دولة طالبان في جنوب العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ليس ثمة وصف اقرب من ذلك...
تتأطر كل مظاهر الحياة في مدن الجنوب العراقي بمظهر الدين كما يفهمه غوغاء وجدوا انفسهم في غفلة من( زمن الأنتظار) حكاما مطلقي الصلاحيات...
انهم صبيان مراهقون( مجهولون في اغلب الأحيان) يحكمون قبضتهم السرية على الرقاب ويصدرون احكامهم وينفذونها تحت جنح الظلام باسم الاسلام و (من اجل الاسلام)
ليس غير اللحى رمزا للصلاح، وليس لك الا ان تلوذ بالصمت وانت تراهم يسوقون بلدك نحو عصر الجواري..
تختلف تيارات الاسلام السياسي في العراق.. تتقاتل... ينهش بعضهم لحم (اخية)البعض الاخر( بدوافع جهادية وتطبيقا لأوامر الدين الحنيف )لكنهم موحدون ومتفقون على قتل كل ماهو جميل في جنوب العراق...
انهال اربعة شبان ملثمون على صبي يحمل هاتفا جوالا متهمينه بتصوير طالبات غطى السواد وجوههن، وعندما قال ممثل احد الاحزاب العلمانية في اجتماع المجلس البلدي :( حبذا لو فعلت الشرطة ذلك) كان جواب جند الامام المهدي القاء متفجرة على بيته مع رسالة امية الحروف والمعاني تطالبه بالرحيل.
في المملكة العربية السعودية، حيث يشي لك معارفك بانها البلد الاكثر تشددا في تطبيق الشريعة الاسلامية ستكتشف، رغم انتشار رجال ( الامر بالمعروف والنهي عن المنكر )، أن لديك وعائلتك اماكن كثيرة للهو، وستجد عشرات اللافتات التي ترشدك الى اماكن للهو اسموها ( الملاهي)، اما في دولة طالبان العراقية فلا شيء غير اللطم والبكاء وجلد الظهور وشق الصدور حتى انك تفقد طعم الحياة، وتفقد القدرة على التمييز بين الحياة في دولة الجنوب الطالبانية وبين حياة القبور، بل لعل الحياة بين قبور النجف التي تضج بالزائرين ارحم من الحياة في احياء سكان النجف الاحياء( ظاهريا)..
في عاشوراء استنفرت مدن دولة طالبان كل شيء من اجل جعل كل شيء حزين وباكي، وملئت الشوارع بمسيرات جلد الظهور وتطبير الرؤوس واشرك الاطفال في حفلات الجلد هذه وسهرت المدن رغم تعودها على النوم وقت ينام الدجاج، وتسابقت كل اجهزة الدولة لابراز ولائها لمنظمي هذه التظاهرات وصرت ترى سيارات الشرطة ترافق المسيرات في ساعات الليل الاخيرة في تقليد يذكرك بتقاليد الشرطة البريطانية ( بس على اسود)
وما ان انتهت العشرة الاولى حتى بدا استعراض اخر للحزن..
فمن البصرة الى كربلاء مرورا بالناصرية والسماوة والديوانية تزدحم الطرق الخارجية بالمشاة، من مختلف الاعمار، القاصدين زيارة الامام الحسين، تستقبلهم الاف المخيمات المستعدة لتوفير كل شيء لهم ابتداء من تقديم الطعام ومختلف المشروبات ( غير الروحية ) وليس انتهاء بغسل ملابسهم والتبرك بتراب اقدامهم.سيخيل اليك من بعيد وانت ترى الكتل البشرية المتشحة بالسواد ان لااحد في دولة طالبان ظل جليس داره. وتذيع الحسينيات والجوامع في مختلف مناطق الجنوب وعلى مدار اليوم اخبار مختلف المعجزات التي حدثت لعشرات المشاة..يقطع صمت المدن بين الحين والاخر صوت مذيع غير محترف منبها الناس الى وقوع معجزة اخرى : ( ايها المؤمنون.. انها معجزات ابن فاطمة الزهراء عليه السلام.. لقد تم شفاء اثنين من الاطفال المصابين بالشلل والمتوجهين زحفا لزيارة الحسين حيث تمكنا من الهروله بعد ان كانوا عاجزين عن استخدام ارجلهم )..
قادة الاحزاب الاسلاموية المحليون مشغولين حد الارهاق بتنظيم مواكب المشاة هذه واذاعة اخبار المعجزات التي تحدث على مدار الساعة.. والكل يتسابق لابداء حماسة للمساهمة في خدمة المشاة..انها فرصة الاحزاب الاسلاموية لمد الجسور مع من يبدو انهم قبل عاشوراء قد فقدوا الثقة بهذه الاحزاب..
وللنساء( المحرومات من نعمة التجول في شوارع مدن الجنوب الطالبانية) نصيب من حمى المشي هذه.. تمشي عشرات النساء خلف كل موكب، وينمن، كما الرجال، في محطات الاستقبال عند الغروب، وبطيعة الحال لاينسى( ابو عبد الله) من مجازاتهن والتوسط لدى الله لاخراج الجن من رؤوس بعضهن، ولعلاج امراض بعضهن المستعصية كالسرطان، وكلما خرج جني من رأس واحدة او كلما نالتها بركات الشفاعة والتوسط ضجت الحسينات والجوامع بنقل الخبر لسكان دولة طالبان حتى لايبقى لاحد الحجة في نقد هذه الظاهرة التي لم يعرفها اجدادنا ربما لقلة ايمانهم.. ولم تبخل بطبيعة الحال فضائيات الاحزاب الاسلاموية بتغطية كل هذه الوقائع والتباهي بها
لقد صدق العلامة علي الوردي حين قال ان عامة الناس يعتقدون ان الله مثل بقية الحكام والسلاطين لديه حاشية تتوسط بينه وبين الناس لقضاء حوائجهم..
لاحديث للناس غير حديث المشاة والكرامات التي تنزل عليهم كل ساعة.. ورغم الاستياء الذي بدا واضحا على سائق المركبة العمومية الذي كاد ان يدهس احد المشاة الا انه اشاد بهذه الظاهرة التي تحققت بعد( قيام) الاحزاب الاسلامية باسقاط النظام الطاغوتي ليحل محله نظام المستضعفين الذين حرمهم النظام السابق من نعم اللطم وجلد الظهور..
كم انت غبي ياصدام حسين حين لم تدرك ان جماهير الوسط والجنوب لامشكلة لديهم معك لو انك اعطيتهم حرية اللطم وجلد الظهور وتطبير الرؤوس. ماذا كان سيضير ملكك لو شجعتهم على ذلك؟ انظر لهم الان وكم هم راضين وفرحين رغم انهم لم ينالوا سوى مكسب حرية اللطم والبكاء.
لم اسمع خلال الاشهر السته التي قضيتها بين ظهراني دولة طالبان الشيعية اية اغنية في مكان عام، ورغم روعة الطقس الربيعي لم ار اية عوائل تتجول عصرا او صبحا على ضفاف الانهار كما كان يحصل سابقا في ظل الانظمة الطاغوتية.
كان الناس يخشون رجال الامن، اما الان فلايدرون مم يجب الحذر ومن اين يجيء الخطر، فرغم ان الامن مستتب تقريبا في مدن طالبان الشيعية لكنك ستكتشف ان اغلب الناس لاتخرج ليلا الا لماما..
قبل انشغال الناس باحاديت المشاة كنت تسمع اين ما ذهبت قصصا عن الرشاوى والفساد الاداري ( طلبو مني خمسة اوراق لتعييني شرطيا..طلب منا المحافظ ان نزوده باسماء المرتشين الذين اخذوا منا اموالا لقاء قبول انتسابنا للجيش فصمتنا صمت القبور لعلمنا ان المحافظ شريك لفلان الذي اخذ اموالنا ولم يف بوعوده.. اخذوا مني ورقتين لغرض تعييني فراشا ولم اتعين ولم احصل على نقودي..قام فلان بسرقة سجلات طابو النجف لتسجيل عشرات القطع السكنية باسمة..) قصص يختلط فيها الخيال بالحقيقة لترسم صورة الفوضى الادارية والسياسية في دولة طالبان..
تتبارى الجوامع باذاعة ايات من الذكر الحكيم قبل اوقات الصلاة غير اني لم استطع التمعن في واحدة من هذه الايات يوما خلالي اقامتي هناك لان عشرات مكبرات الصوت تضج في ان واحد باصوات تصم الاذان فيضيع المعنى ويضطرب السمع ويتكدر الحال.
لا اظن ان الحياة في دولة طالبان الافغانية كانت اسوء من هذه الحياة في ظل طالبان الشيعية.. شكرا بوش
خالد الناصري