الذكرى الرابعة لكارثة حرب العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ان وصف حرب العراق (بالكارثة)، اصبح الان محل تسليم من قبل الجميع، سواء من مؤيدي الحرب او خصومها. وكانت نتيجة هذه الحرب متوقعة، فقد تنبأ بها الكثير من الخبراء في الاوساط القانونية والاستراتيجية، لانها تبرير لاستخدام القوة بشكل فردي، وخروج على الشرعية الدولية والانسانية ؛ اوصلت العراق الى الجحيم الذي عليه الآن، والذي قد تمتد نيرانه الى مناطق اخرى بالعالم العربي والاسلامي.
اتخذ قرار الحرب، في اطار استراتيجية الدفاع الوقائي والتصدي للارهاب في اعقاب احداث الحادي عشر من سيبتمبر. وهي استراتيجية مصممة في مراكز بحوث البنتاغون منذ عقد التسعينات في القرن الماضي، باشراف جامعتي ستانفورد وهارفارد. وشارك في تصميمها ويليام بيري وزير الدفاع الامريكي الاسبق في ادارة كلينتون ومساعده اشتون كارتر، لذلك اطلق على فريق عمل مشروع الدفاع الوقائي (فريق بيري).
كان هدف هذا الفريق، هو وضع سياسية دفاعية جديدة للولايات المتحدة، تساعدها على تحديد مخاطر ما بعد الحرب الباردة، وكيفية السيطرة على التركة النووية للاتحاد السوفيتي السابق، ووسائل تجنبها، قبل ان تصبح خطرا داهما يهدد الامن القومي الامريكي. ويشبه فريق بيري، فكرة الدفاع الوقائي (بالطب الوقائي) الذي يركز على الوقاية بدلا من العلاج.
وهذه فكرة قديمة، اتبعها الرومان في المستعمرات التي احتلوها، وأشار اليها ماكيافللي في كتابه الامير، ونصح الحكام باتباعها يقول ماكيافللي: ما يجب ان يعمله الامراء الحكماء، ان لا يحصرون اهتمامهم بشؤون الحاضر، بل يتعدونها الى ما يتوقعونه من خلافات في المستقبل، فيتخذون أهبتهم لمواجهتها ودرء اخطارها، اذ ان مجرد توقعها يمكن الانسان من علاجها بسهولة، أما إذا انتظر مجيئها حتى تقع، فإن العلاج يصير غير مجدي بالنظر إلى تأصل الداء، وهذا ما ينطبق تماماً على الحميات الرئوية، التي يقول الاطباء عنها إنها صعبة التشخيص وسهلة العلاج في البداية، ولكنها تضحى مع مرور الزمن، إذا سمح لها بالبقاء دون علاج، سهلى التشخيص ومتعذرة الشفاء.
كما هو واضح اعلاه، تكاد تكون عبارات ماكيافللي وفريق بيري متشابه لحد التطابق. ومن المعروف بان جميع نظريات ماكيافللي السياسية المبنية على الاخلاق الرومانية العسكرية، تسيطر عليها فكرة الغاية او الهدف التي على الامير السعي لتحقيقه، دون ان يهتم بمدى أخلاقية الوسيلة التي يتبعها لتحقيق أهدافه، مهما كانت تلك الوسيلة قاسية ولاأنسانية.
ومثلما رَسَم ماكيافللي سبلا لبلوغ أمن الدولة، والتي تعتبر من وجهة نظره هدفا ساميا، عبر متعرجات ومتاهات متواصلة الاصطدام بالشرور والفظاعات والرذائل، رَسَم كذلك فريق بيري وغيره من فرق بحوث البنتاغون، سبل الامن القومي الامريكي للقرن الحادي والعشرين، عبر نفس المتاهات! وقادت أستراتيجية الدفاع الوقائي الى اندلاع نيران عديدة في مناطق مختلفة من العالم، بدءاً من افغانستان مرورا بالعراق، ثم المذابح الاسرائيلية في فلسطين والحرب الاسرائيلية على لبنان، وازدياد المد الاسلامي المتطرف عبر العالم، والتهديد بتغيير انظمة الحكم القائمة في الشرق الاوسط.
ومفهوم الدفاع الوقائي او الحرب الاستباقية، المستعارة من القوانين العسكرية الرومانية القديمة، عمل محظور في القانون الدولي المعاصر، و يتناقض كليا مع ميثاق الأمم المتحدة، لأن أقراره كمفهوم مسلم به، يمنح الحق لجميع الدول في استخدامه، الامر الذي سيؤدي الى سيادة شريعة الغاب في المجتمع الدولي بدلا من سيادة القانون، كما كان في عصور الرومان الغابرة، التي استحضرتها مراكز بحوث البنتاغون، بوحي من المحافظين الجدد الذين يحتكرون السياسة الخارجية الامريكية خصوصا في الشرق الاوسط.
ولا يسمح القانون الدولي أستخدام الحرب الاستباقية، الا في حدود ضيقة جدا، كحالة من حالات الدفاع الشرعي عن النفس، وهي مقيدة بشروط أن يكون التهديد جديا، وليس قائما على التكهنات والافتراضات، كافتراضات الامريكان والانكليز بأمتلاك العراق اسلحة الدمار الشامل، وصلته بتنظيم القاعدة، والتي ثبت بطلانها بعد الحرب والاحتلال !
وقد حدد الفصل السابع من الميثاق، الأحكام التي يمكن بموجبها اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة. وأعطت المادة (39) من هذا الفصل، السلطة لمجلس الأمن، لتقريرحالة الاخلال بالامن، او اي عملا من أعمال العدوان، واتخاذ الاعمال التي يراها المجلس ضرورية لاعادة السلام الى نصابه.
وحتى لو يرى مجلس الامن، بان عناصر تهديد السلم او الاخلال به او العدوان، متوفرة في دولة ما، ويقرر اتخاذ تدابير عسكرية في نطاق المادة 42 من الميثاق، فانه هو الذي ينظم، وفق مسطرة معينة، وبتعاون من قبل جميع اعضاء الامم المتحدة، توقيت استعمال القوة ورئاستها وسيرها ( المواد من 43 الى 51 من الميثاق)
وما عدا ذلك، فان ميثاق الامم المتحدة يطالب جميع الاعضاء، بفض نزاعاتهم الدولية بالوسائل السلمية، حتى لا يتعرض السلم والامن والعدل الدولي للخطر، حسب ما جاء في البند الثالث من المادة الثانية من الميثاق.
ويطالب الميثاق أن (يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية، عن التهديد باستعمال القوة او استخدامها ضد سلامة الاراضي او الاستقلال السياسي لاية دولة او على اي وجه اخر لا يتفق ومقاصد الامم المتحدة) حسب البند الرابع من المادة الثانية.
ومقاصد الامم المتحدة التي عبرت عنها بنود المادة الاولى من الميثاق هي: حفظ السلام والامن الدولي (البند الاول) وأنماء العلاقات الودية بين الامم (البند الثاني) وتحقيق التعاون الدولي (البند الثالث)، وجعل هيئة الامم مرجعا لتنسيق العمل المشترك بين الدول (البند الرابع). وتعبر هذه البنود عن تصميم المجتمع الدولي، لانقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب والدمار وعدم استخدام القوات المسلحة في العلاقات الخارجية، وحل الخلافات بين الدول بالطرق السلمية.
أن إخلال الامريكان والانكليز، بمواد ميثاق الامم المتحدة وخروجهما عليه، وشن حرب ضد العراق دون سند او أساس قانوني، ينطبق عليها أركان جريمة (العدوان)، كما جاء بتعريف العدوان الصادر بقرار الامم المتحدة المرقم 3314 في تاريخ 14-12-1974. ومفهوم العدوان حسب هذا التعريف، هو: ( استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة دولة اخرى أو ضد سلامتها الإقليمية، أو ضد استقلالها السياسي).
وفعل العدوان الذي ارتكبته الولايات المتحدة وبريطانيا ضد العراق، يعتبر جريمة ضد السلام العالمي، تترتب عليها مسؤولية دولية كبيرة ونتائج خطيرة. فهي ليست جريمة دولية بسيطة، بل من أخطر الجرائم الدولية. وبناءً عليه فأن كل المكاسب والمزايا الناتجة من العدوان لا يمكن أن تعتبر مشروعة، ولا يمكن الاعتراف بها. وقد اكد ذلك السيد كوفي عنان، الامين العام السابق للامم المتحدة، وكذلك مبعوثه الخاص الى العراق، الاخضر الابراهيمي، بان الحرب الامريكية البريطانية ضد العراق، كان خرقا وانتهاكا فاضحا لميثاق الامم المتحدة، وعمل غير شرعي. وهذا يعني بان كل منجزات الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق بعد الاحتلال، والتي يطلق عليها منجزات تقدمية، كالانتخابات والاستفتاء على الدستور وما يسمى بالعملية السياسية هي اعمال باطلة، وفقا للقاعدة القانونية: ما يبنى على الباطل فهو باطل.
ومن الجدير بالذكر بان الولايات المتحدة وبريطانيا لم تكتفي بخرق ميثاق الامم المتحدة لوحدها، بل قامت ايضا بتشجيع بعض الدول على ممارسة نفس العمل، من خلال اقامة تحالف خارج الامم المتحدة بواسطة وسائل الاكراه او الرشوة، ويمثل مثل هذا التحالف إهانة واضحة وتحدي سافر لميثاق الأمم المتحدة وفقا للفصل الخامس من الميثاق.
وبعد الاحتلال فشلت الولايات المتحدة وبريطانيا ايضا، في تنفيذ التزاماتها كدولة محتلة بموجب اتفاقيات لاهاي لعام 1907 وجنيف لعام 1949. فبموجب القانون الدولي الانساني، يُفرضْ على الولايات المتحدة وبريطانيا، تأمين آليات حماية المدنيين الذين يقعون تحت سيطرتها، فيما يخص حقوقهم الشخصية وحقوق عائلاتهم ومذاهبهم ومعتقداتهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم، وحماية النساء من اي اعتداء على شرفهن وخاصة ضد الاغتصاب، وضمان توفير المواد الغذائية والطبية للسكان، وعدم ترحيل السكان المحليين، وحماية السجلات العامة ومحفوظات الدولة، وحماية الممتلكات الثقافية للبلد، واحترام القوانيين المحلية المعمول بها، اضافة الى امور اخرى فيما يخص القوات المسلحة والجيش والشرطة والتعليم والاقتصاد والنظام القضائي والتشريع الجنائي والقانون المدني والعملة والاعمال التجارية..الخ
وقامت الولايات المتحدة وبريطانيا بالاخلال بجميع هذه الالتزامات، وليس ذلك فحسب بل قامت ايضا، بأفعال لاأنسانية لايقوم بها الا الغزاة البرابرة في القرون الغابرة، حيث قامت باعتقالات جماعية وتعذيب في المعتقلات والسجون، وأباحت لقواتها قصف الاحياء المدنية بالطائرات المتطورة بشكل عشوائي، واستخدمت الاسلحة المحرمة دوليا كالقنابل العنقودية والاشعاعية، التي راح ضحيتها عشرات الالاف من المدنيين العزل، في انتهاك فاضح للقانون الدولي الانساني، والتي تدخل في نطاق جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.
وان جميع هذه الجرائم مثبتة من قبل المنظمات الدولية، كمنظمة الصليب الاحمر، ومنظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الانسان والمنظمات الحقوقية، كجمعية الحقوقيين العراقيين في لندن. وهي جرائم لا تسقط بالتقادم ومنصوص على عقوبتها في المادة 77 من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وان الولايات المتحدة وان لم تصادق على النظام الاساسي للمحكمة، ولكن ذلك لا يمنع من القاء القبض على الامريكيين المنسوبة اليهم مثل هذه الجرائم، عندما يتواجدون في دولة طرف في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ان المصيبة الكبرى، أن ترتكب مثل هذه الانتهاكات والجرائم من قبل دول متطوره تقود العالم الحر..! واعضاء دائميين في مجلس الامن، الذي بموجب المثياق، يتحملون مسؤولية خاصة وتبعات رئيسية في حفظ السلم والامن الدولي!
وهذا ما يجعلني أشبه السلوك الامريكي/ البريطاني المشين، بتشبيه لميكافيللي: (عليك ان تدرك ان ثمة سبيلين للقتال: احدهما بواسطة القانون والاخر عن طريق القوة. ويلجا البشر الى السبيل الاول اما الحيوانات فتلجا الى السبيل الثاني. )
ومن غريب المفارقة ان الامريكان والانكليز، الذين لجأوا حسب تشبيه ميكافيللي الى سلوك الحيوانات، وحولوا العلاقات بين الدول الى شريعة غاب، يطالبون الدول المجاورة للعراق وخصوصا (ايران وسوريا) بعدم التدخل في شؤون العراق الداخلية واحترام سيادة العراق!
وانطلاقا من المثل المتداول في العراق (اذا كان رب البيت في الدف ناقر.. فشيمة اهل البيت كلهم الرقص ) فكيف تلام ايران او سوريا او اي دولة اخرى من التدخل في شؤون العراق والعبث بسيادته ومقدراته، ورواد العالم الحر المتطور، وسادة النظام العالمي، هم اول العابثين بأمن العراق وأنتهاك سيادته، وتحويله الى ساحة للارهاب، وجعله حسب وصف صحيفة هآرتس الاسرائيلية الساخر (دولة ذات رافدين معروضة للتسليم العاجل لأي كان)!
د. راقية القيسي
جمعية الحقوقيين العراقيين - لندن
Ija175@btinternet.com
.