أصداء

نبوءة ميخائيل زيمان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

"الثقافة العربية الانسانية الحرة ستنطلق من اوروبا"

تابعت بانزعاج شديد مجريات مهرجان الشعر العربي ( الشعر في حياتنا ) الذي أقيم في مدينة القاهرة قبل أيام باسم الشاعر المصري الكبير صلاح عبد الصبور والتداعيات والتخبط الذي رافق منح الجائزة التي رشح لها الشاعران محمود درويش وسعد يوسف وصارت في النهاية إلى الشاعر محمود درويش بعد إن شاع أنها ستمنح إلى سعدي يوسف. أقول تابعت بانزعاج شديد استبعاد شعراء قصيدة النثر وما ينطوي على ذلك من الغاء صريح لجزء من تاريخ الشعر العربي الحديث، وتذكرت جملة قالها الشاعر الهولندي ومقدم البرامج الشهير ميخائيل زيمان قبل سنوات قليلة وهو بصدد تقديم الروائيين العرب الذين يعيشون في اوروبا إلى الجمهور الهولندي ضمن مهرجان " ليالي الشتاء " الذي عقد في لاهاي. قال زيمان ( الثقافة العربية الحرة والانسانية ستنطلق من اوروبا )!!. كان الحاضرون من الكتاب العرب الكاتب السوداني الطيب صالح الذي يعيش في بريطانيا والكاتبة اللبنانية حنان الشيخ من بريطانيا ايضا والمصرية مي تلمساني التي تعيش في كندا وفؤاد المغربي من فرنسا. في تلك اللحظة كان يجلس إلى جواري الروائي السوداني الكبير الطيب صالح، ويبدو انه لم يفهم ما قاله زيمان لان جملته كانت ملتبسة وتنطوي على اساءة مبطنة للثقافة العربية. قلت للطيب صالح إن الرجل يعني من ذلك انكم قادمون من بلدان تنعدم فيها الحريات وتفتقر إلى التقاليد الثقافية واليوم انتم تعيشون في اوروبا وانتم احرار فيما تكتبون، وما تكتبونه اليوم يتأسس هنا، في اوروبا.


كان الطيب صالح يريد ان يرد على زيمان، ولكن الجلسة كانت قد فضًت. وكنت اشعر بالانزعاج نفسه فذهبت ابحث عن زيمان في الممرات ووجدته يوشك على مغادرة القاعة. قلت: لم اكن اتوقع ان يصدر ذلك منك وأنت المعروف بتقديم كتًاب من مختلف الثقافات؟؟ قال: أنت منفعل قليلا.. فكر بهدوء في ما قلته أنا وستجد انني لم اكن مخطئا. اليوم افكر بشكل عميق فيما قاله زيمان قبل سنوات وأنا اتابع ما يجري في بلداننا العربية من مهرجانات وندوات وما يرافقها من أخطاء اقل ما يقال عنها أنها أخطاء لمثقفين غير ناضجين في ثقافة توقفت عن التفكير في المستقبل، ثقافة مبنية على التنابز والإقصاء والعنصرية.
من يتابع اليوم عدد الكتاب والشعراء والفنانين العرب ( لا نريد ان نتحدث عن العلماء ) الذين يعيشون خارج أوطانهم سيظن إن العالم العربي خال من المثقفين أو انهم هاجروا جميعا بعد إن ضاق كل شيء امامهم. ولو أتيحت الفرصة ألان لمن بقي منهم للعيش في الخارج لسارعوا جميعا إلى ذلك. لقد تحولت الثقافة العربية إلى ثقافة محلية وبدأت تتقلص بمرور الزمن وما الدعوات الكثيرة والقلقة التي تطلق ألان خوفا على اللغة العربية من الاندثار إلا نتيجة منطقية لذلك. ومن يريد ان يتأكد من هذه المخاوف عليه ان يعرف ان نسبة الأمية مثلا في بلد مثل مصر رائدة الثقافة العربية هو سبعة وأربعون بالمئة فقط.!!


الثقافة العربية التي كانت توصف بأنها ثقافة الكتاب توشك ان تتحول إلى ثقافة شفاهية. فقبل خمسين سنة كان اذا صدر كتاب في القاهرة فأن ما يطبع منه لا يقل عن خمسين الف نسخة توزع في كل انحاء العالم العربي. إما اليوم فأن اكبر الكتاب العرب لا يطبع أكثر من خمسة آلاف نسخة تمنع في الكثير من الدول العربية بسبب الرقابة، باستثناء حائز جائزة نوبل نجيب محفوظ. الثقافة العربية أصبحت ثقافة إشاعة بامتياز، اذ لم يمض وقت طويل على الاعلان عن جوائز ادبية تبز بقيمتها المادية جائزة نوبل، بل ثلاثة أضعافها. وكما هو معروف فأن الهدف من هذه الجوائز لا يهدف إلى بناء ثقافة عربية انسانية اصيلة تحترم الإنسان بقدر ما هي منابزة والبحث عن شهرة اضافية لا تستطيع تفسيرها إلا البيسكولوجيا.


اذا صحت نبوءة الشاعر الهولندي زيمان فأن ذلك يعني كارثة حقيقية، لأن الثقافة العربية ستعيش ما تبقى لها من حياتها في المنفى وتندمج فيه وتتوارى بمرور الايام. يرافق ذلك تقلصها على أرضها الأولى وانحسارها في نهاية الامر، ما يعني انحسار اللغة التي كتبت بها هذه الثقافة. وينبغي علينا إن لا نسخر من هذه النبوءة السوداء خصوصا اذا كنا نعلم جيدا إن العولمة تجتاح الأرض بسرعة الضوء وليس لدينا نحن العرب ما نواجه به هذه الرياح العاتية غير الصحراء المكان الأثير الذي يعرفه الجميع كمنفى أزلي يستوعب كل العاطلين.


ويبدو إننا مرشحون لذلك، لان انحطاط ثقافة أي شعب يستتبع انحطاط مستقبله السياسي والاجتماعي والعلمي. فالثقافة هي البوتقة التي تجمع كل هذه المعطيات وترشح عنها وتعبر عنها فماذا نحن فاعلون يا ترى بعد إن خسرنا قضيتنا الجوهرية في فلسطين، بعد خسرنا العراق ونكاد نخسر لبنان نافذتنا الوحيدة إلى الحداثة؟

صلاح حسن

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف