أصداء

ثقافتنا شفهية والمكتوب منها شمولي!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الورقة التي قدمت إلى مؤتمر الأقليات والمرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي عقد في زيورخ ـ
ربما هذا العنوان لايناسب من حيث الشكل لقاءنا هذا ولكن من حيث الوضع السوري وقضية الأقليات وحقوقها، وجدت من المناسب في الحقيقة الحديث عن سورية بكل صراحة وخارج كل الأطر السياسية والحزبية السورية، وخارج كل المانشيتات العريضة التي تمتلئ فيها المواقع المعارضة للسلطة السورية، هذه المانشيتات التي لازالت لم تستطع تبيئة مفاهيمها وفقا للوضعية التاريخية لسورية المعاصرة ـ زمنيا ـ وأصلا سورية من هذا الباب كدولة هي حديثة النشأة حيث أميل إلى إعادة تاريخ نشوء الدولة السورية إلى مرحلة الثلاثينيات من القرن العشرين. وقبل ذلك لم يكن هنالك وجود لدولة أسمها سورية، وقد صاغ الوجود الفرنسي ـ كاستعمار قديم ـ الهيكيلة التأسيسية لهذه الدولة القائمة الآن. حيث كانت سورية مجرد ولايات في العهد العثماني، وحاولت فرنسا إنشاء خمس دول في سورية تبعا لتوزع طائفي من جهة ومديني من جهة أخرى ووفقا لمستتبعات القانون الذي سنه السلطان العثماني سليمان القانوني في بدايات القرن الثامن عشر وسماه قانون الملل والنحل، هذا القانون الذي أحاط الأقليات المتواجدة ضمن سورية الطبيعية بسور من القراقوشية العثمانية. ولكن داخل هذا السور هم أحرار. ضمن هذا الوضع تسلمت فرنسا سورية. وهذا القانون في الحقيقة لم تفرضه تحركات الأقليات في سورية الحالية بل جاء نتيجة لتحرك الأقليات ونضالها في لبنان، وهذه الأقليات في لبنان هي من صاغت أيضا مقدمات نشوء الفكر القومي العربي في المنطقة! والذي في الحقيقة لم يصل أبعد من سورية والعراق. حتى جاء عبد الناصر وأخذ به. وتاريخ سورية الجغرافية الحالي في الحقيقة لم ينتج رموزا تنويرية باستثناء الشيخ عبد الرحمن الكواكبي في مدينة حلب والغني عن التعريف، والحالة التنويرية العامة والتي طالبت بالاستقلال العربي عن الحكم العثماني إنما جاءت بفعل تأثير الحركة التنويرية لمسيحيي لبنان. القصد من هذا القول هو التالي:
الأقليات الموجودة في سورية الآن كثيرة ولكن الأساسي منها هم الأكراد كأقلية قومية ـ ولا أريد هنا التعرض للقضية الكردية لأنها واضحة وسأترك هذا الموضوع للرفاق الأكراد ـ والمسيحية كأقلية دينية والعلوية والدرزية والأسماعيلة كأقليات طائفية. وسأبدا من الطائفة الأرثوذكسية المسيحية وهي التي تشكل الجسم الأساس من مسيحيي سورية، والتي بأكثريتها كانت تابعة لكنيسة انطاكية هذه الكنيسة التي بقيت تعارض التدخل الغربي حتى على صعيد البعثات التبشيرية وبهذا كانت أقرب لصياغة علاقة مع روسيا عبر الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في حلب ومع الآستانة في استنبول. ومثال من منطقتي حوران التي تشكل المسيحية الأرثوذكسية مركز الثقل العددي الثاني كتجمع نجدها كانت مادة للفكر البعثي منذ لحظة نشوءه على يد ميشيل عفلق وزكي الأرسوزي..