اعادة التثقيف والواقع المخيف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
للثقافة دور هام في بناء الشعوب والأمم أو هدمها، فإذا كانت الثقافة نابعة عن حضارة أصيلة فإنها تساهم في رفع شأن الأمم، أما إذا كانت الثقافة سلبية وموجهة من اعداء الأمة فإن عواقبها وخيمة على الأمم والشعوب، وقد انتبهت الدول الاستعمارية إلى اهمية تثقيف الشعوب الضعيفة حسبما يخدم مصالحها أي مصالح الدول المستعمرة. فبعد انتصار الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 خاف العالم الغربي من أن تمتد الثورة لتصلهم في عقر دورهم، وقد ازدادت هذه المخاوف بعد الحرب العالمية الثانية، وامتداد النفوذ السوفيتي إلى دول أوروبا الشرقية التي تبنت الشيوعية كنظام اقتصاد وحكم في بلدانها. لذا فإن الدول الغربية استنفرت هممها في الدول المجاورة للدول الاشتراكية، وخصوصا الدول الاسلامية لمحاربة السوفييت وأعوانهم، فأخذوا ينشرون أن الاشتراكية تقوم على الإلحاد والكفر، والإباحة الجنسية، وهذا تناقض واضح مع الاسلام، وعندما تجندت الأنظمة العربية والاسلامية، لمحاربة الشيوعية أصبحوا يطلقون عليها وعلى الإسلام " السور الواقي من خطر الشيوعية " وفي سبعينييات القرن العشرين كانت أمريكا واسرائيل وحلفاؤهما يعارضون اقامة دولة فلسطينية لأنها ستكون شيوعية حسب زعمهم، فوجدوا من بين ظهرانينا من صدق هذا الزعم، وأثناءها ساعدوا المسلمين والعرب في مقاومة السوفييت في افغانستان، وفي بدايى القرن الحادي والعشرين فإنهم يعارضون اقامة الدولة الفلسطينية خوفا من أن تكون دولة إسلامية، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومجموعة الدول الاشتراكية، وانتهاء الحرب الباردة، وانفراد امريكا في السيطرة على العالم
دون منازع،بحثت الأخيرة عن عدو لها فوجدت ضالتها في الاسلام والمسلمين، فبدأت مراكز الأبحاث وطاحونة الاعلام الأمريكي والصهيوني في مهاجمة المسلمين على اعتبارهم أنهم ارهابيون، ثم تطور الوضع ليتهموا الاسلام كدين بالإرهاب، ووصل التحريض ذروته بتأليف " الفرقان " ليكون بديلا لكلام الله " القرآن الكريم " ولا تزال هذه الدعاية الظالمة والمغرضة تطور أدواتها وبرامجها لمحاربة الاسلام والمسلمين، حتى ان جريمة استهداف برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 سبتمبر 2001 أصبحت تهمة ملصقة بكل العرب والمسلمين،ويتهمون جميعهم بالارهاب.
واعادة تثقيف شعوب الشرق الأوسط شعار رفعه بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وبدأت اعادة التثقيف في الدول العربية التي الغت تدريس القضية الفلسطينية لطلبة الثانوية العامة، مع ان المادة التي كانت مقررة لم تتعد قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي
أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعدما كنت اسرائيل محاصرة عربيا واسلاميا ومن دول المعسكر الاشتراكي، ودول عدم الانحياز، تواصل التثقيف المغاير ليصبح الشعب الفلسطيني هو المحاصر عربيا واسلاميا ودوليا ـ ولتلصق به صفة الارهاب، مع انه ضحية لإرهاب الدولة، ولعهر السياسة الدولية، وليصبح الخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني عقوبة على هذا الشعب، وليصبح الاحتلال العسكري شرعة دولية والمقاومة ارهابا.
وتتواصل " عملية التثقيف " الجديدة لتحويل الصراع في بعض الدول إلى صراع بين السنة والشيعة، ولتغرق بلاد ما بين النهرين في حرب طائفية الرابح الوحيد فيها هم اعداء العراق والخاسر الأول هو الشعب العراقي بمختلف طوائفه وأعراقه، ويستمر التثقيف لتقزيم الصراع العربي الاسرائيلي إلى صراع فلسطيني اسرائيلي، وأن العداء العربي هو مع ايران التي تسعى أن تكون دولة نووية، لكن كارثة الكوارث هو ما يجري في العراق الذي يذبح من الوريد إلى الوريد كوطن موحد، ويذبح شعبه بالعشرات يوميا على أساس طائفي، وإلا كيف يفهم تفجير المساجد والحسينيات والأسواق المزدحمة، وقتل الأبرياء على الإسم؟؟؟
وليتم فرض أنواع من المقاطعة والحصار على ايران على احتمال أنها يمكن أن تصبح دولة نووية!!! بينما لا يتم التطرق لاسرائيل المؤكد أنها دولة نووية، ويستمر التثقيف الممضاد لفرض أنواع من المقاطعة على سوريا، ووسم نظامها بالعلوي، واتهامها بالوقوف خلف كل المصائب التي حلّت ولا تزال تحلّ في لبنان، بينما كان دخولها إلى لبنان عام 1976 دخول المنقذ للحفاظ على وحدة لبنان ودستور لبنان والتوازن الطائفي في لبنان، بينما يتم غض النظر عن اسرائيل التي درّبت، وموّلت وسلّحت بعض القوى في لبنان، والتي لا تزال تحتل أجزاء من الأراضي اللبنانية.
وعودة إلى العراق وكيف أن سياسة التثقيف الجديدة، جعلت احتلال العراق وتدمير دولته وحضارته ودور علمه وقتل علمائه، واعدام واعتقال قادته تحريرا، لكن الأدهى هو أن نصف الأكاذيب التي كذبوها ودمروا العراق على اساسها، واعترفوا بها، واستصدروا قرارا من مجلس الأم يعتبرون انفسهم فيه قوة محتلة، بينما يعتبرهم بعض اعوانهم في العراق وبعض " العربان " أنهم قوة تحرير، فهل نحن ملكيون أكثر من الملك؟؟؟حتى يتم اتهام سوريا ايران بتدمير العراق ومواصلة تدميره، وتبرئة الغزاة من جرائمهم؟؟
واعادة التثقيف أيضا تمت ولا تزال من خلال خلق وتمويل حركات التمرد في جنوب السودان، وفي أقليم دارفور السوداني والتي تسعى إلى تجزئة السودان لتتحول بقوة سياسة التثقيف الجديدة إلى حركات تحرر ولتتهم الحكومة السودانية بإرهاب الدولة. وسلسلة نتائج سياسة التثقيف الجديدة طويلة، لكن البحث كي تكون نتائجها الثقافية الراسخة طويلة المدى تتم من خلال الدعوات لتغيير المناهج الدراسية لتتناسب و"متطلبات العصر"، والتركيز هنا على مناهج التربية الاسلامية، ففي اسرائيل يتهمون المناهج الدراسية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنها معادية للسامية ولإسرائيل، ومع ان العرب ساميون إلا أنهم جردوا حتى من نسبهم إلى سام بن نوح، لكن مطلقي هذه التهم يتناسون أن المناهج الدراسية منذ عام 1967 وحتى العام 1994 كانت تخضع لضابط التربية الاسرائيلي، ولا يوجد في المناهج الفلسطينية ما يحرض على اليهود أو على اسرائيل، بينما المناهج الاسرائيلية مليئة بشتم العرب ووصفهم بالقتلة واللصوص، والزناة والمغتصبين والكاذبين والمخادعين والغادرين......الخ
وأي مراقب منصف للمناهج الدراسية في العالم العربي سيدعو إلى تغييرها ليس من منطلقات سياسات التثقيف الجديدة، بل من منطلق تخلفها وعدم مواكبتها للعلوم الحديثة، أما المناهج الدينية فهي غالبا ما تركز على العبادات والحلال والحرام والجنة والنار، وتهمل أن الاسلام دين حياة وعمل ونظام وهكذا يجب تدريسه.
أن سلب العرب والمسلمين ثقافتهم الأصيلة والحقيقية هو الذي سيجعلهم أمة ضائعة، وسيدخلهم في متاهات دخيلة جديدة وخسائر جديدة واحتلالات جديدة والحديث هنا يطول.
ولا يفهمن هنا احد بأننا ضد تزاوج الثقافات والإستفادة من خبرات وحضارات الشعوب الأخرى، لكننا ضد سلبنا ثقافتنا وتجريدنا حريتنا وانسانيتنا.
جميل السلحوت