الإرهاب قطاع خاص والثقافة قطاع عام!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إن العالم عهدنا بشركات الإرهاب وأعمال الإرهاب، هكذا يخيل للمرء وهو يقرأ تاريخ انبثاق الظاهرة الإرهابية في العالم الإسلامي. ونحن تلقفنا التعهد وننفذه وفق مواصفات ودفترشروط محدد في إطر نظرية المؤامرة التي تجتاح العالم الإسلامي كخلفية راسخة في الفكر السياسي لهذه المنطقة من العالم. منذ أن قرأ المفكر العربي نصر حامد أبوزيد ـ المطرود من ملكوت أرض الكنانة ـ هذه الظاهرة وأعاد انبثاق الظاهرة الإسلامية التكفيرية والعنفية ـ التي سميت أرهابا ـ أعادها إلى أسباب تتعلق بسلوك السلطة في البلدان الإسلامية وانتشار الفقر في المجتمع والفساد بكل ألوانه في السلطة هذا من جهة، ومن جهة أخرى هنالك أسباب تتعلق بتوحش المؤسسات الغربية في استغلال المنطقة الإسلامية وردة فعل الشارع الإسلامي عليها. منذ تلك الفترة ونحن نعيش حالة تشبه الانقطاع التاريخي، فقد طمست كافة معالم المرحلة التاريخية التي تعود إلى ما قبل نهاية الثمانينيات من القرن العشرن. وأصبح كل تاريخ المنطقة مكثفا بالعقدين الأخيرين. وكأن الظاهرة عندما تطمس تاريخيتها تستطيع توجيه أسبابها بالطريقة التي تشاء واعتبار التاريخ ببساطة عمودية وأفقية كله يتآمر علينا نحن المسلمين.
لذا أصبح الإرهاب هو محايث أنثروبولوجي للشعوب الإسلامية كما يمكن للمرء أن يقرأ هذا الهجوم الإعلامي والثقافي الغربي وغير الغربي على الإرهاب. مما يذكرنا ببعض الحركات الاستشراقية التي ترافقت مع بدء الاستعمار التقليدي للعالم غير الأوروبي. وهنا يخطر ببالي في الحقيقة سؤالا عارضا: لماذا لم يتم قطع رؤوس الجنود الغربيين الذين كانوا منتشرين لأكثر من قرنين من الزمن في البلدان الإسلامية في فترة الاستعمار القديم أو التقليدي كما يسمى عادة؟ لماذا ظاهرة قطع الرؤوس لم تنتشر إلا بعد الانتصار الساحق على السوفييت في أفغانستان؟ وبدأت تتكاثر الآن في العراق بطريقة مقززة وتدعو للقرف والأقياء بالدرجة الأولى ومن زاوية أي حس إنساني لا نقول سليما بل نقول طبيعيا. ببساطة إن ظاهرة قطع الرؤوس هي ظاهرة سياسية راهنة وفي صلب هذا الراهن بامتياز. وإذا قلنا من زاوية أخرى أن تفجير الذات في العدو ظاهرة هل كنا يمكن أن نشاهدها بهذه الكثافة في السابق لولا تطور تقنيات التفجير؟
ربما هذا اعتراض جوهري على ما سوف نكمل به موضوعنا. ولكن السيف كان موجودا وربما أكثر من الآن ولم نشاهد ظاهرة قطع الرؤوس إلا مع شركات الإرهاب الجديدة! ولم يذكر أو يتحدث التاريخ المقاوم للاستعمار التقليدي عن ظاهرة تفجير مدنيين أو قطع رؤوس! أو تفجير طلبة الجامعات؟ حتى في الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت لأكثر من عقدين لم نجد مكانا لهذه الظاهرة. والتي يمكننا أن نسميها إحياء السيف وما يمثله من ثقافة! هذا الانبعاث لثقافة السيف ومدلولاتها التاريخية إنما يعبرعن وجود تنظيم مؤسسي قوي يستطيع أن يحرك هذا النوع من الثقافة؟ لماذا مثلا لا يخطر على بال الإرهابيين القتل رميا بالرصاص؟ الإعلام يريد بشاعة الصورة، والصورة لا يمكن ظهورها للجمهور دون شبكة من العلاقات المالية والسياسية والإعلامية..الخ إنها باختصار وكي لا نرهق المقال بالأمثلة: ثقافة دول وسلطات وأموال تتحرك بقنوات سواء كانت مكشوفة أو سرية. والأمر ليس لعبة استخبارية بحاجة لعباقرة لكي يكتشفوها: إنها عتمة في وضح النهار! إنها ميزان قوى متحرك؟ وكما قال لي أحد الأصدقاء:
إن الغرب يصور الإرهاب وكأنه قطاع خاص؟! هل فعلا الإرهاب قطاع خاص؟ أم أنه وليد مجتمع مدني إسلامي حر في دوله وتحت نير سلطاته؟ مجتمع مدني يستطيع أن ينتج هكذا تنظيمات مؤهلة لتفجير ذاتها في العالم وقطع رؤوس أبناء جلدتها وتأمين كل هذه الإمدادات اللوجستية؟
بينما نجد في الحقيقة أن مثقف ديمقراطي واحد أو يساري أو ليبرالي تستطيع سلطاتنا منعه وسجنه حتى وهو يفكر وقبل حتى أن يعلن عما يفكر فيه؟ فكيف تستطيع تنظيمات بهذه القوة أن تمر والسلطات الغربية والعربية غافلة عنها؟! أو لاتستطيع اكتشافها؟ [ زبينغو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد كارتر والذي تحول إلى قديس الآن، كان يتحدث إلى صحيفة نوفل أوبسرفاتور الفرنسية بان مخطط الولايات المتحدة لدعم المتطرفين الدينيين في أفغانستان ضد الحكومة اليسارية قد استقدم الجيوش السوفياتية مؤديا إلى هزيمتهم، وجعلها تنتقم لهزيمتها في فيتنام. لقد أدى ذلك إلى انهيار الاتحاد السوفييتي. ومن ثم أضاف: إذا كان ذلك سوف ( يستثير المسلمين ) فما المشكلة. كان الأمر كذلك حتى قام المسلمون الذين تمت استثارتهم بالهجوم على الولايات المتحدة في 11أيلول ولندن في السابع من تموز إضافة إلى الهجومات على الأستراليين في بالي، وأسبانيا وأماكن أخرى..وآخرون لازالوا يدفعون ثمن هذا الارتباط الآثم وسوف يبقون كذلك ] كما كتب سفير هندي سابق في عدة دول ـ غيجندرا سينغ ـ كما أنه ليس خافيا على أحد مدى الدعم التي تلقته القاعدة وطالبان من السلطات الباكستانية أو بعضا من مراكز القوى داخل هذه السلطات وحتى الآن؟ ولو تحولنا الآن إلى العراق لوجدنا الظهير الإيراني وتوابعه قد حفر عميقا في نسيج الإرهاب في العراق إلى حد أنك لم تعد قادرا على التمييز بين المجموعات الإرهابية لدى السنة والشيعة على السواء. لا أفهم كيف عادت ثقافة الروافض والنواصب لكي تحيا من جديد؟
لم تعد بفعل بشر هواة أو بضعة شباب يفجرون ذاوتهم في الإعداء أو يذبحون البشر بقطع أعناقهم في حد السيف وحيث من المفترض أن يكون هؤلاء الشبان في الجامعات والمدارس..الخ
على الغرب ومحترفيه الذين التقيت عددا منهم في ندوة دعيت إليها حول الإعلام والإرهاب عقدت مؤخرا في برلين أن يجيبوا عن سؤال:
هل لدى الشعوب الإسلامية الحرية في مجتمعاتها لكي تنتج تنظيمات ذات قدرة مالية وعسكرية عالية وبهذا المستوى الحرفي في الذبح والتفجير وتفخيخ السيارات أي تنظيمات قطاع خاص أو أهلي كما يصور الأمر بعض المروجين لفكرة أن سبب الإرهاب هو ثقافة كل مسلم مهما كانت طائفته ومهما كان توجهه السياسي؟ ليقول لنا أن السلطات في البلدان الإسلامية لا تراقب كل شخص حتى في غرفة نومه. وإلا ليفسروا لنا الآن لماذا السجون تمتلئ بالمعارضات العربية الديمقراطية؟ وسأضرب مثالا:
إن كل مواطن سوري لديه منذ أول الثمانينيات تقريبا: أربع أجهزة أمنية من أقوى الأجهزة في العالم بقمع مواطنيها، أجهزة تراقبه وتراقب كل نأمة يقوم بها ولديه دوما أربعة ملائكة يسيرون معه إينما اتجه وعلى خصر كل واحد منهم مسدس! ومن جهة أخرى لولا دعم النظام العراقي البائد والذي وضع أموال الشعب العراقي تحت تصرف العنف الذي حدث في سورية في نهاية السبعينيات وأخذ وجها طائفيا كاد أن يدمر المجتمع السوري برمته. لولا هذا الدعم المالي ـ ملايين الدولارات تنقل بالحقائب إلى أوروبا وسورية ـ هل كان للمعارضة المسلحة آنذاك أن تجد طريقا لتحركها؟
وفي الجهة المقابلة للذين أتعبهم التغني بالمقاومة وأخلاق المقاومة ومناهضة الاحتلال والصهيونية: لا أعرف عن أية مقاومة يتحدثون وهم العارفون بأن لا مقاومة بدون دعم الدول الأخرى؟
هذا الدعم يحتاج إلى ثقافة لكي يتم تجييش هؤلاء الشبان من يستطيع قبل أن ينتشر النت الآن أن ينشر ثقافة دون موافقة السلطات في كل بلد على حدة؟ كما ليتذكر مناصري السياسة الإسرائيلية في الغرب والشرق أنها هي من غضت الطرف على ثقافة الجهاد الإسلامي للتيارات الإسلامية في الساحة الفلسطينية وطيلة فترة العقود الثلاثة التي تلت هزيمة 1967 والتي نشأ منها حماس والجهاد الإسلامي.
وكنتيجة تقتضي الاستمرار في البحث والتقصي بحد أدنى من الحيادية نقول: لا يوجد إرهاب قطاع خاص كما لا توجد ثقافة قطاع دولة بل يوجد لدينا دوما ثقافة قطاع سلطة وإرهاب قطاع سلطة أيضا؟! ولكن من الضروري البحث عن هذه السلطة وفي القبض على ممارساتها وهي في الواقع وتفاصيله دون جعلها طية غير مرئية وكأنها بريئة مما يدور من ذبح البشر لأبناء جلدتهم! فمن يراجع تاريخ السجون العربية والإيرانية والباكستانية: لا يجد كبير عناء في جعل السلطة في هذه البلدان طية مكشوفة للعالم وبغض النظر أراد الغرب ذلك أم لم يرد! وبقي نقطة أخيرة وهي الأخطر: إن الغرب في إعلامه عموما لايجيش الشعوب الغربية ضد الإرهاب بل يجيش الشعوب الغربية ضد الشعوب الإسلامية وهذا في الحقيقة تعميما خطيرا ويعزز الإرهاب ولا يكافحه. والغرب أكثر من يعرف أن المجتمع في بلداننا مازال مهمشا لأنه مهشما تماما من خمسة عقود من القمع وغسل الدماغ فكيف ينتج إرهابا: قطاع أهلي أو خاص؟
غسان المفلح