كذبة نيسان عراقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إعتاد الناس سواء كانوا في جزيرة مدغشقر أو في البنغلاديش أن يكذبوا مرة واحدة في السنة وبشكل علني، من دون أن يشعروا بالحرج أو أن يطالهم العقاب، وهي في الأول من نيسان..
حتى الرئيس بوش الذي يستميت في معارضة سحب قواته من العراق، يحق له أن يعلن في الأول من نيسان من كل عام نيته بالإنسحاب من العراق ثم يرسل المزيد من قواته اليه في اليوم التالي؟!.
كما يحق لدولة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن يعلن عزمه ( الأكيد!) لحل الميليشيات الشيعية يوم الأحد المصادف الأول من نيسان، وفي اليوم التالي يرسلهم الى إيران للإحتماء بأصدقائه الإيرانيين؟!.
في هذا اليوم من السنة الكذب مباح ومعه الضحك على الذقون أيضا؟!.ولكن يشترط في كذبة نيسان أن تكون كذبة بيضاء وليست سوداء، بمعنى أن لا تترتب على أي كذبة نيسانية خراب البيوت أو التأثير على حياة الناس، ولكن في العراق الأمر يختلف خصوصا في مرحلة ما بعد صدام حسين، فحتى كذباتنا النيسانية إبتلت اليوم بالصراعات الطائفية والسياسية، فكلها كذبات سوداء يطلقها السني ضد الشيعي، أو تطلقها الكتل السياسية المتصارعة داخل البرلمان العراقي بعضها ضد بعض حالها حال التهديدات المتبادلة بينهما في كل شأن.
في سنوات الحكم الدكتاتوري الصدامي كانت الكذبات لا تتجاوز إطلاق إشاعات بقرب الأنفراج السياسي وإطلاق الحريات المدنية، أو سن دستور دائم للبلاد، أو صدور قانون جديد للعفو عن السجناء السياسيين، ولكن في اليوم التالي كانت تلك الكذبات تتبخر في الهواء، ويعرف الناس أنها كانت مجرد كذبات نيسانية لا غير.
وبما أن العراقيين إزدادت قسوة بعضهم على بعض ضمن مسلسل العنف الطائفي،وأصبحت مظاهر العنف والقتل طاغية على حياتهم اليومية، أفقدتهم الظرافة والمرح، وغادرت البسمة شفاههم،فتحولت مقالبهم النيسانية الى مصائب، وطغت الكذبات ( الدامية ) على كذبات نيسان البيضاء.
اليوم الأول من نيسان أول ما إستفتحت به صباحي تلقيت إتصالا من صديق يفيد بأن زوجتى ( أدام الله ظلها الوارف) قد نقلت الى المستشفى لإصابتها بالجلطة القلبية!. ورغم أن في مثل هذه الحالات هناك بعض الأزواج الذين ما أن يتلقون مثل هذه الأخبار المفرحة حتى يغادروا الى مطارات مدنهم لركوب أول طائرة متجهة الى باريس للإحتفال على شواطئها برفقة بنات حسان بهذه المناسبة السعيدة، لكنني ركبت أول تاكسي في الشارع وطلبت منه الإنطلاق الى مستشفى الطواريء بالمدينة.
من عادة الأربيليين والسليمانيين ( نسبة الى مدينتي أربيل والسليمانية في كردستان) أن يدبجا النكات الظريفة ضد بعضهم البعض،بل أن بعضهم يمعن في هذا الصراع المناطقي بتحوير بعض النكات التي يسمعها مثلا عن الصعايدة أو الحمصيين أو الأسكتلنديين الى الأربيليين أو السليمانيين ضمن إطار مسلسل التنكيت ضد بعضهم، وهذه عادة مألوفة بين الكثير من الشعوب في البلدان المختلفة الذين يسخر بعضهم من بعض بالنكات.
تقول النكتة، أن أربيليا كان واقفا فوق بناية ( حسيب صالح ) وهي أعلى بناية في مدينة السليمانية، ينظر من فوق البناية الى مناظر السليمانية الخلابة. فجأة صاح أحد السليمانيين من تحت قائلا" يا مغديد ( إسم كردي مشتق من المقداد ) إلحق إبنتك لقد دهستهار سيارة ونقلوها الى المستشفى!. فما كان من مغديد إلا أن يرمي نفسه من فوق البناية ذات الخمسة طوابق عسى أن يلحق إبنته قبل أن تموت!. وهو يهوي من فوق البناية، فكر في طريق السقوط وقال مع نفسه" ليس اسمي مغديد، ولست متزوجا حتى يكون لي بنت، فلماذا رميت بنفسي من فوق البناية؟؟!!..
وأنا من دون أن أفكر بأن اليوم هو الأول من نيسان، هالني الخبر الذي وقع علي كالصاعقة، فلم أفكر سوى بالوصول الى المستشفى لإنقاذ زوجتي رغم أنني لست طبيبا مختصا بأمراض القلب والأوعية الدموية.
دخلت غرفة الإستعلامات وأنا ألهث،وطلبت من الشرطي السماح لي بدخول قسم الإنعاش. فسألني: هل ضربتك جلطة قلبية؟!. قلت: لا والحمدلله. قال: ما حاجتك الى قسم الإنعاش إذن؟. قلت" إنها زوجتي تعرضت الى جلطة قلبية وأريد أن أزورها.
قال: وهل أنت طبيب متخصص بأمراض القلب والشرايين؟. قلت: لا. قال: إذن ماذا ستفعل هناك؟. قلت: أريد الإطمئنان عليها.قال: لا حاجة لذلك، الزيارات ممنوعة. قلت: ولكني أريد رؤيتها؟!.قال: ممنوع أخي، لا نسمح لأي كان أن يدخل قسم الإنعاش ما لم يكن مريضا، فإذا أردت الدخول عليك أن تكثر من تدخين السجائر لتضربك الجلطة ومن ثم نرسل لك سيارة الإسعاف إذا توفر لدينا البنزين لتقلك الى هنا، عندها يمكنك أن تنام جنب زوجتك وأنت مرتاح البال!... ألححت عليه أكثر وإستعطفته قائلا: لا بد من زيارتها أيها الشرطي العزيز، لأثبت لها إخلاصي ووفائي خصوصا في هذه الأزمة؟!. قال: لا يمكن ذلك، فحبيبة قلبك نائمة في قسم مرصود، من يدخل حجرتها، من يطلب ودها، من يدنو من نافذة غرفتها، مفقود.. مفقود.. مفقوووووووود يا ولدي.. يييا ولدي.
في هذه الأثناء رن جرس الموبايل وإذا بزوجتي تتصل وتوبخني على تأخر حضوري الى البيت وتصرخ: أين أنت؟. أجبتها: في متنزه المدينة؟!. فقالت بحدة: ماذا تفعل هناك يا زائغ العينين؟.. قلت: آكل من المقلب؟. قالت:أي مقلب أيها المخادع الخائن،عد الى البيت فورا؟؟!!
شيرزاد شيخاني