استراتيجية امريكية واسعة تهدف إلى مجابهة إيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يعكف دبلوماسيون يمثلون الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، على صياغة نص قرار جديد ضد ايران يتضمن مجموعة جديدة من العقوبات تهدف إلى وقف برنامج إيران النووي بعد اتفاقهم -على ما يبدو - على أن قراراً جديداً بموجب الفصل السابع قد أمر بات واجباً. فى محاولة للرد على ما يسميه الأمريكيون الاستخفاف الصارخ الذي أظهرته إيران بشأن التزاماتها، وكان مجلس الأمن قد فرض مجموعة أولى من العقوبات على إيران في 23 كانون الأول/ديسمبر، 2006، وبدأ النظر في مجموعة ثانية بعد أن تخلفت إيران عن التقيد بتاريخ 21 شباط/فبراير الذي حدد كموعد نهائي لتوقفها عن نشاطات تخصيب اليورانيوم. ويعطي قرارا بموجب الفصل السابع من القوانين الداخلية للأمم المتحدة مجلس الأمن مجموعة واسعة جدا من الخيارات العقابية بما فيها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. و يتوقع أن تحكم العقوبات الجديدة القيود الاقتصادية على إيران، وبالتحديد تقييدها اعتمادات التصدير لشركات تقوم بنشاط تجاري في الجمهورية الإسلامية. ويبدو ان هذا المسعى الأمريكى يستند الى إن إيران بحاجة إلى تكامل وترغب فيه. إنها تريد استثمارات...وهي بحاجة إلى تصدير 60 بالمئة من نفطها.
وهي بحاجة إلى ذلك النوع من التدفق المستمر لأموال الاستثمارات، و الولايات المتحدة تحاول ان توقف ذلك.ويبدو ان إيران أدركت حجم المشكلة التي تواجهها في ظل تباطؤ الاستثمارات الأجنبية في قطاعها النفطي الذي يعاني من عجز في قدراته التكريرية. فإيران مازالت تستورد 43% من احتياجاتها من البنزين رغم توفرها على حقول نفط هائلة بسبب تراجع قدرتها على معالجته. وفي اعتراف نادر بالصعوبات التي تواجه صناعة النفط الإيرانية أكد "كازم وزيري هامانيه"، وزير النفط الإيراني بأن "البنوك الدولية والممولين الخارجيين خفضوا من مستوى تعاونهم معنا"، وهو ما يطرح تحديات كبرى أمام إيرانووفق التصريحات الأمريكية فأن المجموعة الأولى من العقوبات، التي قيدت الاتجار بالمواد والمعدات ذات الصفة النووية، أثارت نقاشا سياسيا مشجعا في إيران. وقد رفضت الادارة الأمريكية اقتراحات من اعضاء نافذين من الكونجرس الأمريكى لتقوية قانون العقوبات الأميركي ضد إيران، الذي يفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تقيم علاقات تجارية مع إيران، وذلك بتجريد الحكومة الأميركية من القدرة على منح إعفاءات لبعض الشركات.بحجة إنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تركز عقوباتها على إيران لا أن تستهدف دولا أخرى تقوم بنشاط تجاري هناك. وباعتبار إن هناك دولا أخرى تتخذ فعلا إجراءات لتقييد علاقاتها الاقتصادية مع إيران ويجب أن تعطى تشجيعا وليس تهديدا. فالحكومة اليابانية بدأت في تخفيض اعتماداتها التصديرية لإيران. وبدأت حكومات الاتحاد الأوروبي، جماعيا وإفراديا - ألمانيا، إيطاليا، فرنسا - تعمل الشيء نفسه كذلك. وهذه الاستراتيجية الجديدة الواسعة هى مسعى امريكى اوربى للتغلب على ضعف العقوبات التي فرضها مجلس الأمن أواخر شهر ديسمبر الماضي على إيران لادراكهم ان تلك العقوبات هي أضعف من أن ترغمها على التخلي عن تطلعاتها النووية،لذا أقدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون على وضع استراتيجية جديدة ترمي إلى الرفع من الضغوط المالية والنفسية على إيران. وتسعى الخطة الجديدة إلى استخدام لغة القرار الأممي لإقناع الحكومات الأجنبية والمؤسسات المالية بقطع تعاملاتها مع الشركات الإيرانية، فضلاً عن الأشخاص المرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني، وهو ما يعني امتداد القطيعة تلقائياً إلى وحدات "الحرس الثوري" الإيرانية، حسب ما أفاد به "ستيوارت ليفي" وكيل وزارة الخزانة لشؤون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية.
ويأتي هذا التركيز على "الحرس الثوري" لما يُعتقد بأنه يشكل القاعدة الأساسية التي يعتمد عليها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، فضلاً عن المعلومات التي تشير إلى أن الحرس "الثوري" بدأ يتوجه في الآونة الأخيرة إلى إجراء صفقات تجارية تدر عليه أرباحاً كبيرة تساعده في بسط نفوذه مستفيداً من العقود الحكومية مثل بناء المطارات ومشاريع البنية التحتية الإيرانية، إضافة إلى الاستفادة من تراخيص الهاتف الجوال كما ان "ستيوارت ليفي" وكيل وزارة الخزانة الأميركية، ذكر بأن القرار الأممي وضع خطاً أحمر على ثلاث شخصيات إيرانية لا يمكن استثناؤهم من العقوبات، أو التعامل معهم في إطار أي صفقة تجارية يشرفون عليها بأنفسهم. والثلاثة كما أشار "ليفي" هم الجنرال يحيى رحيم صفوي، قائد الحرس "الثوري" الإيراني، والجنرال حسين سليمي، المكلف بسلاح الجو في "الحرس الثوري"، ثم "أحمد وحيد داستجيردي" مدير الصناعات الفضائية الإيرانية. وقد نجح المسؤولون الأميركيون، في هذا السياق، في إقناع بعض المؤسسات المالية الأوروبية بوقف تعاملاتها مع جهات إيرانية مثل "كريديت سويس" و"يو.بي.إس" اللذين تعهدا بعدم التعامل مع إيران. لكن بالرغم من الإجراءات العقابية التي تسعى الولايات المتحدة إلى فرضها على إيران ضمن استراتيجيتها الجديدة، من الصعب تقييم نتائجها في ظل التعاملات المحدودة أصلاً التي تربط البنوك الأميركية والأوروبية مع إيران. وبينما تمتلك الولايات الأميركية قوانين تمكنها من معاقبة المؤسسات المالية التي تتعامل مع إيران، لا تتوفر أوروبا على قوانين مشابهة ما يزيد من تعقيد الوضع ومع ذلك أبدت بريطانيا استعدادها الكامل للانخراط في الاستراتيجية الأميركية في سياق عقوباتها المالية، وكذلك فرنسا وإنْ بدرجة أقل.
ولا يبدو أن ألمانيا التي تربطها علاقات اقتصادية واسعة مع إيران متحمسة للمشاركة في الاستراتيجية الأميركية الجديدة لمعاقبة طهران. ورغم الاعتماد الكلي للاقتصاد الياباني على النفط القادم من منطقة الخليج العربي، فضلاً عن عدم انتسابها إلى مجلس الأمن كعضو دائم، فإن المسؤولين في الحكومة اليابانية أبدوا استعدادهم للحد من تعاملاتهم المالية والتجارية مع إيران. وقد أعلن البنك الياباني للتعاون الدولي بأنه لن يمنح أية قروض جديدة لتمويل المشاريع الإيرانية حتى تحل أزمتها النووية مع الغرب. والأكثر من ذلك خفضت اليابان من حجم مساهمتها الأولية في مشروع تطوير أحد حقول النفط الرئيسية في إيران من 75% إلى 10% بسبب برنامجها النووي..
ان هذه العقوبات الاقتصادية هي مجرد جزء واحد من استراتيجية واسعة تهدف إلى مجابهة إيران بصدد طموحاتها النووية. فالولايات المتحدة تحاول ان تحيك عبر قرارات مجلس الامن وعبر حلفائها الأوربيين نقاط ضغط متعددة ضد إيران - مجموعة حاملات الطائرات المقاتلة في الخليج، وملاحقتهم في العراق الذي بدأته الولايالت المتحدة الأمريكية الشهر الماضي حيث يرى مراقبون أميركيون أن اعتقال دبلوماسيين إيرانيين في العراق يخدم الاستراتيجية الجديدة الرامية إلى تضييق الخناق على طهران. فقد تم اعتقال الدبلوماسيين الإيرانيين للاشتباه في تورطهم في تهريب مواد متفجرة داخل العراق تستخدم لاستهداف القوات الأميركية، وذلك رغم احتجاج إيران على اعتقال دبلوماسييها لما في ذلك من انتهاك للأعراف الدولية في هذا المجال وحسب بعض المحللين يعتبر اعتقال دبلوماسيين إيرانيين "ضربة نالت من ثقة الإيرانيين بأنفسهم". بالاضافة الى عقوبات مجلس الأمن. وتعلن الأدارة الأمريكية أنها لا تزال ملتزمة بإيجاد حل دبلوماسي للمشكلة.
وتؤكد، انها لا ترى بأن مواجهة عسكرية مع إيران هي أمر لا مفر منه أو مرغوب فيه. وأنه بمواصلتها اتباع سبيل دبلوماسي ماهر، صبور ونشيط، وتحلت بالصبر لفعل ذلك لمدى متوسط أو طويل، فأنها يمكن ان تتفادى الحرب مع طهران وتستطيع أن ترى هذه الاستراتيجية الأميركية الأكبر في الشرق الأوسط تجاه إيران تتكلل بالنجاح."فالهدف كما تعلن الادارة الامريكية ليس تغيير النظام فى طهران وانما تغيير سلوكه. ولو ان هذه المقولة تنقصها الدقة غتغيير الحكم فى طهران ليست رغبة سرية بل هى معلنة ويراها كل ذى عينيين! كما يعلن الأمريكيون إن عرض مجموعة الأعضاء الخمس الدائمين زائد واحد ما زال قائما ومطروحا على المائدة وذلك رغم التحرك الجاري بالنسبة لوضع صيغة مشروع القرار الجديد. ومع كل ذلك يبقى الحل العسكري خيارا حقيقيا.
د.عبدالعظيم محمود حنفى
خبيرفى الدراسات الاستراتيجية القاهرة
ت 0109336549