أصداء

دعوا الجيش في ثكناته

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
دعوا الجيش في ثكناته، و اخرجوا الشعب من لامبالاته
يبدو أن ما قام به الإنقلابيون في موريتانيا مؤخرا،حين سمحوا بإنتخابات حرة، قد حرك لدى البعض نوازع الأمل في حدوث نفس السناريو في مصر، و بلاد متحدثة بالعربية أخرى، فقد إنطلقت الكلمات التي تعبر عن الإعجاب بما حدث، و بعضها صرح صراحة بما في نفسه فدعا الجيش المصري لأن يحذو حذو الجيش الموريتاني، من أجل الإطاحة بآل مبارك و زمرتهم.

وضع الأمل في الغيير على الجيش أصبح لدى البعض هو الأمل الوحيد القائم لديهم، لهذا أصبح معتادا ان نجد من تلك الطائفة تهليل لكل إنقلاب يحدث في العالم، حتى لو كان الإنقلاب الذي يهللون له قام ليقوض أسس دولة دستورية حرة.

التغيير أصبح لديهم هو الغاية لا وسيلة، فقد غدت غايتهم أن يروا آل مبارك على قارعة الطريق، و حبذا وراء القضبان، و لا يهم لديهم كيف يحدث هذا، و على يد من، فإذا كان الشعب بعيدا عن الثورة، فإن الجيش يصبح لديهم هو الأمل، و جاء الإنقلاب الموريتاني، و إنتخاباته الحرة نسبيا، بالرغم من بعض شوائبها، ليعزز لهم هذا الأمل، و يصبح لهم مثال ينادون به. لكن هل سأل أصحاب الحل العسكري للأزمة المصرية الراهنة أنفسهم عن الضمانات التي سوف يضمنون بها أن يسلك العسكريين الجدد طريق الحرية و العدالة؟؟؟


هل قام أصحاب الحل العسكري بإحصاء الإنقلابات التي قامت في العالم، أو حتى في منطقتنا، لبيان عدد الإنقلابات الديمقراطية، إن جاز لنا تسمية أي إنقلاب بالديمقراطي، من عدد الإنقلابات الديكتاتورية التسلطية؟؟؟

كم هو عدد الحكام العسكريين المستنيرين و الذين وصلوا للقصور الجمهورية بالدبابة، مقابل عدد العسكريين الطاغة و الفاسدين الذين وصلوا بنفس وسيلة المواصلات؟؟؟

كم إنقلاب قام في المنطقة، و نهج أصحابه نفس النهج الذي قام به الإنقلابيون الموريتانيون؟

بل كم إنقلاب قام في موريتانيا، منذ إستقلالها، و جاءت من بعده الحرية؟

إذا إستثنينا الإنقلاب الموريتاني الأخير، فإن إنقلاب سوار الذهب في السودان، في أواسط ثمانينات القرن العشرين، يعد الإنقلاب الوحيد السابق، على الإنقلاب الموريتاني الأخير، و الذي تلاه حدوث إنتخابات حرة، بمعايير منطقتنا، و تسليم السلطة لمدنيين منتخبين، حين سلم المشير سوار الذهب السلطة للسيد الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة السوداني، و الذي أطاح به إنقلاب عسكري أخر بعد بضع سنوات، بقيادة البشير، الرئيس السوداني الحالي.

في مقابل الإنقلاب الموريتاني الأخير، و أدعو الله أن يكون بحق الأخير، و إنقلاب سوار الذهب، الذي أثبت بحق إنه رجل من ذهب، فإن منطقة الشرق الكبير من باكستان إلى المغرب و موريتانيا، و من تركيا إلى اليمن و السودان و الصومال، شهدت إنقلابات عسكرية عدة، لم يكن لها من نتيجة، إلا الحالة الحالية، و التي نعلمها جيدا. كم قائد عسكري إنقلابي نجح في أن ينقل شعبه لحال أفضل مما كان عليه قبل أن يمسك بزمام السلطة؟؟؟؟؟؟؟؟

هل مصر قبل إنقلاب عبد الناصر، هي مصر ما بعد عبد الناصر، في مجال الحرية، و تداول السلطة، و القوة الإقتصادية، و مستويات التعليم و الخدمات الصحية، و الإحساس بالواجب نحو المجتمع، و كرامة المصري داخل مصر و خارجها؟؟؟ هل أتى الإنقلاب العسكري بالخير لليبيا، ليبيا التي كان بإمكان شعبها، لو لم يسمح للمغامر العسكري القذافي أن يقوده، أو إطاح بالديكتاتورية العسكرية القذافية منذ أمد، أن يعيش في مستوى لا يقل عن مستويات بعض شعوب جنوب أوروبا؟؟؟

و هل أتت إنقلابات السودان أو سوريا أو اليمن أو تركيا أو الجزائر أو العراق، و إنقلابات أمريكا اللاتينية، و أفريقيا جنوب الصحراء، و إنقلابات الفلبين و دول جنوب شرق اسيا، بأي خير للشعوب التي رضيت أن يحكمها إنقلابيون؟؟؟ دعونا من سؤال، ماذا لو لم يحدث إنقلاب، أو إنقلابات في البلد الفلاني؟ فربما يغالط البعض من أنصار بعض الزعماء الذين أتوا لسدة الحكم على ظهور الدبابات، ليقولوا لنا: و من أدراكم أن السيناريو كان سيسير بهذه الطريقة، و تصبح مصر، أو غيرها،
في حالة أفضل من حالها اليوم؟

