الأقباط فى الأمثال الشعبية 5
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
اللي ياكل عيش النصرانى يضرب بسيفه 1
المثل الذى سيكون موضع حديثنا اليوم هو واحد من الأمثال الشعبية الشائعة ولا يوجد ما هو ادل على شيوعه اكثر من تلك الصيغ المتعددة التى تقولب فى إطارها، فبالأضافة إلى ذكره بصيغة (اللى ياكل عيش النصرانى يضرب بسيفه ) فى كتاب الأمثال الشعبية - مشروحة ومرتبة حسب الحرف الأول مع كشاف موضوعى - للعلامة المحقق احمد تيمور باشا ( مثل رقم 421 ) والذى فسره بقوله " اى من اصاب من نعم قوم ومعروفهم انتصر لهم وصال بقوتهم "
بالأضافة لذلك فقد وقعنا عليه بصيغ أخرى عديدة فى عدد لا بأس به من موسوعات ومعاجم الأمثال الشعبية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر
- اللى ياكل عيش النصرانى يضرب بمزماره
- اللى ياكل عيش السلطان يضرب بمزماره
- اللى ياكل عيش السلطان يضرب بسيفه
- اللى ياكل من مائدة السلطان يحارب بسيفه
- اللى ياكل عيش اليهودى ينضرب بسيفه
- اللى ياكل رغيف المظلوم يحارب بسيفه
وإذ ما اردنا ان نُقدم هنا بحثاً مُستفيضاً ومُوغلاً فى عمق ذلك المثل لابد وان نعى جيداً ما يتضمنه ذلك المثل من اشكاليات ولابد ان نعى اننا نتحدث عن الأقباط - تحديداً - فى الأمثال الشعبية وعن صيغة المثل القائلة بأن ( اللى ياكل عيش النصرانى يضرب بسيفه ) دون سواها من الصيغ التى تقولب المثل فى إطارها - كما اسلفنا الذكر - لذلك رأينا ان يقتصر حديثنا هنا على
1 - عيش النصرانى
2 - سيف النصرانى
اولاً.. عيش النصرانى
ليس للنصرانى - كما لابد وان نعرف - ( عيش ) يميزه تصنيفياً عن سواه من البشر، ولا يصح بالطبع ان يقوم احدهم بتقسيم ( العيش ) على اساس دينى فنقول ان هذا ( عيش نصرانى ) وذاك ( عيش مُسلم ) بل وقد يتمادى أحدهما هذا ويُكفر عيش بل وعيشة الأخر
ان فحصنا المُستقصى لذلك المثل لابد وان يوضح لنا ان العيش هنا انما هو ( الخبز ) الذى دخل فى ملكية النصرانى، اى الذى اشتراه بنقوده فصار ملكاً له، بل ونستطيع ان نقول - ونؤكد أيضاً - ان العيش هنا انما يشير إلى طعام النصرانى برمته، ونكرر هنا انه الطعام الذى دخل فى حيز الملكية نتيجة عملية شراء
ودعونا فى البداية - وقبل ان نستفيض ونفيض - نمر - ولو مرور البخلاء - على العيش كمادة شديدة الخصوبة والثراء فى المفهوم والمأثور الشعبى
يقول د. سميح شعلان أستاذ الأدب الشعبى بأكاديمية الفنون والمشرف العام على أطلس الفلكلور الشعبى العيش له وضع خاص منذ قدماء المصريين وحتى الآن. فنحن نقدس الخبز لأن الخبز هو وقود الحياة فبمجرد وجود العيش مع الملح تستقر الحياة وتستمر. ولذلك فهو يدخل فى منظومة القيم التى يتبعها المصريون. فنحن نجد الناس فى تعاملاتهم يقولون ( أنا أكلت معاه عيش وملح ) وهذا معناه عدم الخيانة والالتزام بالعلاقة لأننا اقتسمنا الحياة. وكلمة العيش تعنى الرزق فنحن نقول دائما أكل عيش أى أن الناس يكدون ويكدحون من أجل هذه اللقمة التى تمثل بالنسبة لهم استمرار الحياة واستقرارها، لذلك فأنا أرى أن الخبز محطة شديدة الأهمية من محطات فهم طبيعة العقلية الجماعية المصرية لأن من خلاله يمكن الكشف عن طبيعة التفكير عند المصريين.
