتفل كل عام بالذكرى الهجرة النبوية الشريفة وبذكرى سقوط الاصنام قبل 1400 عام في عالمنا العربي. لكننا نشهد كل يوم في عالمنا الحالي صناعة اصنام متحركة لاتنافسنا فيها اية أمة اخرى. مع التذكير أن حكومات هاري الامير البريطاني يراقبون كل ذلك ويدعمونه في بعض الدول العربية لانه على تخلفه السياسي والاجتماعي فانه يخدم مصالحهم.

محمد الوادي

al-wadi@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف