أصداء

الفساد في سورية نظام وليس ظاهرة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إن الوضع السياسي المتدهور في منطقة الشرق الأوسط جعل القضايا الداخلية في سورية تحتل الدرجة الأخيرة في سلم الأولويات المكتوب عنها. وحتى أقلام المعارضة السورية تجد نفسها محشورة في نفس هذه الأولويات وترتيبها. لهذا عموما نجد أن التركيز غالبا يتم على الأبعاد الاستراتيجية للهجمة الأمريكية على المنطقة. وكيفية قيام نسق مقاوم لهذه الهجمة وملحقاتها، كما يمكن أن يستشف المراقب لهذا الإعلام المعارض: أن غالبية المقالات تتناول الصراع الدائر في العراق وفلسطين! حتى الأخوة والرفاق الأكراد يهتمون بأخبار كردستان العراق أكثر مما يهتمون بالوضع السوري. كما أن غياب وسيلة إعلام ناجعة في وصولها إلى كل بيت سوري يجعل الأمر أكثر تعقيدا. فأمام هجوم قناة الجزيرة التي يحتل الوضع المتفجر في العراق وفلسطين والسودان المساحة الكبرى لأخبارها وبرامجها يجعل المواطن السوري دوما في حالة انشداد نحو تلك المآسي وناسيا أو متناسيا مأساته في وطنه. كما أنه من جهة أخرى تحولت الكتابة عن الفساد في إعلام السلطة إلى حالة تنفيسية لكثرة تكرار النسق الخطابي عن هذه الحالة لكونها ظاهرة لا تعالجها الحكومة الميمونة! ودون الاقتراب من الفساد السياسي والذي هو المنتج الأول لثقافة الفساد في الدولة والمجتمع معا. وأصبح الأمر أكثر تعقيدا وفق جدلية الفساد السياسي والثقافي. من المحير في الأمر أن المرء يسعى دوما لكي يجد ألفاظا مفاهيمية كي تعبر عن أية ظاهرة يتم دراستها أو العمل عليها. وقد أعجبني تكثيف الباحث الإسلامي محمد عمارة في قوله ( السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ) وهذا هو خير تعبير بالمعنى النسبي للحالة السائدة في سورية.
والإطلاق هنا يحتم علينا رؤيته من زاويته القصوية في الحقيقة كي لاندخل بمعمعان النسبي الذي يتيح لإعلام النظام اللعب فيه من أجل تأبيد المفسدة المطلقة. والإطلاق هنا كلية ليس من بعدها أفق يمكن للمجتمع أن يطل عليه داخل معادلته الإطلاقية هذه السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. فجعل الفساد صفة كلية بإطلاقيته هو حقيقة نتاج وضعية تراكمية من جدلية طرفي المعادلة سلطة مطلقة ومفسدة مطلقة. وكي لا يأخذنا بعضهم بلعبة النسبي والعددي في توصيف حالة الفساد ؟ كمثال من يقول: حاشية السيد الرئيس فاسدة أو الفساد يطال أكثرية وزراء الحكومة والمسؤولين أو أن قسم من الضباط المتنفذين هم الفاسدين فقط. فلو افترضنا جدلا صدق هذه التقديرات النسبية والعددية وبتجريد مخاتل يصبح الفساد في سورية ظاهرة ـ وهذا غير صحيح ـ ولكن لنفترض جدلا صحته: ماذا حدث لهذه الظاهرة وكيف يمكن محاربتها ونحن في سلطة مطلقة لاتخضع لأي قانون ؟! لا تخلو دولة من دول العالم من الفساد كظاهرة ملازمة للفعل البشري. والتي يمنعها القانون من جهة ويمنعها الرقيب الإعلامي الحر من جهة أخرى. فللإعلام الحر والخاص الدور الإبرز في كشف حالات الفساد في الدول الديمقراطية، أما عندنا فالإعلام مصادر والمصادر هذا له نفس آليات عمل السلطة وهو جهاز من أجهزتها والفساد آليته في العمل فكيف يحارب نفسه ؟ ثم نأتي لدور القضاء والقانون في مكافحة ظواهر الفساد. القضاء عندهم مستقل ونزيه بدرجة كبيرة لأن آلياته الأساس تعتمد النزاهة والاستقلال عن السلطةالسياسية تماما. أما في سورية فالقضاء منذ زمن بعيد جزء أساس من السلطة المطلقة هذه والفساد المطلق تعمم داخله فكيف له أن يحارب نفسه ؟ وهنا تحدثنا عن أهم جهازين في مكافحة الفساد: القضاء والإعلام لأن بقية أجهزة السلطة والدولة هي الفساد الذي يجب أن يكون هنالك مسافة بينه وبين هذين الجهازين: الإعلام والقضاء. وكي ندلل على هذا الأمر: من يعين رؤساء التحرير ومدراء القنوات التلفزيونية هم الطاقم الأمني السياسي للسلطة المشخصنة! كما أن من يعين القضاة هم نفس الطاقم. فرئيس تحرير أية صحيفة عينه هناك فوق على ما سيكون ردة فعل القيادة السياسية والأمنية على ما يكتب أو يسمح بنشره في جريدته وليس له عينا على احتياجات المجتمع والوطن.
وبات لدينا على صعيد القضاء ما يسمى محامي القاضي وهي ظاهرة باتت شبه كاملة. فالقاضي يرسل للمتحاكمين رسالة عبر موظفه أو بأي طريقة ما مفادها أن القاضي نفسه يسمي لهم المحامي الذي يجب أن يدافع عنهم في قضيتهم وهذا المحامي يكون سمسارا للقاضي الذي يبلغه عن مقدار المبلغ الذي يريده القاضي من أجل حل القضية. وبهذا التدليل الذي من المفترض أن يكون هذين القطاعين بمنأى عن الفساد نعود للقول بأننا لو اتبعنا نفس المنهج في التعاطي مع الفساد لوجدنا:
أنه في بداية أية سلطة مطلقة يبدأ الفساد من أعلى الهرم ولا نتحدث هنا عن الفساد بمعناه المتداول وهو سرقة الأموال العامة فقط. بل نتحدث عن إعادة توزيع الثروة الاجتماعية بطريقة تضمن الولاء السلطوي للسلطة المطلقة المجسدة وهذا التوزيع لن يتبع سوى مصالح فرد واحد وتبدأ هذه الظاهرة بالنزول إلى تحت حيث أجهزة الدولة ومن ثم المجتمع وبعدها كما هو الآن في سورية يصبح هنالك كرة تتحرك من فوق إلى تحت ومن تحت إلى فوق يمكن من خلالها القول مع محمد عمارة أن السلطة المطلقة تحولت إلى مفسدة مطلقة. حيث نبدأ من أعلى الهرم نزولا ولا نتوقف عند أي موظف صغير أو عنصر أمن وشرطة. وليعاد بعدها تمرير الفساد للأعلى. وتصبح هنالك كتلة متراصة تصادر في دورتها العادية كل ثروة المجتمع وتعيد توزيعها نقصانا دائما وإفقارا دائما لشرائحه، هذه الكتلة تبدأ بصياغة كل القرار السياسي والأمني والاقصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي حتى ـ إن الفساد شطارة ـ فأي اقتصاد قادر على تحمل كل هذه الرشاوى والعمولات والصفقات وشراء السيارات الفارهة للضباط والمحسوبين على السلطة / الفرد. وبناء كل هذه القصور والمنتجعات والأرصدة التي اتخمت فيها البنوك وخزائن الحرائر من المحظيات والشرعيات! بهذه الطريقة يتحول الفساد إلى دورة إنتاج اجتماعية كاملة على كافة الصعد والمستويات. فهو كما قلنا يأخذ قرارا بسجن المعارضة وهو من يأخذ قرارا بإعطاء المناقصات للأقارب والخلان، وهو من يأخذ قرارا بدعم المقاومة في لبنان وفلسطين! وهو من يأخذ قرارا بتسمية الوزراء والنواب ورؤساء المنابر الإعلامية، وهو من يأخذ قرارا بتعذيب الناشطين وقطع أرزاقهم، وهو من يأخذ قرارا بالتعذيب حتى الموت بلا حسيب أو رقيب، وهو من يترك مساحة هامشية للتعبير تفترضها حالة فساده نفسها. وهو من يأخذ قرارا بالثقافة القومية الوطنية التي يجب أن تتعلمها الأجيال، وهو من يأخذ قرارا بالسماح للتنظيمات الجهادية السلفية التكفيرية بالنشاط وببناء المساجد. وهو من يتباكى على صدام حسين ويستقبل ميلون لاجئ عراقي بأموالهم وتوظيفاتهم الأخرى! إنه الفساد والفساد لا يمكن أن يكون نظاما فالفساد هو اللانظام حتى يصبح هو كل المجتمع عندها فقط يتحول إلى نظام وهذا ما وصلنا إليه في سورية منذ زمن بعيد.نظام مطلق لفساد مطلق.

غسان المفلح

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف