هذه أميركا تركي الدخيل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بعد أن فرغت من قراءة كتاب الزميل والصديق تركي الدخيل "سعوديون في أميركا" عرفت أن حياة السعوديين في أميركا في بداية القرن العشرين، وهي الفترة التي عاش فيها تركي هناك، قد تغيرت كثيرا عن الفترة التي عشت ودرست فيها وهي الفترة بين عامي 1980 و 1986 ميلادية.
أيضا أميركا التي تكلم عنها الدخيل ليست هي نفسها أميركا التي عرفتها على الرغم من أن مكان إقامتي في مدينة بورتلاند في ولاية أوريجون تبعد أقل من ساعتين عن يوجين، المدينة التي عاش في تركي، و كنا نعيش ظروفا مشابهة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث كانت هناك أزمة سياسية طاحنة مع إيران الثورة الإسلامية بعد إحتجاز الرهائن الأميركيين في السفارة الأميركية في طهران. كان جميع الأميركيين من دون استثناء غليظي المعاملة مع كل شرق أوسطي إيرانيا كان أم عربيا.. لا فرق بينهم طالما هناك رهائن أميركيين.
اتضح لي من بداية الكتاب أن الهدف من نشره هو رصد ذكريات ومواقف شخصية خفيفة الظل بإسلوب وقالب يصعب على بعض من هم في جيلي فهمه ومع ذلك إستطعت أن أستوعب بعضه ولن أكون مبالغا إذا قلت أن التركيز على إظهار المواقف الكوميدية طغى في أحيان كثيرة على المحتوى!
ما لم أفهمه في كتاب "سعوديون في أميركا"، وهو الذي كتب بإسهاب و وضوح عن مدينته يوجين أثناء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتغافل ذكر أن مدينته كانت منذ بداية الستينات وحتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي معقل من معاقل الناشطين السياسيين العرب والسعوديين على وجه التحديد و كانت مركزا مهما وناشطا لمنظمة الطلبة العرب في الشمال الغربي من الولايات المتحدة الأميركية!! كثير من السعوديين الذين تبوؤوا مراكز مرموقة في بلدنا كانوا من خريجي هذه المنطقة وبالتحديد من مدينة يوجين. كيف فلتت على تركي ذكر هذه المعلومة المهمة للتعريف بمدينته؟ لا أدري!
أيضا لم أرَ إشارة ولو بسيطة لحياة الطلبة السعوديين الجامعية (أليسوا هناك من أجل الدراسة؟) لم أجد كافتيريا الجامعة التي هي حلقة الوصل و الملتقى الرئيس لجميع الطلبة لمناقشة آراءهم وهمومهم ومشاكلهم وخططهم "الويكيندية"! لم أجد أماكن الترفيه ولا المكتبة التي كان الكثير منا يقضي جل أوقاته فيها ولا صالة الألعاب (الجيم) ولا علاقة السعوديين مع مدرسيهم!! عدم ذكر هذه الأماكن الحيوية ترك الكثير من علامات الإستفهام و خرجت بانطباع أن السعوديين في زمن تركي الدخيل كانوا متقوقعين على أنفسهم وبرغبتهم أحيانا...إلا إذا كان يحاول عدم حشر كل تجاربه هناك حتى لا يخل بميزان الطرافة والبساطة الذي وضعه لكتابه؟ أيضا لا أدري!
ذكر الزميل عبدالمحسن الرشود في مقاله المكهرب "دخيليون في أمريكا" المنشور في صحيفة "الوطن" السعوية يوم الأربعاء 14 مارس 2007 (بالمناسبة فهي تكتب وتنطق أميركا وليس أمريكا) أمورا كثيره وأتفق مع بعضها (مع تجاوزي لإسلوب ولغة الطرح التي إستخدمهما حيث كان متهكما وبدا وكأنه ينقد شخصا وليس كتابا ووقع هنا في إشكالية المصداقية والشخصنة). ما لم أتفق مع الرشود فيه هو مطالبته من شخص لم يعش إلا في مدينة واحدة أن يتحدث عن باقي المدن الكبيرة مثل لوس أنجيليس أو نيويورك أو جامعات بعيدة لم يشاهدها مثل جورج تاون.
ليس هدف الكتاب أن يدون تاريخ أميركا أو يصدر تقريرا عن جميع السعوديين الذي عاشوا في أميركا. الكتاب عبارة عن تجربة شخصية بحتة ينقل ببساطة شديدة ما شاهده من أحداث إسترعت إنتباهه....وبحكم أنه ذهب بصحبة زوجته وأبنائه فقد كان قدره أن يكون ضمن حلقة ضيقة تحاول أن تتعايش مع محيطها قدر المستطاع و في ظروف صعبة!!
هذه أميركا تركي الدخيل التي عاشها بحلوها ومرها...تجربة وإن كانت بخيلة بعض الشيئ في سرد وقائع أساسية في حياة السعوديين هناك إلا أنها كتبت بأمانة وصدق وبلا تزييف للوقائع حيث كان بإمكانه أن يذكر أشياء لم تحدث لتكون بفخامة تجارب من عاش في لوس أنجيليس أو ميامي أو درس في جامعة جورج تاون.
قد يكون الزميل تركي الدخيل استعجل النشر ولكن هذه ليست قضية جوهرية فنحن هنا أمام إعلامي يمتلك طاقة هائلة و مهموم بمجتمعه حتى النخاع وأراد أن يقدم لأبناء وطنه وغيرهم تجربة مكتوبة بإسلوب بسيط يقرأه الجميع كبارا وصغارا وهذا بحد ذاته يكفي!
نحن ننتمي الى شعوب سيطرت عليها الثقافة المحكية ونبدع أيما إبداع في سرد العديد من القصص "والسواليف" والتجارب والأحداث نقلا عن فلان وقال فلان وذكر فلان ولا ندري ماذا أضاف وأنقص هذا "الفلان" من الحكاية الأصلية. من النادر أن تجد شخصا يقوم بتفريغ هذا الحكي "المطاط" إلى كلمات تقرأ وتحفظ للناس للإستفادة والمتعة، وللتأريخ أيضا!
كم كاتب سعودي قام برصد وكتابة تجربته الشخصية والعملية أثناء دراسته في الخارج؟ أكاد أجزم بأنهم لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة. عندما نضع أنفسنا على محك الكتابة والتأريخ فالغالبية منا لا يفعلون إلا من رحم الله وأحسب تركي من بينهم.
من لديه بعض التحفظ على "سعويون في أميركا"، وأنا أولهم وهذا حق من حقوقي، فليمسك قلمه الآن وليبدأ بكتابة تجربته الدراسية أو العملية في الخارج وإلا فليواصل الحكي.. وأنا أولهم.. أيضا!!
نبيل فهد المعجل
كاتب سعودي