أصداء

قمة القمم في الرياض إلى أين?

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

قمة الرياض في 28 /29 آذار 2007،التي تجمع أطرافها وترتب أحوالها بصعوبة وصراع بين محاور وأجندات ومبادرات بعضها ثابت على جدول أعمالها منذ نشأتها عام 1946 ولازال يرحل فاشلا ً من درج إلى درج ومن قمة إلى أخرى، وبعضها طارئا ً يضغط عليها وأعياها هو الآخر، تحاول بحبس الأنفاس أن تجد لها مخرجا ً من أمرها، مخرجا ً يحاول تحريك الطاحون لترى الناس دقيقا ً بعد طول انتظار...
قمة اليوم في الرياض اختلفت كثيرا ً عن قمم البدايات في الماضي، اختلافا ً مظهريا ً في شعاراتها وأولوياتها ونبرتها السياسية ودرجة صمتها في منطقة أصبحت صدى لأصوات الآخرين...وكأنها أصيبت بتعثر النطق والتفكير وتلاقحت مع التنظير وفرخت العجز والهامشية والبعد عن التأثير، البعد عن التأثير في واقعها وفي محيطها وفي حاضرها ومستقبلها.


قمة اليوم اختلفت عن قمم الماضي وأصبحت الفوارق في النكبات طبعا ً واضحة في كل زاوية ولدى كل شعب من شعوب هذا الوطن العربي الكبير، وأصبح للكوارث قائمة ركنت فلسطين في أسفلها يتلوها أراض محتلة وشعوب معتلة وعراق ينزف بشكل مخيف، وأنظمة مختلة وقصور مهتزة وتائهة في عولمة تأكلها رويدا ً رويدا ً وهي شبه حاضرة في المكان وغائبة في الزمان، وجسمها في ضمور متسلسل أمام فجور نظام دولي يوصف أنه جديد متسربل بألف وجه وشكل وأزمات لها أول وليس لها آخر وكلها في طابور انتظار الحلحلة والحل لاتكل ولاتمل تراوح بين فقدان الإرادة وقلة الفعل ووفرة القول.

والغريب فيها أنها ازدادت مصادر ثروتها وضعفت حيلتها وضاقت أرزاق الناس فيها، وحشرت الشعوب وضغطت عليها بشكل أخرجت منها بعض أخلاقياتها وأوصلها الصراع على الكرامة الإنسانية بل الصراع على لقمة العيش إلى هامشية المستوى الإنساني الذي وصل إليه العالم المعاصر والبشر هنا لازالت تعصرها آلة القمع والفقر بشكل مهين.

اختلاف آخر بين قمم الماضي وقمة اليوم هو الثبات بل النوم العربي في عالم متحرك بشكل كبير، الثبات على ديكتاتوريات كانت في الماضي واضحة المعالم محددة الإطار وصريحة الفعل والمسار، وكانت الشعوب العربية تقريبا ً كلها تدرك جيدا ً أنها كانت بدون حرية ولاديموقراطية والآن أصبح بعضها بلا وطن ولا كرامة ولاخبز أيضا ً وبعضها مكشوفا ً بدون أي غطاء.

قمة اليوم تتربع على هالة هلامية وحالة عربية هي الأولى في طرازها في حياة العرب عبر تاريخهم، أهم مافيها أنها مجهولة المصالح ومعدومة الملامح وغير محددة الصفات، اختلط فيها صالحا بطالحها، من لبنان إلى العراق إلى فلسطين إلى الصومال إلى سورية إلى كل هذا الكل الذي أصبح أصغر من الجزء..!

قمة اليوم في حالة احتقان مركب يتربع عليه الإرادة العربية المسلوبة...حالة غريبة ليس لها من تسمية أووصف...سوى حالة حمل مجهول بأكثر من جنين ولمن غرائب الأمور أيضا ً أنه تحكمه الصدفة وفقدان الهوية... فرقتهم في السابق فلسطين وجمعتهم جراحاتها على مضض، وفرط جمعهم من جديد عراق ينزف أنهارا ً من الدماء، ولبنان يعصف به نفس أولياء الإستسلام والرياء، وموجة ظلام أسود تزحف على جسم الأمة وتجتاح حضارتها وتعيد إنتاج فتنتها في كربلاء...نزاعات وصراعات وفوضى واستحقاقات يخجل منها الحياء..