الخ ولدرجة أن طلائعها تعتبر أن المشروع القومي العربي لايمكن أن يكتب له النجاح دون الحاضن الثقافي العربي الإسلامي. ولهذا يقال أن ميشيل عفلق قد أسلم وهو معروف باسم أبومحمد. أما الطائفة الاسماعيلية فهي طائفة صغيرة لا تتجاوز أقل من 2% من سكان سورية على ما أعتقد ولكن لها مرجعية علنية. وهي كانت رافد آخر للفكر البعثي واليساري في سورية الحالية. تماما كحال الطائفتين الدرزية والعلوية. وفرضيتي الأولى تقول:
إن التأسيس التاريخي لتلك الطوائف بما هي داخل جغرافية الطائفة السنية الأكثر عددا بشكل ساحق لم تستطع في سورية أن تنتج ثقافة عضوية بالمعنى الطائفي ـ وهذه ليست مرذولة كما يمكن أن يفهم بعضهم بل العكس هو الصحيح! أولا نتيجة للخوف من المحيط السني ربما وثانيا لأن ثقافتها بالأصل سرية والسرية هنا جزء من المقدس الذي يجب أن يستمر، وحتى هذا التاريخ نجد أن ما خرج عن هذه الطوائف لا يتعدى ما تم في لبنان على صعيد الطائفة الدرزية هناك التي شكلت مجلس عقلاء كمؤسسة تعتني بشؤون الطائفة، أما في سورية فالعقلاء لم يستطيعوا تشكيل مجلس علني حتى هذه اللحظة وهذا من حقهم بالطبع وفقا لدينهم وثقافتهم ووضع الطائفة تحت سلطة قمعية.
وهذا شكل مقدمة لا نخراط أبناءها في الأحزاب اليسارية والقومية. والطائفة العلوية في الحقيقة الوضع أكثر تعقيدا فهي لازالت حتى هذه اللحظة تتعامل مع المجتمع السوري بميزان الثقافة الشفهية. وٍاضرب مثالا كي أوضح الفارق:
إن الطوائف المسيحية في سورية لديها ثقافة مكتوبة تجاهر بها وتدافع عنها وتمثلها مسيحيا الكتاب المقدس. هذا الأمر بالنسبة للطوائف الإسلامية في سورية هو غير موجود مطلقا. بمعنى القول:
أنا مسيحي وهذا كتابي وهذا من حقي وهذه ثقافتي. تماما كما هو حال المتدين المسلم، ولكن ابن الطائفة العلوية يستطيع القول أنا علوي ولكنه لايستطيع القول هذا كتابي وهذه ثقافتي الدينية ـ وهذا من حقه بالطبع ـ هذه تبقي طائفيته طية مخفية تحت ثقافة الظاهر كما تسمى رغم حضورها القوي في سلوكه مثله مثل البشر الآخرين.
وعليه أنا بحاجة لمؤسسات من لدن هذه الثقافة تحميني. ومن جانب آخر فللدروز مثلا قوانين خاصة ومحاكم خاصة على مستوى الأحوال الشخصية وهذه غير متوفرة بالنسبة للطائفة العلوية. وهنالك حادثة طريفة ومأساوية! بتاريخ سورية: هنالك رجل أله نفسه أسمه سليمان المرشد كمنشق عن الطائفة العلوية وبدعم من السلطات الفرنسية آنذاك وهذا الرجل تم إعدامه. كرب للطائفة المرشدية ـ والتي تقول الإحصائيات التقريبة أن تعدادهم 50 ألف نسمة ـ والتي هي انشقاق عن الطائفة العلوية كما ذكرنا، ولم نجد من يدافع عن عدم إعدام الرجل رغم أن الحجة كانت هي تعاونه مع الاستعمار الفرنسي وبتواطئ من كل فاعليات المجتمع السوري آنذاك. وعندما دخلت الدولة السورية مرحلة الاستقلال والديمقراطية والتي كانت بتطورها قد تتيح لجميع مكونات المجتمع السوري أن يعبر عن نفسه وعن ثقافته جاءت التيارات البعثية والناصرية لتقطع الطريق على هذه المسيرة الديمقراطية العرجاء بالضرورة لأنها حديثة النشأة ولم تكن تستطيع طلب الدعم من الغرب لهذه الديمقراطية بحكم الصراع العربي الإسرائيلي وملحقاته الأيديولوجية، وتخلى الغرب عنها وتسلمها الضباط والعسكر منذ عام 1958 وحتى هذه اللحظة. هؤلاء الضباط في الحقيقة هم مثلهم مثل أي كائن بشري موجود في سورية تتنازعهم ميول قومية وطائفية ودينية..الخ
ولكن الميول الطائفية غير مصرح بها وإن عملت في السر والعلن لاحقا فٌإنها وليدة ثقافة شفهية سرية ـ وفي هذا الإطار يقول غسان سلامة في كتابه أزمة الدولة في المشرق العربي أن هؤلاء الضباط كان في خلفية وعيهم منذ نهاية الخمسينيات مشروعا طائفيا للسلطة. والعلن لم يصب هذه الثقافة ويخرجها إلى فضاء الكتابة والحرية، بل تم قمع محاولات جرت لكتابة هذه الثقافة من قبل سلطة هؤلاء الضباط ولازال الأمر كما هو على حاله! لذا هنالك من يتحزر من بعض المعارضين: أن هنالك مجلس ملي سري للطائفة العلوية! وهذا غير صحيح من وجهة نظري بالطبع مع إيماني بأن من حق المتدين العلوي أن يكون له مؤسساته المدنية التي يحميها الدستور المدني ويكفل له حريته. وبناء على هذه المقدمات السريعة التي غايتها إحياء الحوار والنقاش بعيدا عن الخوف ومن أجل مصلحة كل مكونات الشعب السوري:
بات لدينا حالة فريدة من نوعها في سلطة سورية يمكن تكثيفها عبر عنوان لمقال كنت قد كتبته قبل سنتين تقريبا وأثار ما أثار ومنشور في القدس العربي لمن يود الاطلاع عليه:
والتكثيف هو: السلطة السورية بين طائفية الوعي والوعي الطائفي. فهي تقبع في المنطقة الوسط بين أن تخرج للعلن طائفية وعيها عبر مؤسسات وبين أن تتخلى عن وعيها الطائفي للمساهمة في التغيير نحو الدولة المدنية الديمقراطية التي تعطي لكل الأقليات حقوقها الإنسانية، ونحو دولة عصرية. والتخلي عن الثقافة الشفهية: أقله في الممارسة السياسية السلطوية. هذه الوضعية السورية المعقدة تغيب في الحقيقة عن لوحة الكتابة المعارضة وغير المعارضة ويمكن أن يبدأ الذي يريد بكتاب للسفير الهولندي في القاهرة سابقا نيكولاس فان دام وعنوانه: الصراع على السلطة في سورية. لكي يتعرف على جوانب مهمة من تاريخية الوضع السوري.
هنالك من يقول: أن السلطة ليست طائفية في سورية بل استخدمت الطائفة العلوية أوافقه على ذلك وهنالك من يقول أن السلطة طائفية، أيضا أوافقه على ذلك ولكن:
الأمر الخطير هو أن هذه السلطة لا تستطيع أن تكون سلطة طائفية مؤسسية وبنفس الوقت لاتستطيع إلا أن تكون طائفية عبر مسارب أسميها لاقانونية ولا شرعية..الخ تعتمد ثقافة شفهية وهنا بيت القصيد بالنسبة لما أود إثارته من نقاش.
مثال: 90% من ضباط الجيش هم من أبناء الطائفة العلوية حاليا، وهل هذا الأمر نتاج نص مكتوب أو نتاج نص قانوني؟. والطائفة العلوية لاتشكل سوى 14% من سكان سورية! إذن هذه المعضلة التي تعيشها السلطة، وهي من تقف حجر عثرة حتى في مواجهة تجديد بني السلطة الديكتاتورية نفسها! فما بالنا أمام إيجاد تغيير حقيقي للدولة والمجتمع؟
بساطة القول في مثال أخير: أنا كنت في حزب العمل الشيوعي في سورية هذا الحزب الذي دفع كل مناضليه آلاف السنين من السجون فيما لو تم جمع سنوات سجنهم:
كان يقول في أدبياته منذ تأسيسه في العام 1976: إن النظام السوري نظام ديكتاتوري ذو سمات طائفية. ومن لايعرف أقول أن غالبية رفاقي في هذا الحزب الذي وصل عدد معتقلينه في مرحلة ما إلى أكثر من 800 معتقل هم علويون بالولادة! والسؤال الذي يفترضه منطق الحزب والذي لازلت أراه نسبيا سليما في تحديد طبيعة نظام حافظ أسد هو:
في بداية السبعينيات كان نظاما ديكتاتوريا ذو سمات طائفية ماذا حل بهذه السمات الآن ونحن في عام 2007 أي بعد ثلاثين عاما ماذا حل بهذه السمات؟ وأنا إذ ضربت مثالا على الجيش أقول: أنه في ذلك العام 1976 لم يكن ضباط الجيش من الطائفة العلوية يتجاوزن ال30 إلى 40% والآن كما قلت وصلوا إلى 90%.
لا أعرف ربما أطلت عليكم ولكن في النهاية أقول أن في سورية ليس هنالك مشكلة أقليات فقط بل هنالك مشكلة مجتمع بحاله مع سلطة لا تريد أبدا ترك هذا المجتمع خلفها بخير، سلطة ارتكبت أفظع المجازر وأعدمت من أعدمت وشرذمت المجتمع وذررته ولازالت تقوم بقمع المناضلين والنشطاء وليس نكتة فقد تم تحويل ميشيل كيلو ورفيقي محمود عيسى إلى محكمة عسكرية أخرى لأنهم ينشطون لصالح إعلان بيروت دمشق داخل سجنهم في سجن عدرا! هل لكم إذن أن تتصوروا أي نوع من السلطة في بلادنا. ومن يمنع انبثاق حقوق الأقليات في سورية ليس الأكثرية العربية أو السنية بل من يمنع هذا المشروع العصري لدولة عصرية هي سلطة واضحة رغم أنها تشبه الحرباء في تلونها. وعلى المجتمع السوري أن يتجاوز هذه العقبة، وعندما تقف الأكثرية الشعبية بمواجهة حقوق الأقليات عندها نكون فقط في حالة حرب أهلية سورية والسبب فيها ووصولها إلى هذه الحالة هو السلطة. لأن من يعرف سورية جيدا يعرف أن الطائفة السنية لا يمكن أن تتوحد لا دينيا ولا طائفيا ربما تنتج تنظيمات إرهابية سلفية ومتشددة ولكنها ستبقى أقلية خارجة عن القانون! ولهذا الأمر ربما نقاشه الآخر. ما أردت قوله أيضا: أن ثقافة السلطة المصدرة للمجتمع وللعالم هي ثقافة مكتوبة وشمولية لأنها ثقافة البعث! أما الثقافة التي تتعامل فيها السلطة داخل المجتمع السوري هي ثقافة شفهية تكرس التذرر الطائفي للمجتمع. وتتلخص إحدى مقولاتها على لسان السلطة:
أنا مستهدف في الداخل ليس لأني سلطة فاسدة وقمعية بل لأني سلطة علوية، وفي الخارج مستهدفة لأنني سلطة تدعم المقاومة وسلطة ممانعة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي وهذه نكتة لم تعد تنطلي على أحد. وهذا الفارق مثلا عن سلطة الرئيس مبارك الذي لايستطيع القول أنه مستهدف لأنه سلطة سنية؟!
وأقول في النهاية: الديمقراطية لاتمنع الطائفية ولكنها تنظمها وفق دساتير وقوانين وحقوق إنسان للوصول إلى ما نريده دولة المواطنة والعلمانية. فيجب تفويت الفرصة على السلطة من جهة وعلى القوى التي ترعاها هذه السلطة والتي هي قوى طائفية من جهة و سلفية سنية من الجهة المقابلة والتي يمكن أن يتحول كلاهما إلى مادة إرهابية بوجه المجتمع السوري كله في مرحلة ما.
وشكرا.

غسان المفلح

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف