أصداء

شاعر المليون والخروج من وهم اللغة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يعتقد البعض أن برنامجاً مثل " شاعر المليون " الذى حظي بشعبية واسعة ضمن الأوساط الاجتماعية الخليجية والعربية بشكل عام أذكى ويذكى روح االقبليه التي يحاول عالمنا العربي جاهداً أن يتخطاها نحو مفهوم المواطنة. وأنه بذلك يعود بالأمور الى نقطة الصفر خاصة وأنه منتج شبابي ويحظى بإعجاب هذه الشريحة الضخمة من شرائح مجتمعنا العربي الكبير. والحقيقة كما أراها تبدو ملتبسة ظاهرها قبلي أو عائلي وباطنها ثقافي لغوي. الاستنجاد بالقبيلة أو الطائفة بُعد اجتماعي واضح كونهما مرجعيتان هامتان داخل النسق الاجتماعي العربي وغيره من المجتمعات المماثلة. وليس هذا هو بيت القصيد فقد يستنجد الفرد بقبيلته أو طائفته أو عائلته صراخاً أو عويلاً أو بكاءً. ولكن الأمر يبدو على شاكلة أخرى عندما يصبح ذلك لغة منظومة أو شعراً مقفى يستحث العزائم ويشعل وميض الحماسة فتراه يحرك في النفوس المشاعر ويطرح جميع المقاييس والمعايير المعقوله الأخرى جانباً. فاللغة هي ديوان العرب وهي المعركة الوحيدة التي ينتصر فيها العرب دائماً. أقام لها العرب سابقاً أسواقا ويفتحون لها اليوم قنوات فضائية ويعقدون ندوات لا تعد ولا تحصى.

اللغة في أحد تجلياتها وهو الشعر حاضر العرب وماضيهم فهو بناءُ فوقي يصنع الواقع ولا يصنعه الواقع، معها يصبح الخيال واقعاً نعايشه ونعيش في جنباته، من يستطيع اصطياد دررّها يعلو فوق الجميع ويتمدد على عرش الثقافة لأنه يصطاد من كنوزها الدفينة، يصعب على الكثير مطاولته أو جني ثماره. فاللغة عبر تاريخنا هدف وليست وسيلة هذا ما يجعلها فارقة عن غيرها من اللغات التي تنبع وتكبر من إخضاع الواقع المادي لتغيرات حقيقية تكتسب صفاتها وأسماءها اللغوية بعد ذلك. هي عندنا أشبة بظاهرة " التضخم " بالمعنى الاقتصادي حيث لا مقابل مادي لها في البنوك أو الأسواق. عندما تضعف الأمة وتهزل حضارياً ويتجاوز أعداؤها المدى تظهر أعظم تجلياتها، هي لا تعكس الواقع ولكنها تعاكسه تتمرد عليه ترفضه علّ وعسى يستجيب أبناءها لبلاغتها وقدرتها على التحدي. الهروب الى المعنى بعد تعذر تحقيق الانجاز المادي فن تتقنه الثقافـة العربية. فليس تمظهر وخروج القبيلة أو الطائفة من كهفهما التاريخي إلا استجابة لتأثير اللغة وجبروتها، أجمل أغراضها، تناول الحكمة والتجربة الإنسانية وأقسى أغراضها المديح والهجاء ما لم يكون بمستوى ما جاء به المتنبي، الخائفون على انقراض اللغة العربية واهمون بلا محالة فها هي الأجيال تنصب لها الأسواق وتفتح لها القنوات وتقيم لها المحافل حتى ولو حاربوا بها طواحين الهواء، وكل الأمل في أن يتحرك الواقع المعاش لا نقل لملامسة ثراءها واتساعه وأنما لموازاة المعقول منها مما يعبر عن طموح أبناءها، وما يتمنونه لها شعراً ونظماً، أن خروجنا من بوتقة اللغة يبدو مستحيلاً حتى ولو كانت هذه البوتقة وهماً فاستحكام السلطة اللغوية على قدر هذه الأمة يبدو جلياً ولا انفكاك منه فعقيدتها في الأساس تقوم على إعجاز لغوي من هنا لابد من بديل آخر يأخذ في اعتباره هذا القدر المحتوم.

عبدالعزيز محمد الخاطر

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف