أصداء

ترجمة الخطاب السياسي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

طُلب من أحدهم أن يُترجم إلى اللغة العربية (Out of sight, out of mind) فترجمها إلى: خارج النظر ، خارج العقل. ومن ثم طُلب من آخر أن يعيد ترجمتها إلى الإنجليزية وكانت النتيجة كالتالي: (the blind, the crazy) أي: الأعمى ، المجنون. الترجمة المفيدة هي التي تترجم المعنى وليس فقط الكلمات وفي هذه الحالة يمكن ترجمة المعنى إلى: البعيد عن العين ، بعيد عن الخاطر. تعكس هذه القصة جزءا من الصعوبة التي تواجه المترجمين. الصعوبة تزداد عندما يُقْدِم المترجم على ترجمة خطاب سياسي أو تصريح حكومي لأن مثل ذلك النوع من النصوص بإمكانها أن تؤثر بشكل كبير على العلاقات الدولية وعلى الرأي العام.

أثناء قراءتي للأخبار على صفحات الأثير الإلكتروني قبل بضعة أيام صادفي خبر عن مؤتمر صحفي بين وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس ونظيرتها الإسرائيلية تسفني لفين. بدى لي الخبر وكأنه يقول بأن رايس توافق ما قدمته لفني من دعوة إلى الحكام العرب بالتطبيع مع إسرائيل دون الانتظار إلى حين التوصل إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني. بعد التحقق من ما قالته رايس باللغة الإنجليزية اتضح لي أن الخبر مضلل بعض الشيئ إن لم يكن خاطئا. في الأساس أعتقد أن معظم المراسلين والصحفيين الإخباريين يتحققون من كتاباتهم قبل نشرها. ورغم أنني بطبيعتي أعتقد أن المراسل قد أخطأ في هذا الخبر إلا أنني حاولت جاهدا إيجاد الأعذار له أو لها على الطريقة التي ظهر بها الخبر، لا لشيئ سوى محاولة مني للتحقق من انعدام أي احتمالات أخرى يمكن أن تفسر سبب إدعاء الخبر بأن رايس قالت شيئا لم تصرح به.

في النهاية لم أجد للكاتب عذرا لأن أخلاقيات المهنة الصحفية تحتم على كل مراسل إخباري عكس الواقع الذي يشاهده بمصداقية وشفافية واضعا في الاعتبار تلك العناصر التي يمكن أن تعكس عدم الموضوعية أو أن تسبغ على الخبر المنقول أي حكم أو وجهة نظر شخصية أو إلصاق قيمة أخلاقية به. بالطبع المراسل الملتزم بأخلاقيات مهنته الصحفية هو من ينقل الحدث ويترك للمتلقي حرية تفسير الحدث والحكم عليه. التحليل الإخباري مهمة مختلفة ليست من اختصاص المراسل الإخباري. على أي حال ، لنعود إلى خبر المؤتمر الصحفي ، ما الذي جاء فيه وما هي الحقيقة؟

نص التقرير الذي قرأته على الإنترنت:
"دعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني الزعماء العرب إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون انتظار تحقيق السلام مع الفلسطينيين.
ووصفت الوزيرة الإسرائيلية في مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الخارجية الأميركيةكوندوليزا رايس في واشنطن، مبادرة السلام العربية بأنها إيجابية، لكنها أشارت إلى أن الجوانب المتعلقة باللاجئين تتناقض مع مفهوم الحل القائم على الدولتين ...
وضمت رايس صوتها إلى صوت ليفني لدعوة البلدان العربية إلى تسريع ما سمته عملية المصالحة الإسرائيلية العربيةإذا كانت تسعى إلى حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني."
نهاية النص

جميع ما قالته رايس بخصوص المبادرة العربية والمصالحة والقضية الفلسطينية أتى قبل دعوة لفني التي قدمتها للحكام العرب ولم تعلق رايس مطلقا بعد الدعوة. نص ما قالته رايس هو: "بالنسبة للمبادرة العربية ، إنني أتمنى أن تعبر هذه المبادرة عن حاجة المصالحة الإسرائيلية-العربية الواضحة لأن تصاحب حلا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني." أي أنها ترغب في أن يتم العمل على المسارين العربي-الإسرائيلي والفلسطيني-الإسرائيلي في نفس الوقت لكي يكملا بعضهما البعض. كما ترون فإن الترجمة المتوفرة لما قالته وزيرة الخارجية لا ينساب بشكل جيد وليس واضحا بما يكفي.

وعليه قمت بأخذ النص الأصلي إلى بعض الزملاء من أصول عربية في وزارة الخارجية في محاولة لتعديله وتحسين انسيابه دون الحياد عن روح ونص العبارة الأصلية. المعضلة التي واجهناها هي أن بإمكاننا تحسين العبارة لغويا لتنساب بشكل أفضل كما بإمكاننا إعادة صياغتها لتكون أكثر وضوحا ولكننا في جميع الحالات لم نلتزم بالنص الأصلي إنما التزمنا فقط بالمعنى وذلك غير مقبول في ترجمة النصوص الرسمية.

إذا ، الصعوبة التي واجهتها بنفسي في ترجمة هذه العبارة أقنعتني بضرورة اختيار روح النص على الترجمة الحرفية في حال لم تستطع الترجمة الحرفية توفير المعنى المقصود من وراء الكلمات. ولكن ما لم أقتنع به هو إعطاء المراسل الإخباري أي عذر في إبداعه غير الملتزم بأخلاقيات المهنة الصحفية فهو اقترح شيئا لم يقال أو يحدث ، المشكلة تتفاقم عندما تتكرر حالات التقارير المغلوطة. فإن كان الخطأ نابع من جهل في فهم النص الأصلي فتلك مصيبة وإن كان الخطأ ناجم عن سوء نية فالمصيبة أعظم.

وليد جواد
فريق التواصل الإلكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية
digitaloutreach@state.gov
http://usinfo.state.gov/ar

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف