الإسلام ليس حاكما ولن يكون!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
نطالع يوميا مقالات كثيرة تهاجم الإسلام السياسي بطريقة مفرطة من جهة وبطريقة تجعل من وجود السلطة في البلدان المسماة إسلامية طية مخفية أو ثنية غير واضحة في سطح يبدو أملسا.
لأن اللغة في تلك المقالات تحاول تصوير نفسها أنها تتجاوز المحظور، وتبني خطابا على خرقها للتابو الإسلامي. وهذا في مجمل الحالات غير صحيح. ونحن إذ تقدمنا دوما بنقد سياسي بالدرجة الأولى لطروحات الإسلام السياسي الحزبي فلم يكن لدينا أي وهم على أن الإسلام السياسي هو من يحكم بلدان تواجده كما يحاول أن يظهر لنا العديد من الكتاب الليبراليين وغيرهم. وهذه قضية من أخطر القضايا التي تواجه الواقع العربي والأقليمي الشرق أوسطي. منذ أن أصبحت البشرية كلها محكومة بتلك المؤسسة التي تسمى دولة وسلطة هذه الدولة. نحن في الحقيقة أمام التباس واضح وخصوصا في الدول الحديثة النشأة كدول المنطقة الإسلامية. هذا الالتباس مرده إلى الخلط الحاصل بين مفهوم السلطة السياسية ومفهوم الدولة. هذا الخلط الذي لازال حقلا مهما من حقول علم الاجتماع السياسي حتى في الغرب نفسه. ولهذا هنالك من يفصل بين فلسفة السلطة وفلسفة الدولة. هي محاولات كثيرة وجادة وكما يتم الخلط عادة بين مشروعية الدولة ومشروعية السلطة. ومن المتعارف عليه أن جزء مهما من مشروعية السلطة يجب أن تحوز عليه من وجود الدولة ومشروعيتها التاريخية والتي هي نتاج تطورات مرت بها البشرية في سياق بحثها عن حاضن دستوري و قانوني لاجتماعها وفق عوامل كثيرة تتلخص في القول أحيانا بمشروع الدولة /الأمة وهنا الدولة الحالية مصادرة شرعيتها سلفا لدى هذا النسق الأيديولوجي حتى تتحقق رسالته الإسلامية أو القومية. وعندما يتم السطو على وظائف هذه الدولة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من خلال ما تتيحه سلطة الطوارئ والحزب الواحد أو القائد الأوحد. فإن السلطة تكون قد مشت في خيار هو خيار السلطة ضد الدولة. وهذا ما هو سائد حتى فترة قريبة في ( مجتمعاتنا الإسلامية ) ولازال.
هذا الخيار يجعل من الدولة مطية للسلطة هذه التي تتحرك في مسيرة يصبح فيها الفرد فوق الدولة، ويصبح الفرد محركا وفق ثقافته التي أتت به غالبا إلى السلطة بطرق غير مشروعة و كل نوازعه الشرير منها والخير لكل مؤسسات الدولة. وهذا يقودنا للتمييز بين جعل الإسلام مصدرا للتشريع رئيسي أو غير رئيسي وبين أن يتحول حزب إسلامي إلى قائدا للدولة والمجتمع وهذا لم نشهد له مثيلا إلا في أفغانستان طالبان وإيران ولاية الفقيه. من هنا الحديث عن الظاهرة المتخلفة والقمعية والعنفية والإقصائية وتصويرها بأنها حامل أنثروبولوجي أمرا خطرا جدا وغير صحيح لأنه في الحقيقة يمارس رياءا واضحا مع السلطة السياسية الفعلية التي حملت الإسلام السياسي لكي يكون طرفا مجتمعيا وفي صياغة ثقافة جزء من المجتمع الذي يقاوم هذا الإسلام السياسي وغالبا أيضا بطريقة سلطوية. أو ينخرط فيه أيضا بطريقة سلطوية وحزبية ضيقة يختلط فيها المثال الحزبي بالمثال الرباني. ولهذا دعونا نحدد خيارات البحث بشكل أقرب للواقع :
إن الإسلام السياسي بنسخه المتعددة هو وليد تداخل سلطتين :
الأولى سياقات الحرب الباردة ونظامها الدولي وممارساته السلطوية والتي لازال قسما من الإسلام السياسي يعيش على هذه الولادة.
والثانية السلط في البلدان المسماة إسلامية وهي سلط غالبا ليست إسلامية. هل يمكننا القول أن السلطة في البلاد العربية هي سلطة إسلامية؟! أو أنها تحكم باسم الدين؟
عندما يتم الحديث عن هذه السلطات من قبل المعارضة تاريخيا نجد شبكة من المصطلحات والمفاهيم تتناول غياب الحريات أو العمالة للإمبريالية والمشروع الصهيوني والفساد السياسي والمالي والأخلاقي. وكلها قضايا يتم البحث فيها بحقول معرفية وأيديولوجية بمعزل عن الإسلام السياسي. فهل يمكننا القول أن السلطة التي طردت نصر حامد أبو زيد هي سلطة الإسلام السياسي، وهل الحزب الوطني الحاكم في مصر والذي جرى طرد المفكر المصري في ظل حكمه هو حزب يعبر عن الإسلام السياسي؟
ثم السلطة التي جعلت من حزبها حزب البعث العربي مثلا قائدا للدولة والمجتمع ألم تكن قادرة على إعطاء الحقوق للأقليات مثلا في سورية؟ ألم تكن قادرة مثلا في العراق سابقا على إنتاج دستور علماني؟ لو ألقينا نظرة على واقع السلطات في البلدان الإسلامية ماعدا إيران أين يمكننا أن نجد سلطة واحدة الإسلام السياسي حاكم فيها؟ حتى في المملكة العربية السعودية نجد أن العرف هو الذي يحكم في الغالب بغض النظر عن مدى علاقة هذا العرف بالإسلام السياسي والوهابية ومؤسساتها. إن دور العاملان المذكوران في ولادة الإسلام السياسي جعل هذا الإسلام السياسي يتحول إلى طرف في المعادلة الدولية والأقليمية والداخلية وفي كل دولة على حدة. ومنذ لحظة ولادته في هذا الفضاء الدولي كان العنف وسيلته من أجل الوصول إلى أهدافه بمواجهة المد اليساري وتيمنا ببعض أحزاب اليسار التي كانت مدعومة من المعسكر الشرقي.
لو قمنا أيضا بجردة على النخب الحاكمة في المنطقة هل في ثقافتها وفي ممارساتها اليومية والشخصية هي نخب إسلامية؟ هل النخب في مصر وسورية ودول الخليج مثلا هي نخب إسلامية؟
حتى الغرب يمارس احتيالا أحيانا غير مقصود بحكم أنه مهدد في عمليات أرهابية في عقر داره! أو مقصود لكي يتم له مساحة من المناورة بين سلطة الدول في البلدان الإسلامية وبين حملته ضد الإرهاب، فهو يصور في الحقيقة المجتمعات الإسلامية بأنها مجتمعات إرهابية ومنتجة للعنف ويحرك العلاقة بين هذه المجتمعات وسلطاتها حسب تحرك الوضع السياسي الأقليمي ومتطلباته.
علينا أن نظهر هذه الطية المخفية في ثنايا خطابنا ضد الإسلام السياسي وهي / السلطة السياسية في بلداننا ولعبها المستمر على هذا الوتر لأنه الأخطر من وجهة نظرنا. ولأن الإسلام السياسي الذي يتبنى العنف ولا يقبل بدساتير مدنية وديمقراطية سرعان ما يتحول إلى قوى خارجة عن القانون لأنه يفتقد الشرعية التاريخية والتي تنبع من روح العصر وممكناته وآفاقه والتي تجعل عنوان مقالنا صحيحا : الإسلام ليس حاكما ولن يستطيع الحكم. وإذا اقتنعنا بالجزء الأول من العنوان يصير سهلا علينا التركيز على عدم إمكانية قيام نظام سياسي ديني في بلداننا، وبنفس الوقت نسحب البساط من تحت أقدام السلطات لتي تلعب بهذه النار التي يمكن لها في مرحلة من المراحل أن تحرق الأخضر واليابس دون أن تبني مكانه سوى التخلف. ونأخذ مثالا حيا :
إن الوضع في العراق يحكمه الإسلام السياسي في جنوبه الذي لم نعد نجد فيه سوى عمامات تتنافس على ولاية وتترك حاجات المجتمع للفوضى والسلب والنهب من قبل ميليشيات هذه العمامات.
وفي الوسط نجد أن ما يسمى بالمقاومة ليس سوى تجار دم ويتم الذبح لديهم على الهوية. الطرفان مدعومان من سلط الجوار التي تضخ لهم على الأقل التسهيلات اللوجستية من أجل بقاء شلال الدم العراقي ومن أجل تحقيق أهداف سلطوية ضيقة.
في سورية السلطة متمددة على كامل مساحة المجتمع فكيف إذن تخرج علينا تيارات إسلامية متشددة وبرعاية السلطة نفسها وتخرج هذه السلطة لتقول لنا : أن المجتمع السوري متعصب
ومن الطبيعي في أحوال الشعوب التي تقارب درجة تطور شعوبنا أن تنبثق لديها تيارات متشددة ولكنها هل تمثل كل المجتمع أم تمثل جزء من حركية سلطته أو حتى ردة فعل على سلوك هذه السلطات التي تجد نفسها قادرة على اللعب في كل الحدود والقيم الاجتماعية والوطنية حتى من أجل أن تبقى قابضة على كامل مساحة المجتمع المذرر نهبا وقمعا وشرعية قوة بلا مشروعية. وهذه الشخصانية الفردية في ممارسة السلطة تجعل الأمر يبدو وكأننا أمام لوحة معقدة القراءة بينما هي في الواقع نتيجة لتراكم السلوك الفردي لحاكم مستبد وما يعنيه هذا الأمر من ارتجال ومزاجية وقراءة لحظية وانفعالية..الخ هل يمكن لفرد في هذا الزمن أن يبقى يرسم بشكل منهجي حركية ملايين من البشر؟ هنا المعضلة الأساس. ونضيف قضية هي ليست بعيدة عن متناول البحث وهي أن على المعارضة الديمقراطية بشتى تياراتها أن تعرف : أن الإسلام السياسي سيبقى يمثل شرائح اجتماعية ومصالح قوى ولن نستطيع أن نجعلهم مسيحيين مثلا؟ أو أن نجعلهم ليبراليين علمانيين! وصراعنا مع الإسلام السياسي ليس صراع وجود أو لا وجود بل هو صراع حدود في الحقيقة وسيبقى مادام هنالك أديان في تاريخ البشر. وبذلك نتخلص من عقلية الإسلام السياسي نفسها التي تسيطر على قسم من رجالات الدين الإسلامي كما تسيطر على قسم من رجالات اللبرالية والعلمانية واليسارية. والحدود هي التي ترسمها دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان هذه الحدود الرئيسية التي يجب أن ترسم أفق خلافنا مع هذا الإسلام السياسي! أما تياراته العنفية والتي تمارس العنف فهي تيارات خارجة عن القانون من جهة وتيارات مرعية من سلطات أقليمية من جهة أخرى. أم أننا نريد رمي كل اتباع الإسلام السياسي في السجون؟ ولكون هذه الظاهرة مثلها مثل أية ظاهرة تاريخية فقد تحولت إلى النسبي وهنالك الآن في كل بلد تيارات عدة من الإسلام السياسي. هل سنبقى نضعهم جميعا في سلة واحدة؟ وهذا لا يجب أن يجعلنا نخفف من طبيعة الأزمة ولا أن نهادن ولكن أيضا يجب عدم رفع الخلاف إلى مستوى وجودي. وبذلك نحدد الخصم الذي لا يريد إيجاد هذه الحدود وهو هنا السلطة السياسية بشكل رئيسي.
غسان المفلح