كثرت الأوصاف وتعددت الأسماء لقمة الرياض وتباينت التكهنات وإمكانية أن يرشح عنها مفيدا ً للعالم العربي اليوم...وفي داخلها قوى وأطراف مارست نفس الدور في تاريخ القمم العربية كلها...وعلى رأسها النظام السوري الذي اغتال الوحدة ليرفع شعارها ويتاجر به أما م الشعب السوري والشعوب العربية...ويفتعل وحدة ثلاثية هنا ورابعة هناك ومحورا ً هنا وجبهة ً للتصدي والتعدي هناك وآلة التشويه على مستوى العمل العربي المشترك تعمل بكفاءة الأعداء...وتفكيك التضامن العربي وحرفه في سياقات إيديولوجية يعرف النظام السوري أنها المستحيل ذاته...وآلة القمع التي يملكها النظام السوري حصدت أرواح وأهانت كرامات السوريين والفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والسعوديين والعرب جميعا ً...إلى أن أصبحت حالة شاذة في آلية عمل النظام يرى ويقيس الأفعال والأقوال على اعوجاجه...وساهم النظام السوري بشكل كبير في اعوجاج فعل النظام العربي كله...

وعليه يتطلع العرب كلهم إلى أن تكون قمة الرياض...قمة الصراحة وتسمية الأشياء بمسمياتها وتطويق السرطان الذي تفشى في الجسم العربي أشكالا ً وألوانا ً لاسابق لها ولاقدرة له على الإستمرار في سمومها...قمة الرياض بثقلها التاريخي والحضاري وبطبيعة تكوينها تحاول النجاح في نقل القمة من عتمة اليأس إلى التفاؤل وأساسه هو الموضوعية أولا ً والصراحة ثانيا ً والمسؤولية ثالثا ً والإرادة رابعا ً والقرار خامسا ً وأخيرا ً.... القرار الذي يعيد الكرامة لأهل الدار الذي هو المقدمة لإعادة وصيانة الحقوق الأساسية وتجاوز حالة الصمت والتخلي والتنازلات والقرفصاء التي أوشكت أن تشل العمود الفقري للشعوب العربية...أنها محاولة الوقوف باعتدال...


قمة الرياض هي بين الإحتواء والنجاح وهي أقرب إلى الأخير لأن قوى التمزيق وعلى رأسها النظام السوري قد وضعت في مكانها وحجمها المفترق والمتناقض مع مكانة وحجم الشعب السوري...وليس مهما ً أن يحضر هذا الوفد أو ذاك والتضامن العربي ليس متوالية عددية إذا غاب أحد الحدود...فرطت المتوالية كلها، بل هي متوالية هندسية لكل حد فيها قيمته ورمزه ودوره في تكبير قمتها وتفعيل قوتها العامة باتجاه إعادة تشكيل وعي التضامن العربي والإشكالية ليست في الغياب والحضور والمساومات وكثرة الصياح، بل في القدرة على تجاوز العقد وتحديد البدائل لنظام عربي لم يعرف التجديد لفترة طويلة، البدائل على مستوى ماتشهده الساحة العربية من ضعف وتمزق وغياب العمل العربي المشترك وفقدان الأمن القومي، وبنفس الأهمية على مستوى الصراعات الداخلية التي تشهدها المنطقة والتي أفرزتها أنظمة فاقدة الشرعية والوطنية والمسؤولية، الصراع بمستوياته الإجتماعية والسياسية والتنتمية البشرية والحرية والديموقراطية...خيار مؤتمر قمة الرياض هو خيار متجه ووحيد وهو خيار المواجهة والنجاح...خيار النجاة من الوقوع في الهاوية...


د.نصر حسن

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف