البيشمركة الكردية في بغداد!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الكرد، بطبيعتهم، يميلون الى الإعتقاد او تصديق ما يسوقه الأخرون من و عود لهم حول قضيتهم. و كانت هذه الطبيعة المتجذرة، المتأصلة في شخصية الإنسان الكردي تنعكس بكل جوانبها و خصوصياتها في ردود أفعال الساسة الكرد حيال جميع المشاريع و السياسات الخاصة و الإستثنائية ضد شعبهم، سواءاً تلك التي طبقت من قبل أنظمة دمشق، طهران، انقرة و بغداد، او تلك التي نتجت ( و هي الأخطر ) عن مساومات دولية، و إتفاقات سرية إرتبطت بمصالح عليا للدول العظمى على المسرح الدولي.
ففي الوقت الذي تتسع فيه أزمة العلاقة بين الشيعة و السنة في العراق، جراء إستمرار عمليات القتل و التقتيل المتبادل على الهوية الطائفية،وافقت القيادات الكردستانية على إرسال بيشمركة كردية الى بغداد للمشاركة في "خطة فرض القانون " في مدينة بغداد. و إذا أخذنا بعين الإعتبار مواقف سابقة للقيادة الكردستانية من الصراع الطائفي الدائر و فرص نجاح المصالحة الوطنية، و التي إرتكزت في معظمها جملة و تفصيلاً على نظرة تشاؤومية من تداعيات و نتائج الأقتتال الجاري على مستقبل الدولة العراقية، لوجدنا أنفسنا في حيرة من أمرنا جراء تغير مواقف القيادات الكردية في أهم قضية تشغل بال العراقيين اليوم و هي الأمن، دون حدوث اية تغييرات أو مستجدات تستوجب التغيير من الأساس.
و ما يزال الكرد يتذكرون جيداً، رغم ضعف ذاكرتهم تأريخياً، النتائج و الإستخلاصات التي توصلت إليها رئاسة إقليم كردستان، عندما أكد رئيس الإقليم السيد مسعود البارزاني في برلمان كردستان العراق بعيد زيارته الأخيرة الى بغداد على أن" لا يوجد مستحيل في السياسية، إلا ان المصالحة بين السنة و الشيعة هي من رابع المستحيلات" فما الذي إستدعى حدوث التغيير في موقف قيادة إقليم كردستان بأرسال أبناء الشعب الكردي الى أتون الجحيم الطائفي في بغداد؟ يبدو أن الوضع العراقي العام، امنياً و سياسياً، المتمثل في تدهور الحالة الأمنية و إزدياد رقعة المواجهات و حصيلة الضحايا المرتفعة من العراقيين يومياً، بالتزامن مع فشل الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي في تنفيذ ما إتفقت عليه - الكيانات السياسية العراقية الفائزة في الإنتخابات - في برنامج الحكومة، كل ذلك مترافقاً - و هو الأهم، مع الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس بوش على الحكومة العراقية لتحسين الوضع الأمني و توسيع دائرة إشراك السنة في العملية السياسية و إضعاف التدخل الإيراني في الشأن العراقي، قد أدى الى إجبار القادة الكرد على تغيير موقفهم و تحفظهم من أي تدخل في الصراع الدائر.
و من خلال اللقاءات المتعددة و المتكررة، اللافتة للإنتباه، بين القادة الكردستانيين في العراق و المسؤولين الأمريكيين كالسفير خليل زلماي زاده و وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس و غيرهم، ظهرت مؤشرات واضحة على مطالبات أمريكية للقادة الكرد بضرورة أخذ جانب من المسؤولية الأمنية في العراق على عاتقهم، من منطلق موقعهم المحايد في الخارطة السياسية العراقية من جهة، و قدرة القوة الكردية المدربة و المجربة ( في كردستان ) على تنفيذ بعض الجوانب الخطة الأمنية الجديدة من جهة أخرى.
و إزاء هذا الموقف الجديد من قبل الساسة الكرد العراقيين، لا بد من الـتأكيد على أن هذا الموقف لم يجد أي صدى إيجابي بين ابناء الشعب الكردي و خاصة بين المثقفين الكرد على وجه التحديد، بسبب االقلق البالغ من إمكانية أن يتسبب تداعياته و نتائجه على إستقرار إقليم كردستان، و امنه و سيادته. فالكرد تعرضوا منذ تاسيس الدولة العراقية في 1920 الى مجازر و مظالم، راح ضحيتها الآلاف الأبرياء و تم تدمير قراهم و مدنهم، ومورست في حقهم سياسة عنصرية قائمة على تعريب مناطقهم و تهجيرها من أبناءها الأصليين. و هم من هذا المنطلق يجدون أنفسهم بغنى عن تحمل المزيد من الأحزان و دموع الأمهات الثكلى. و أذا كان من واجب القيادة الكردستانية رد الجميل الى الأمريكان على إسقاطهم نظام صدام و خلق واقع و ظرف يسمح فيه بعودة الحقوق للشعب الكردي، فإن ذلك لا يتم حصراً بتعريض الكرد لمخاطر جمة قد تنجم عن تدخلهم في الصراع الطائفي في العراق، و إنما من خلال المساهمة سياسياً عبر ممارسة الضغوط على شراكهم في الإئتلاف العراقي الموحد، و باقي القوى السياسية العراقية الأخرى، لإيجاد حلول سريعة و جدية، بغية الخروج من حالة إنسداد الأفق السياسي و الوضع الأمني الخطير عبر تصحيح مسار العملية السياسية الجارية، بما يخدم و يؤمن مصالح جميع فئات و أطياف المجتمع العراقي.
و في هذا السياق لا بد من تذكير القيادة الكردستانية بضرورة الإرتكان الى الرأي العام الكردستاني عند إتخاذ أي قرار حساس و مصيري يرتبط به حيوات أبناء الشعب الكردي، و إلا فان مصداقيتها في التعبير عن مصالح الشعب الكردي و مستقبلة سيكون عرضة للإهتزاز.. و هو ما لا نتماه أبداً.
زيور العمر