قراءة في برنامج وتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
شهدت الساحة السياسية الفلسطينية يوم السبت 17/3 ميلاد الحكومة الحادية عشرة منذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية سنة 1994م، وهي الحكومة الرابعة برئاسة رئيس وزراء منذ استحداث منصب رئيس الوزراء الفلسطيني سنة 2003م. وهي تعد الحكومة الأولى التي تضم ألوان طيف سياسي متعدد لاسيما الفصيلين الرئيسيين على الساحة الفلسطينية وهما حركتي فتح وحماس. حيث كانت الحكومات العشر السابقة حكومات الفصيل الواحد فبينما كانت الحكومات التسع الأولى حكومات حركة فتح كانت الحكومة العاشرة حكومة حركة حماس بامتياز. ويعد تشكيل الحكومة الفلسطينية بصيغتها الحالية حكومة وحدة وطنية فلسطينية جاءت بعد مخاض استقطاب بل وصراع حاد بين الفصيلين الكبيرين، ولذلك يمكن اعتبارها فاتحة عهد جديد، أو نقطة تحول في المسار السياسي الرسمي الفلسطيني. ومحاولة لتشكيل النظام السياسي على مبدأ التعددية السياسية ليس على مستوى المجلس التشريعي فقط بل الحكومة أي السلطة التنفيذية. وينظر البعض إلى الحكومة على أنها تعبر عن شراكة سياسية فيما يرى البعض الآخر أن ما يحدث هو حكومة محاصصة أي توزيع للحقائب الوزارية، وأن الشراكة أكبر من المحاصصة وأكثر شمولاً، فهي تعني المشاركة في صنع القرار ورسم الاستراتيجيات السياسية والمقاومة. ولذلك فأن ما تم هو خطوة في الاتجاه الصحيح ولكنها لن تكون كافية إلا إذا تم تعميق مبدأ المشاركة وتعزيزه بشكل متواصل، ومحاولة إذابة الجليد بين الطرفين، وإزالة أزمة الثقة التي سادت الفترة السابقة. وسنحاول في هذا المقال تناول خطابي الرئيس أبي مازن ورئيس الوزراء إسماعيل هنية أمام المجلس التشريعي لنيل ثقة الحكومة.
- كان خطاب الرئيس أبي مازن خطاباً سياسياً ركز بشكل رئيس على أفاق استمرار المفاوضات، ومرجعية منظمة التحرير الفلسطينية للسلطة الفلسطينية، فهو خطاب موجه إلى إسرائيل والعالم، فيما كان خطاب الرئيس إسماعيل هنية مركزاً على الشؤون الداخلية أكثر منه على السياسة الإقليمية والدولية، وكان خطاباً مقاوماً أكثر منه خطاباً سياسياً.
- إن خطاب رئيس الوزراء إسماعيل هنية الحالي تضمن بشكل مباشر الإشارة إلى احترام الاتفاقيات الموقعة حيث نص البيان الحكومي على "تحترم الحكومة قرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية". وهذا يشير تغير واضح في خطاب الحكومة الحالية التي ولدت بموجب اتفاق مكة. فقد نص البيان الوزاري للحكومة السابقة على "أن الحكومة ستتعامل مع الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية بمسؤولية وطنية عالية بما يخدم مصالح شعبنا وحقوقه الثابتة". وبالطبع هذا التحول جاء انعكاسا لتجربة حركة حماس في السلطة في العام المنصرم، حيث كانت تجربة مريرة واجهت فيها تحديات على المستوى الداخلي والخارجي مما شكل تحدياً بل تراجعاً لمشروع حركة حماس في الانفراد بالسلطة وتغيير أصول اللعبة السياسية لصالحها. ويمثل هذا التراجع موقفاً براغماتياً لحركة حماس في تكييف موقفها مع أصول اللعبة التي يشكل الطرف الفلسطيني لاعباً فيها إضافة إلى أطراف أخرى. ويبرز ذلك سعي حركة حماس إلى البقاء في النظام السياسي الفلسطيني الرسمي، واستعدادها لدفع الثمن مقابل ذلك. وهو ما أشار إليه أخيراً المستشار السياسي لرئيس الوزراء أحمد يوسف بأن هناك أمكانية أن تغير حركة حماس من أيدلوجيتها لتنسجم من طبيعة المرحلة المقبلة. ولابد من الإشارة هنا أن البعض يرى أن احترام الاتفاقيات ذا مدلول أكبر من الالتزام، على اعتبار أن الاحترام يعبر عن الرضا والقبول بينما الالتزام يعني الاضطرار لذلك. بينما ترى حركة حماس أن الاحترام لا يعني الالتزام. فقد يحترم شخص وجهة نظر ولكن لا يعني ذلك الالتزام بها. وبالتالي فإن الاحترام شيء والالتزام شيئاً أخراً. فيما يرى فريق ثالث أن ذلك ليس سوى تلاعب بالألفاظ وأن الاحترام والالتزام وجهان لعملة واحدة. وأن حركة حماس تحاول كحركة أيدلوجية تعميم الكلمات والتلاعب بالألفاظ من أجل تكييف مواقفها وتمييعها.
- إن خطاب السيد إسماعيل هنية كان خطاباً أو بياناً وزارياً طموحاً وأنه لا يعكس الواقع بل يعبر عن الأماني والآمال التي لا تستند على أرضية صلبة. وأن تجربة الحكومة السابقة وما تضمن بيانها من وعود ذهبت أدراج الرياح يحتم على السيد إسماعيل هنية أن يكون أكثر واقعياً في برنامجه الحكومي وألا يصدم الشعب الفلسطيني مرة أخرى. حيث يبدو بيانه وكأنه خطاباً إنشائياً منبرياً لا يصمد أمام تحديات الواقع. وأن على الحكومة الحالية أن تنطلق من تشخيص للواقع القائم وليس القفز فوقه، والتحليق في الهواء. فالكل أدرك من خلال أداء الحكومة السابقة أن الإصلاح الاقتصادي لم ينجح نظراً لارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي بموجب اتفاقية باريس سيئة الصيت، وأن تمويل السلطة يعتمد على المساعدات الخارجية. ولذلك فأن الجانب الاقتصادي من البيان الوزاري كان يفتقد إلى الواقعية والمصداقية.
- نص البيان الوزاري بخصوص مواجهة الاحتلال على ما يلي "تؤكد الحكومة بأن المقاومة بكافة أشكالها بما فيها المقاومة الشعبية الجماهيرية ضد الاحتلال حق مشروع للشعب الفلسطيني كفلته الأعراف والمواثيق الدولية كافة ومن حق شعبنا الدفاع عن نفسه أمام العدوان الإسرائيلي المتواصل". وهذا يعد بالفعل تراجعاً عن موقف الحكومة السابقة فالحديث هنا يبرز شكل جلي وواضح المقاومة الشعبية الجماهيرية كأداة مقاومة للفترة القادمة، وهذا يتناسب بالطبع مع البند التالي من الجانب المتعلق بمواجهة الاحتلال في البيان الوزاري الداعي إلى التهدئة وتثبيتها وتوسيعها. ومحاولة الاستجابة لشروط الرباعية "بنبذ العنف" (أي المقاومة المسلحة). وبالرغم من إبراز البيان الوزاري للمقاومة الشعبية الجماهيرية على حساب الكفاح المسلح فإن الولايات المتحدة الأمريكية أبرزت تحفظها على هذا البند من البيان الوزاري، وكأنها بذلك تريد إلغاء حق الشعب الفلسطيني في مقاومة المحتل.
- تحدث البيان الوزاري الحديث عن تثبيت التهدئة وتوسيعها لتصبح تهدئة شاملة ومتبادلة ومتزامنة. ويبدو أن ذلك يسير وفق رؤية حركة حماس في السعي لعقد هدنة مع إسرائيل دون الاعتراف بها. وهذا الاتجاه بدأ يجد صدى في الأوساط الأوروبية وحتى الإسرائيلية. ولكن التساؤل القائم هل الهدنة هي في صالح الشعب الفلسطيني أم الإسرائيلي الذي سيعطى الوقت الكافي لتثبيت الحقائق على الأرض، وأن ذلك يسير وفق رؤية شارون وأولمرت من بعده نحو المرحلية في الحل السياسي وليس حلاً نهائياً للصراع، أي تجنب حل القضايا المصيرية حلاً شاملاً. وهنا يكمن التساؤل أين مشروع المقاومة الذي دخلت حركة حماس النظام السياسي الفلسطيني من أجل حمايته، ألم يكن ذلك خطابها السياسي والإعلامي خلال فترة الدعاية الانتخابية للانتخابات التشريعية. فهل تنازلت حركة حماس عن ميثاقها أولاً ثم تراجعت عن برنامجها الانتخابي.
- إن هناك خشية لدى المواطن الفلسطيني من تمترس كل فصيل حول حقائبه الوزارية، وتصبح هذه الوزارة معقلاً لفتح وتلك معقلاً لحركة حماس. وتمارس في كل وزارة سياسة التهميش والإقصاء والتطهير كما تم ممارسته في ظل حكومات حركة فتح، وحكومة حماس. ومن الممكن أن يحدث هناك تقاسم سياسي ووظيفي للسلطة الفلسطينية ووظائفها لاسيما العليا منها. حيث سيشكل ذلك ضربة قوية لمبدأ تكافؤ الفرص الذي نص عليه البيان الوزاري الحكومي كما يلي "تلتزم الحكومة بتكريس مبدأ المواطنة من خلال المساواة في الحقوق والواجبات، وتكافؤ الفرص وترسيخ العدالة الاجتماعية وخاصة في مجال التوظيف والتعيينات في مختلف الوزارات والمؤسسات، وعدم التمييز في الحقوق العامة بين أبناء الوطن كافة، وإنهاء كل أشكال المحسوبية في التوظيف المدني والأمني".
- تناول البيان الحكومي قضية حقوق الإنسان وحقوق المرأة في أكثر من موضع وهذا يشكل جانباً إيجابيا نتمنى أن يتم تجاوزه جانبه الشعاراتي إلى سلوك ممارس بعدما تراجع مبدأ سيادة القانون، وتوسع الانفلات الأمني في عهد الحكومة السابقة. وعكس تضمن الحكومة امرأتين هما وزيرة شؤون المرأة، ووزيرة السياحة تعزيزاً إيجابياً لمشاركة المرأة في النظام السياسي الفلسطيني، وتطوراً هاماً بخلاف الحكومة السابقة التي اقتصرت على وزيرة واحدة في وزارة لابد أن ترأسها وزيرة. وبذلك بدا مشاركة المرأة في الحكومة السابقة كعمل اضطراري أملته طبيعة الوزارة المعنية.
- تناول البيان الوزاري الإشارة إلى إنشاء مجلس وطني فلسطيني جديد وفي ذلك إشارة هامة إلا أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية هي الخطوة الأولى نحو إصلاح منظمة التحرير الفلسطيني، وإعادة بناء هياكلها. وأن شراكة الحكومة ستمتد نحو الشراكة في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. وهو ربط واضح بينهما.
- إن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية من الفصيلين الكبيرين وغيرهما يعني غياب أي قوة معارضة حقيقية في المجلس التشريعي. حيث أن المقاعد الثلاثة الجبهة الشعبية لتحرير لن تكف لتشكيل معارضة برلمانية فاعلة، وبذلك يخشى من غياب أي رقابة فاعلة على أداء الحكومة.
وفي الختام فإننا نرى أن تشكيل الحكومة الوطنية هو إنجاز وطني هام بالرغم من التفاؤل الحذر الذي يعود بالطبع إلى التحديات القائمة، وتداعيات مرحلة الصراع السابقة. ولكن يمكن القول إن الحكومة الحالية عليها الاهتمام بالأجندة الداخلية، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتعميق مبدأ الشراكة حتى يتم تجاوز ظاهرة المحاصصة البادية للعيان، وتوسيع دائرة المشاركة الفصائلية فيها، وذلك ضمن برنامج سياسي ومقاوم واضح المعالم. وأنها تشكل مرحلة جديدة من ممارسة التعددية السياسية في النظام السياسي الفلسطيني على نحو واقعي ممارس.
د. خالد محمد صافي