وتقول الأستاذة دعاء صالح إبراهيم الباحثة فى أطلس الفلكلور: للخبز مكانة خاصة فى نفوس المصريين تصل إلى درجة التقديس على مر عصورهم دارت حوله الكثير من عاداتهم ومعتقداتهم التقليدية وله من الأسماء الكثير المتداول مثل العيش إشارة للعيش وللحياة ذاتها وغيره من المسميات للدلالة عليه مثل اللقمة أو القوت أو الرغيف. ولقد انتشر الخبز فى كثير من الآداب الشعبية القولية مثل الأغانى والحكم والأمثال وهى تعنى بتقديسه وأهميته حتى أنه يطلق على العمل الذى يمتهنه الإنسان ( أكل عيش ) ويصادفهم كثير من الأمثال التى تتخذ من الخبز موضوعها مثل ( كل لقمة حبيبك تسره وكل لقمة عدوك تضره )، ( يا واكل قوتى يا ناوى على موتى )، ( مين ياكل عيش السلطان يضرب بسيفه ) دلالة على قدسية العيش التى تجعل الإنسان أسير من يأكل من عيشه، ( اللى ياكل لقمتى يسمع كلمتى ) وأيضا هناك أمثلة أخرى تعتبر الخبز نعمة مقدسة مثل ( لم النعمة تلمك ) وفيه دعوة للحفاظ على الخبز وعدم إهداره، ( البطران زولان نعمة ) أى لابد من احترام الخبز وعدم التعالى على أكله، ( الجعان يحلم بسوق العيش )، ( لقمة هنية تكفى ميه )، ( اللى يستكتر غموسه ياكل عيش حاف )، ( شحات وعايز عيش قمح )، ( فلان ما بيضحكش للرغيف السخن )، ( هوه ماكنش عيش وملح )،( الخميرة أميرة ) ذلك لأن الخميرة من أهم مكونات العيش ولها أهميتها لدى صانعيه لذا فهم يقولون ( وشه يقطع الخميرة من البيت ) عندما يتشاءمون من شخص ما فلا يستطيعون إعداد خبزهم فى وجوده، ( اللقم تحوش النقم ) أى يتحاشى الإنسان النقمة من الحاسدين بإطعامهم بعض خبزه.
ومن المعروف أن المصرى يعتقد فى سر العيش الذى قد يجمع الناس برابطة صداقة ولأهميته فهم يقولون ( أكلت معاهم عيش وملح ) وكأنه عهد خفى يتقاسمونه على الوفاء والإخلاص وإذا ما حدثت خيانة يقولون ( خاين العيش والملح ).
. أما الشاعر وباحث التراث الشعبى مسعود شومان فيقول: أولا لابد أن نعترف أن موضوع الخبز هو موضوع شائك ومتعدد الجوانب وأتصور أن له علاقة بالعادات والتقاليد والمأثورات الشعبية الأدبية المتعلقة بالخبز بل بفكرة الصناعة أو بالثقافة المادية أى بالوسائط والأدوات المتعلقة بصناعة الخبز نفسه فضلا عن الأغانى والموسيقى المصاحبة لعمل الخبز فى بعض البيئات الشعبية.
الإنسان المصرى بشكل عام يرتبط ارتباطا جذريا بالخبز ولا توجد مفردة الخبز عند الشعب المصرى وإنما توجد مفردة العيش أى الحياة بدليل أن فى السعودية مثلا يسمون الأرز بالعيش أما العيش فيسمونه خبزا فالوجبة الأساسية التى يتقوت عليها الإنسان تسمى عيش. فنحن عندنا مجموعة من العادات والتقاليد تدل على تقديس لقمة العيش فلو وجد أحد لقمة عيش فى الطريق يحملها ثم يقبلها ويركنها بجوار الحائط. أيضا هناك بعض المعتقدات المرتبطة بالعيش أثناء الولادة فهناك بعض الأمهات فى الريف المصرى عندما تلد تضع سكينة ورغيف خبز تحت مخدة الطفل خوفا عليه من الكائنات الغيبية مثل الجن والعفاريت أو الشياطين حتى إذا جاء هذا الجن أو العفريت يخاف من السكينة وإذا كان جوعانا يأكل من رغيف الخبز فيبتعد بشره عن هذا المولود وأيضا السيدة التى لا تنجب أو تخاف على ابنها من الحسد تدق له خلخال ولكى تدق هذا الخلخال لابد أن تشحت رغيف عيش من سبع نساء اسمهن فاطمة وسبع رجال أسمهم محمد ثم تحمل هذا العيش إلى الحداد كى يدق هذا الخلخال للولد وتمنع عنه الحسد ويضيف مسعود هناك دلالة لاختيار الأسماء فهى تلقى بظل دينى مقدس فمحمد هو الرسول عليه السلام وفاطمة هى ابنة الرسول.
ويضيف د. كمال الدين حسين أستاذ الدراسات الشعبية بجامعة القاهرة: يعتبر الخبز بالنسبة للمصريين من أهم العناصر الغذائية وعلى مستوى الممارسة الشعبية وفى جميع القطاعات لا تخلو مائدة من الخبز، ويقترن بوجود الخبز وجود الماء فالمصرى هو الإنسان الوحيد الذى أكل الخبز مع الماء ولأهمية الخبز كان يدفن مع ملوك الفراعنة حبوب القمح أو بعض أشياء من الخبز مثل العيش الشمسى وكان يكفى المصرى لغذائه قطعة من الخبز وقليل من الملح. وحتى عند الأخوة المسيحيين ما يعرف بالمناولة أى يتم فى هذا اليوم تناول قطعة من الخبز. حيث إن الأب القائم بالصلاة يقوم بمناولة قطعة من الخبز لكل مسيحى.
اسمحوا لى أذن ان اعود للكتابة - وارجو الا اكون مملاً - واضع تلخيصاً ضمنياً لما يهمنا هنا فيما جاء وقيل عن العيش فى المفهوم والمأثور الشعبى وما يرتبط منه تحديداً بموضوع مثلنا هذا
1- الخبز محطة شديدة الأهمية من محطات فهم طبيعة العقلية الجماعية المصرية لأن من خلاله يمكن الكشف عن طبيعة التفكير عند المصريين.
2- الخبز هو وقود الحياة فبمجرد وجود العيش مع الملح تستقر الحياة وتستمر
3- للخبز مكانة خاصة فى نفوس المصريين تصل إلى درجة التقديس
4- يطلق على العمل الذى يمتهنه الإنسان ( أكل عيش )
5- المصرى يعتقد فى سر العيش الذى قد يجمع الناس برابطة صداقة ولأهميته فهم يقولون ( أكلت معاهم عيش وملح ) وكأنه عهد خفى يتقاسمونه على الوفاء والإخلاص وإذا ما حدثت خيانة يقولون ( خاين العيش والملح ).
6- الإنسان المصرى بشكل عام يرتبط ارتباطا جذريا بالخبز ولا توجد مفردة الخبز عند الشعب المصرى وإنما توجد مفردة العيش أى الحياة بدليل أن فى السعودية مثلا يسمون الأرز بالعيش أما العيش فيسمونه خبزا فالوجبة الأساسية التى يتقوت عليها الإنسان تسمى ( عيش )
7- ( مين ياكل عيش السلطان يضرب بسيفه ) دلالة على قدسية العيش التى تجعل الإنسان أسير من يأكل من عيشه، ( اللى ياكل لقمتى يسمع كلمتى )
بناءاً على تلك المعطيات السبع التى اسلفنا ذكرها لا نجد عجباً ولا عُجاباً فى ان ( من ياكل عيش النصرانى ) لابد وان يصير اسيراً له، يسمع كلمته ويضرب بسيفه، ينتصر له ويصول بقوته..
ولا ندعى بالطبع ان الأمر هنا حكراً على النصرانى دون سواه من البشر
ان النصرانى فى هذا المثل انما يشير ضمنياً إلى الأنسان المصرى بصورة اكثر عموماً
القضية هى قضية ( رغيف العيش )
وليست قضية النصرانى او المُسلم
ما يجعلنى اسيراً هو احتياجى لرغيف العيش وليس للنصرانى بعينه
لكن الأشكالية هنا.. لماذا اختار المثل النصرانى
فى الحقيقة لم اجد إجابة شافية لهذا السؤال ولهذه الأشكالية
إن فهم طبيعة العقلية الجماعية المصرية يحتاج إلى توغل وعمق اكبر بكثير من قدراتى التوغلية ولا احب ان اطرح هنا زعماً او جزماً
بقى لنا اذن ان نتحدث عن سيف النصرانى..؟!
وهو ما اجده مشوقاً بحق
دعونى فى النهاية اعدكم بحلقة مشوقة عن سيف النصرانى ان شاء الرب وعشنا
لا انا بل نعمة الله التى معى