حتى في أزمة الدواجن إبحث عن الديمقراطية الغائبة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مرة أخرى تحتل مصر بفضل زعامتها السياسية المزدوجة، موقعا متصدرا في الإعلام العالمي، بالتأكيد ليس لأمر سار. اليوم أصبح لنا مكانا محجوز باسمنا في أي موضوع يتناول إنتشار أنفلونزا الطيور، بعد أصبحنا نركض بهمة في أرقام الوفيات من البشر و الناتجة عن الإصابة بهذا الفيروس، فما من مقال أو خريطة توضح إنتشار المرض إلا و تشير إلى مصر بلون فاقع دلالة على إستفحال المرض و خروجه عن نطاق السيطرة، و هو الأمر الذي أكده أحد خبراء الدواجن الرسميين الكبار في مصر منذ أسابيع قلائل، حين أكد أن الأمر بات يحتاج على الأقل عشرة أعوام، إن لم يصل لعشرين عام، للقضاء على الفيروس في مصر، و أصبحت مصر اليوم مصدر إزعاج لكافة دول الشرق الأوسط و شمال أفريقيا و أوروبا.
هذه الكارثة و التي لم تهز كرسي الأسرة الحاكمة و لا حتى حكومتها التي عينتها، دليل أخر على الضعف الذي يعتري النظام الحاكم بوجهيه، ذلك الضعف الناتج عن إفتقاد الشرعية.
مشكلة أنفلونزا الطيور بدأت بسيطة في بؤرة محددة، هي محافظة القليوبية شمال القاهرة، و كان بالإمكان السيطرة على الأمر لو إن السلطات أسرعت بالإعتراف بالمشكلة و لكنها تكتمت الأمر كما هو معهود عند أي كارثة، و لما إستفحلت المشكلة و صار من الصعوبة بمكان إخفائها أكثر من هذا، فإن السلطات أيضا لم تقم بإتخاذ الإجراءات العلمية التي تكفل إستئصال المرض أو السيطرة عليه، فقد دخل الفساد أولا فتم إستثناء بعض مزارع للدواجن تخص بعض الكبار، ثم خوفا من غضبة أصحاب المزارع و العاملين بها تم تقليص مساحة إعدام كل الطيور الواقعة في مسافة عشرة كيلومترات من مكان الإصابة ليصبح فقط خمسة كيلومترات.
لو تركنا الفساد جانبا، فهو أمر أصبح مألوفا اليوم في مصر على كل المستويات، و معه أختاه المحاباة و المحسوبية، سنجد عاملا أخر هو ضعف النظام الحاكم.
النظام الحاكم الحالي مفتقد للشرعية في عين الشعب المصري، و عندما يفتقد أي نظام للشرعية فإنه يكون عاجزا عن إتخاذ أي إجراء صارم، حتى لو كان هذا الإجراء فيه مصلحة للشعب، لأنه يخاف من أي غضبة شعبية خاصة مع إنعدام الثقة من الطرفين، الشعب و الحاكم.
فعندما يكون أي حاكم عالما بإفتقاده للشرعية و الشعبية، و أنه جالس على كرسيه رغما عن إرادة شعبه، فإنه يعتمد على سياسة يمكن أن نسميها بلغتنا سياسة التلصيم، و التي تقوم على مبدأ عدم فتح أي باب للمشاكل، و مجاراة الشعب، حتى لو كان في المجاراة و سد أبواب الريح، سببا في حدوث كوارث ككارثة أنفلونزا الطيور الحالية.
مبارك يعلم منذ زمن طويل إنه الرئيس الوحيد في مصر الذي يحكم و هو بلا أنصار في الشارع، فعبد الناصر إختلفت في الأراء و لكن كان له أنصاره مثلما له أعداءه في الشارع المصري، و بالمثل مع السادات، و لكلا الرئيسان، مع إنهما نقيضا بعضهما البعض، أنصار لليوم رغم وفاة الأول منهما في عام 1970 و الثاني في 1981.
أما مبارك فبلا أي أنصار حقيقيين يركن إليهم عند الملمات، فمنظمات شباب الحزب الوطني و جمعية جمال مبارك للمستقبل الحالك، و غير ذلك من التنظيمات، ليست إلا سبيل للإسترزاق في ظل بطالة لا ترحم و فقر مريع.
إذا و قد إفتقد مبارك الأب للشرعية و الشعبية، و زاد الطين بلة إنه مقدم على إرتكاب جريمة تحويل النظام الجمهوري إلى ملكي دون تغيير إسم نظام الحكم، من خلال عملية مزاوجة شبيهه بالتبغيل، أي إستيلاد البغال العقيمة من أبوين مختلفين في النوع، و ذلك بالدمج بين النظامين المتناقضين، فلا شك إنه، أي مبارك الأب، في حاجة أكثر من ذي قبل لإتباع سياسة التلصيم و سد باب المشاكل، و لو كان في ذلك تهديد بتحول مصر إلى بؤرة يتحول فيها الفيروس إلى مرض معد ينتشر من بشر إلى بشر، و ينتشر منها للعالم أجمع، فالتوريث أهم و خاصة أن الوقت ليس في صالحة و الشعب يترقب، بفارغ الصبر، إسدال الستار على حكمه و حياته بين لحظة و أخرى.
إن أي قرار جذري في عالم الدول لا يتخذه إلا أصحاب الشرعيات، سواء أكان ذلك القرار صائب أو خائب.
الإصلاح الإقتصادي الذي بدأ في أمريكا اللاتينية بعد عقود من الحكم العسكري التسلطي المدعوم أمريكيا، لم يكن ليبدأ و يستمر، رغم بعض المصاعب الإقتصادية و المعاناة التي دفعت ثمنها شعوب تلك الدول، إلا بإستناد حكام تلك الدول على شرعية إنتخابية شعبية كانت بمثابة التفويض من الشعوب في البدء في الإصلاح الإقتصادي، و قبول من الشعوب بتجرع الدواء و تحمل أثاره الجانبية في سبيل الوصول لمرحلة الشفاء.
و هذا نفس ما حدث في بعض بلدان أفريقيا جنوب الصحراء و التي إنتقلت لعالم الديمقراطية، مخلفة ورائها ظلمات عالم الديكتاتورية الذي لازلنا نحيا فيه.
و لهذا لن يحدث في مصر، أو في أي دولة متحدثة بالعربية،أي تغييرات إقتصادية أو حتى حماية جدية من أخطار وباء مهلك إذا كان ذلك يستلزم إتخاذ إجراءات مؤلمة، فالعلاج المر لا تقبله الشعوب قسرا، إنها تقبله فقط من الحكام الذين تختارهم بنفسها و تثق بهم و تعطيهم تفويض بالشروع في العلاج و في إتخاذ أي قرارات حتى لو كان قاسية ماداموا يرون في ذلك مصلحة لشعوبهم الذين إختاروهم ليقودوهم لبر الأمان.
لهذا سيظل وباء أنفلونزا الطيور يستفحل في مصر، و في يوما ما، أدعو الله ألا يأتي أبدا، سوف نضرب أرقام دول جنوب شرق أسيا في عدد وفيات هذا المرض، و سوف يستمر إتخاذ إجراءات وهمية للسيطرة على إنتشار المرض، إرضاء للجهات الخارجية و تسكينا للشعب خوف أن يغضب على النظام الحاكم الغير شرعي في نظره.
إن الأزمة الحالية توضح بجلاء أن الديمقراطية في حقيقة الأمر مرتبطة بكل شيء في الدولة و حياة الشعوب، إنها الحلقة المركزية التي ترتبط ببقية الحلقات. الديمقراطية هي العمود الأساسي الذي يحمل بنيان أي دولة، إن غابت إنهارت الدولة و غرقت في بحور المغامرات العسكرية الفاشلة و الفقر و الأوبئة و الجهل و إنتهاك كرامة الفرد و ربما الإحتلال.
لهذا فإننا عندما نطالب بالديمقراطية، فإننا لا نخوض في أمور تتعلق بترف فكري، أو نخوض في مناقشات منفصلة عن الواقع.
إننا عندما نطالب بالديمقراطية فإننا في موقف كالمتعلق بأنفلونزا الطيور، كالذي يطالب بإتخاذ إجراءات صارمة للقضاء على الخطر قبل أن يقضي على ملايين من البشر، إنه إذا ليس ترف فكري أو إنفصال عن الواقع، بل إنه الواقع ذاته.
الديمقراطية، بكل معناها، من أول حرية إختيار الحاكم إلى حسابه و عزله عند الضرورة، هي العلاج النجاح و الأوحد لما نعانيه، و ما عاداها ليس إلا علاجات وهمية أو تسكينية تغطي على إنتشار أمراض الديكتاتورية و نخرها في جسد الشعب، ففاقدي الشرعية لا يجرأون على إتخاذ إجراءات قاسية مرة و تنفيذها بصرامة تنقذ شعوبهم من المعاناة، حتى لو صدقت و خلصت نواياهم، و هذا في حكم النادر.
إن أي ديكتاتور، مهما بلغت ترسانته من الأجهزة الأمنية، أضعف و أجبن بكثير من أي حاكم ديمقراطي أعزل و لكن يقف و ظهره مستند على شعب يحبه و يحترمه.
أحمد حسنين الحسنية
حزب كل مصر