لأمثالهم، هناك مثال باكستان و الهند، فكلاهما إستقل في نفس اليوم، و يشتركان في خلفية إقتصادية واحدة يوم إستقلا، و كلاهما من عرق واحد، حتى نستبعد حتى العامل الوراثي السلالي، لنحيد حتى علماء الإجتماع، مثل عالم الإجتماع البريطاني ريتشارد لين، و الذين يقولون بأن الشعوب الأكثر ذكاء، هي الأكثر حرية و غنى.

بثبات كل العوامل، عدا عامل الديمقراطية، هل باكستان هي الأفضل أم الهند، اليوم و بعد ستين عام من إستقلالهما عام 1947، و بعد إنقلابات عدة في باكستان، و عدم قيام إنقلاب واحد في شقيقتهم الهند؟؟؟

هل نحن بحاجة للحديث عن بانجالور، التي أصبحت قلعة إقتصادية هندية، وصناعة البرمجيات الهندية التي تعدت رقمالثمانية مليارات دولار في العام، و ذلك منذ عدة أعوام، أي أن صناعة البرمجيات وحدها، تدر على الهند كل عام، دخل يزيد عن دخل قناة السويس أربعة مرات، و إنتقال الكثير من الصناعات و الخدمات البريطانية لتعمل من الهند، مقابل صناعة التطرف التي برعت فيها باكستان و أصبحت تصدرها للعالم، مع صناعة الديكتاتورية، و التي أتت على الأخضر و اليابس هناك، حتى لم يبق هناك أخضر بها سوى علمها؟ هل أسبانيا في عهد فرانكو، مثل أسبانيا في عهد الحرية؟ هل يتذكر البعض تقرير التنمية العربي الأول، و الذي قارن بين الدول المتحدثة بالعربية و بين أسبانيا، فتفوقت علينا في كل حقل، و بفوارق شاسعة تثير الخجل، حتى في الحقل الإقتصادي، الذي يظن البعض إنهم بفضل ما لديهم من نفط و غاز هم الأفضل إقتصاديا، بينما ما جاء به التقرير من تفاوت ضخم لصالح أسبانيا، يدل على أن العقل و العمل مع الحرية هم الأفضل. هل الفضل في القفزة الأسبانية يرجع للعسكريين، أم للديمقراطيين الذين توالوا على حكمها من اليسار و اليمين، في ظل حكم ملك قرر التنازل عن سلطاته للشعب، ليحفظ عرشه، فلا يلحق بملوك اليونان و إيطاليا و البرتغال. أسبانيا هي مثال أخر حي و عملي، بعد مثال الهند و باكستان، يوضح الفارق بين الحياة في ظل إنقلاب عسكري، و بين الحياة في ظل الحرية السياسية و الإقتصادية و الثقافية و الإجتماعية، في نفس الدولة، أي أيضا بثبات كل العوامل التي تؤثر في أي مقارنة، عدا عامل واحد يهمنا في هذا المقال، وهو إستبدال الحاكم العسكري، بحكام مدنيين منتخبين، يتبدلون حسب الإرادة الحرة لإغلبية الناخبين. لندع الجيش لمهامه الأصلية، مهمة الدفاع عن الوطن، أرضه و مياهه و أجواءه، فتلك المهام الثقيلة و النبيلة، من أجلها وجد الجيش، أما الحكم فهو من الشعب و للشعب ككل. على إننا لا يجب أن نحرم أي شخص عسكري يرى في نفسه الكفاءة، و يعتقد أنه يحمل وجهة نظر في أمور الحكم، فقط عليه أن يخلع بذلته العسكرية أولا، ليرتدي ثياب مدنية، فيقدم إستقالاته من الجيش، و من أي هيئة أمنية أو رسمية، أولا، ثم لينضم للشعب ليخوض معركة الحرية السلمية، فربما يحمله الشعب ذات يوم، و عبر صناديق الإقتراع، للقصر الجمهوري، كما مع رئيس فنزويلا الحالي شافيز، و الذي تعلم من تجربته الإنقلابية الأولى، ليصل بعد ذلك عبر صناديق الإقتراع لحلمه، و مرتين، كما حماه الشعب من السقوط حين جرى إستفتاء على رئاسته في الفترة الرئاسية الأولى له.

الحل ليس أبدا لدى العسكريين الذين لازالوا يرتدون بزاتهم العسكرية، الحل لا يوجد في ثكنات أي جيش، الحل يوجد في كل بيت، في كل جامعة، في كل مصنع، في كل نادي و ساحة رياضية شعبية، في كل مقهى، الحل في الشارع، الحل فقط في الشعب و مع الشعب. دعوا الجيش في ثكناته، و اخرجوا الشعب من لامبالاته .

أحمد حسنين الحسنية

حزب كل مصر

21-03-2007

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف