أصداء

بين التطبيع والتضبيع

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يردد كثيرون من المثقفين والصحفيين والكتاب العرب، كلمة التطبيع، مقترنة بالعلاقة مع اسرائيل، فتارة يرددون عبارة التطبيع الثقافي، أو التطبيع الاقتصادي، أو التطبيع الشعبي.... الخ وهم يرددون ذلك من باب الشتيمة أو الشماتة... وكثيرا ما يلصقونها بأحد أبناء الشعب الفلسطيني أو بإحدى المؤسسات الفلسطينية، ويبدو أن كثيرين ممن يرددونها " مضبوعون " على رأي استاذنا عبد الفتاح القلقيلي، فعندما يصادف ضبع أحد الأشخاص في البراري فإن الثقافة الشعبية تقول بان الضبع ضبعه، فيقوده الضبع إلى جحره ليفترسه، ويمشي الضحية خلفه مستسلما دون وعي، وعندما يصل إلى الجحر يرتطم رأسه، بسقفه، فتسيل دماؤه، فيصحو من ضبعنته ويعود عقله اليه فيقاوم الضبع أو ينجو بنفسه.


والتطبيع هو اقامة علاقات إنسانية طبيعية في ظروف طبيعية بين افراد او جماعات، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يكون هناك تطبيع بين المحتل والشعب الواقع تحت الاحتلال، لإن الاحتلال مخالف للطبيعة البشرية، لذلك فإن العلاقة القائمة بين المحتلين وبين الشعب الواقع تحت الاحتلال هي علاقة بين قامع ومقموع، بين جلاد وضحية.


والشعب الفلسطيني في وطنه الذبيح يمر من الحواجز العسكرية القائمة على ارضه ويتعرض للتفتيش والاهانة والتنكيل، فكثير من النساء الفلسطينيات ولدن عند الحواجز التي تمنعهن من الوصول إلى المستشفيات، وكثير من المرضى ماتوا عند هذه الحواجز لنفس السبب. والفلسطيني الذي يريد مغادرة فلسطين عبر المعابر الحدودية يخرج منها ويعود إليها بتصريح اسرائيلي عليه طوابع ايرادات اسرائيلية ويُختم تصريحه بخاتم اسرائيلي، ويتعرض للتفتيش بما في ذلك " التشليح " - ستريب تيز-، ومن يغادر عن طريق مطار بن غوريون فإنه ربما يسافر بوثيقة سفر اسرائيلية، تختم بالخاتم الاسرائيلي،ويتعرض لنفس اجراءات التفتيش.


ولا خيار للفلسطيني في ذلك، مثلما لا خيار له في وجود الاحتلال واستمراريته.
فيأتي بعض الفلسطينيين في أرض اللجوء، وبعض العرب ليتفاخروا بانهم لا يسافرون إلى فلسطين لأنهم يرفضون التطبيع مع الاحتلال كما يفعل بعض فلسطينيي الداخل، ويتناسون أن الاحتلال لا يسمح لهم بالدخول أصلا، ومع ان المقارنة مغلوطة فابن الضفة الغربية وقطاع غزة الذي يعض على تراب وطنه بالنواجذ منذ أربعين عاما، له أقارب وربما له مصالح علمية او اقتصادية وقد يملك عقارات في احدى الدول العربية أو الأجنبية، ولا خيار له إلا بالخروج عبر المعابر الاسرائيلية وطبقا للقوانين الاسرائيلية، ويأتي مناضلو القصور او الفنادق الخمسة نجوم ليزاودوا عليه في الوطنية والنضال، ويتناسى المزاودون على أبناء فلسطين المحتلة عشرات آلاف الضحايا الذين سقطوا إلى قمة المجد، ومئات آلاف الجرحى والأسرى، فحوالي سبعمائة الف فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة تعرضوا للاعتقال من ثلاثة أشهر إلى عشرات السنين، وبعضهم مثل بعض الجرحى خرجوا بعاهات مستديمة، فهل من يعبر الحدود إلى دولة شقيقة مجاورة او صديقة للعلاج يعتبر مطبعا.


ومن المفيد هنا التذكير بان بعض " المضبوعين " اعلاميا من العرب لا يعلمون حقيقة الأوضاع في الأراضي المحتلة، فنجدهم يكتبون المقالات الرنانة، يتهمون هذا ويدافعون عن ذاك مع أن الحقائق قد تكون معكوسة.
قبل أيام قرأت مقالة على احدى المواقع المسرحية لفلسطينية مقيمة في احدى العواصم العربية تهاجم "المطبعين" في المسرح الوطني الفلسطيني - الحكواتي سابقا - في القدس الشريف بعد ان شاهدت مسرحية " الجدارية " في باريس، فأقامت الدنيا ولم تقعدها لأن الذي روج المسرحية وعمل لها عقودا في باريس وبعض الدول الأوروبية شركة اسرائيلية.


والجدارية هي ملحمة شعرية لشاعرنا الكبير محمود درويش، مسرحها وأنتجها المسرح الوطني الفلسطيني، وقدمها في دمشق وبعض الدول الأوروبية مثل : السويد، الدنمارك واسبانيا وسويسرا، وهذا المسرح هو أكبر مؤسسة ثقافية وجميع عروض الجدارية تمت مباشرة بعقود مع إدارة المسرح وما دورالشركة الاسرائيلية إلا نقل الديكورات فقط اي تخليص وشحن.


وعذا المسرح هواكبر مؤسسة فلسطينية في القدس العربية المحتلة التي تمزقها المستوطنات، وتنخر أحشاءها الحفريات الاسرائيلية التي تهدد البلدة القديمة داخل الأسوار بالانهيار الكامل في أي زلزال عادي، وسيكون المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين أولى الضحايا.


والمسرح الوطني الفلسطيني هو الذي أنتج عشرات المسرحيات الفلسطينية، وهو الذي احتضن ولا يزال يحتضن الفنانين المسرحيين الفلسطينيين، وهو الذي يجوب الأراضي الفلسطينية بعروضه المسرحية، وهو الذي يستقبل الفرق المسرحية العربية من داخل الخط الأخضر لتقديم عروضها على خشبته.
وهو الذي يحتضن ندوة اليوم السابع الثقافية الدورية الأسبوعية التي تعقد جلساتها فيه مساء كل خميس منذ العام 1991 وحتى الآن. وهو الذي يعرض عشرات الأفلام العربية.


وهو الذي رفض عروضا مالية مغرية لانتاج مسرحية " روميو وجولييت " لتكون انتاجا وتمثيلا مشتركا بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وهو الذي يرفض أي اغراءات مالية من دائرة الثقافة في بلدية القدس الاسرائيلية. وهو في نفس الوقت الذي يعيش ظروفا مالية تهدد بإغلاقه لعدم قدرته على دفع أجرة المقر، ورواتب موظفيه، وحتى فواتير الماء والكهرباء، وهو أيضا الذي يسافر المشاركون في مسرحياته عبر المعابر الحدودية التي يتحكم بها الاسرائيليون ولا خيار له ولهم في ذلك.


فهل يتهم بالتطبيع الثقافي؟؟ أو هل يجوز أن تلصق هذه التهمة به؟؟ وها نتقي الله في بعضنا البعض يا أبناء جلدتنا؟؟ أو هل نردد مقولة شاعرنا الكبير محمود درويش عندما قال :" ارحمونا من هذا الحب القاسي ".

جميل السلحوت

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف