أصداء

وداعاً سيادة المستشار المحافظ

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بُعيد إصدار الحكم بحبس د. أيمن نور - و الذي أختلف معه لأسباب عدة، و لكن أؤمن بكل تأكيد بنصاعة صفحته مما لفق له - كتبت مقالاً بعنوان: محافظ الجيزة القادم، في إشارة للقاضي الذي أصدر هذا الحكم، و الذي سبق و أن أصدر أحكام شبيهة بهذا الحكم، في مجافاتها لقواعد القانون و روح العدالة، و تنويهاً لتسرب الفساد لنفوس بعض القضاة، ممن خضعوا لعملية التدجين التي مارسها النظام المباركي مع الهيئة القضائية، تلك السياسة التي تعد إستمراراً للإعتداء على الفقيه القانون الشهير السنهوري في الخمسينات من القرن العشرين، و إن كانت قد إتخذت شكل أخر.
اليوم - كما هو معلوم - أصبح من المحال إرسال بلطجية لضرب قاضي في مقر عمله، و لا سبيل للقيام بحركة تعسفية، مهما قيل عنها إنها تنظيمية، بحق القضاء و القضاة، كما حدث فيما عرف فيما بعد بمذبحة القضاة في الستينات من القرن المنصرم، و لن يصدق الجميع أن قاض نزيه إنتحر بإلقاء نفسه من شرفة منزله، كما حدث مع أحد القضاة في الستينات أيضا، لهذا كانت وسيلة مبارك أكثر مناسبة للعصر، فالوسائل تختلف و لكن الهدف واحد، هو إصرار السلطة الحاكمة، أيا من كان المتربع على قمتها، على إخضاع القضاة المصريين النزهاء - و رثة القاضي المصري الأصيل الحارث بن مسكين في شموخه و عدله و شجاعته في الحق - لرغبات الحاكم حتى لو كانت تحيد عن الصراط المستقيم بجلاء.
في عصر مبارك، أو لنسميه عصر الشدة المباركية، و التي إستمرت حتى اليوم ربع قرن و يزيد - حتى تتضاءل معها الشدة المستنصرية الشهيرة، و الشدة الأشهر التي حدثت في عصر يوسف بن يعقوب،عليهما السلام، و التي وردت بالقرآن الكريم و التوراة، و التي إستمرت الواحدة منهما سبع سنوات عجاف فقط - أصبح البديل عن الركل بالأقدام و الضرب بالقبضات، و الإلقاء من الشرفات، و الإبعاد عن منصات القضاء، أي البديل عن سيف المعز، هو ذهبه، ففي عصر أصبح الفقر عنوانه، و الحياة كفاح لا ينتهي من أجل الوصول للحاجات الأساسية للإنسان، من مسكن صحي، و غذاء متوازن كافي، و تعليم مناسب، و ملبس لائق، أصبح المال وسيلة ترويض، فأصبحت الإنتدابات للخارج و لجهات داخلية في مصرنا، تمنح كمكافأة و تمنع كعقاب، أما من يتفانون في خدمة السلطة العليا، فإن المناصب التنفيذية البارزة تغدو وسيلة المكافأة، لهذا شهدنا في هذا الحقبة الغبراء من تاريخ مصرنا المحروسة، تنامي ظاهرة: السيد المستشار المحافظ، في الأسكندرية، و الجيزة، و بني سويف، و كفر الشيخ، و غيرهم من المحافظات، بالطبع تختلف المحافظة حسب درجة مكانة القاضي المدجن و مقدار ما قدم من خدمات للنظام الحاكم أبان جلوسه على منصة القضاء، و أحيانا ما يكون منصب المحافظ تمهيد لخطوة أكبر، و أعني بها منصب وزير العدل، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان وزير العدل السابق، المستشار أبو الليل، محافظاً للجيزة، إلى أن رحم الله سكان الجيزة من وطأة إدارته، حين تمت ترقيته لمنصب وزير العدل، و كان إسمه أبان توليه
وزارة العدل خير معبر عن طبيعة العدالة في عصر الشدة المباركية المزمنة، حيث العدالة غدت هي أيضا كالليل البهيم، لا يراها أحد.
مبارك، و إراحة لنفسه من عناء التعامل مع القضاء و القضاة - حيث القانون، مهما كانت طبيعة القائم على تنفيذه، يحتاج إلى وقت، حيث قيود الإجراءات، و الحقوق المكفولة للمتهمين، و درجات التقاضي التي يجب أن تمر بها كل قضية إلى أن يصبح الحكم الصادر بخصوصها نهائي واجب النفاذ - قرر اللجوء للحل العسكري الباتر، و كانت التعديلات الدستورية الأخيرة التي يجيز إحالة المدنيين للقضاء العسكري تبعاً لهوى الحاكم.


هذا التعديل الدستوري نزل، و بلا ريب، نزول الصاعقة، على من باعوا ضمائرهم من رجال القضاء و النيابة، و الذين كانوا يتطلعون لمنصب محافظ، أو أي منصب تنفيذي لامع، فقد بارت تجارتهم، فقد جاء البديل، الأسرع و الأكثر عسفا وجوراً، فلا عزاء لهم، و سوف يتبع بوار تلك التجارة، إختفاء تدريجي لظاهرة المستشار المحافظ، إلى أن تتلاشى نهائيا، بعد مكافأة المجموعة الأخيرة، من المستشارين المدجنين من رجال القضاء و النيابة، من الذين خدموا النظام المباركي بإخلاص و تفان قبل التعديلات الدستورية الأخيرة.
التعديل الدستوري الخاص بتقنين إحالة المدنيين للقضاء العسكري حسب هوى الحاكم، يدل على أمرين:
أولا: أن القضاء المصري في أغلبيته نزيه، و إن لوث ثوبه الناصع، بعض الرذاذ.
ثانيا: أن القانون الطبيعي، هو قانون أيضا نزيه، و إنه مهما بلغت محاولات ليه لخدمة السلطة، فإنه لا يقارن بأي حال بالإحكام العسكرية.
كلا الأمرين لا يرضيان الطاغية، فكان هذا التعديل.
فودعا قريب أيها المستشار المحافظ، و سنرى مزيداً من السادة اللواءات المحافظين، مزيداً من عسكرة مصر، و كأنه لا يكفي العسكر الذين إحتلوا أغلب المناصب، من السيد العقيد رئيس المركز، إلى السيد العميد رئيس النادي الرياضي، إلى السيد اللواء المحافظ و رئيس الإتحاد الرياضي و رئيس الهيئة و حتى رئيس الحي، و الذين سينضم إليهم قريبا قادمين جديدين: سيادة اللواء القاضي و سيادة اللواء ممثل الإدعاء.

أحمد حسنين الحسنية
حزب كل مصر
31-03-2007

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف