أصداء

الحكومة الفلسطينية بين تبخر الآمال وبوادر الفشل

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بين تبخر الآمال وبوادر الفشل

يبدو واضحاً أن حكومة الوحدة الوطنية لم تبرز حتى الآن أي نجاح يذكر في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وقد يرى البعض أن الحكومة لم تعط بعد الوقت الكافي للحكم على إنجازاتها أو إخفاقاتها، ونحن نتفق مع ذلك ولكن ذلك لا يعني قراءة المؤشرات القائمة في محاولة بالطبع أولية لتقييم قدرتها على اتخاذ القرار وكيفية تنفيذه في ظل الواقع المحلي والإقليمي والدولي.

فعلى الصعيد المحلي لا يزال الفشل حليف الحكومة في موضوع معالجة الانفلات الأمني حيث أن حوادث القتل والخطف على خلفيات سياسية لا تزال قائمة لاسيما في محافظة شمال غزة. وأن هناك عائلات تخوض قتال بالوكالة عن الفصائل الفلسطينية. وأن حوادث السرقة وخاصة سرقة السيارات قد ازدادت وتيرتها. فهناك زميل سُرقت سيارته أثناء تأديته لصلاة الجمعة، وشخص آخر سُرقت سيارته أثناء تأدية واجب العزاء في أحد المعارف وهكذا دوليك. وهناك الصحفي البريطاني آلن جونستون المختطف منذ عدة أسابيع دون أي نجاحات تذكر في مجال العثور عليه. وهكذا فإن قطاع غزة ذا المساحة المحدودة تقع به حوادث بحجم ولاية من ولايات المتحدة الأمريكية دون أن تحقق الأجهزة الأمنية الذي يبلغ تعدادها وتعداد أفرادها أكثر دول قائمة، وضعف مساحة قطاع غزة. والحقيقة أننا لو قمنا بعملية إحصائية لوجدنا أن هناك في المتوسط رجل أمن لكل منزل في قطاع غزة، ومع ذلك فإن الوضع الأمني في تدهور مستمر دون أي مؤشرات فعلية على وضع حد له اللهم سوى تصريحات واجتماعات لا تسمن ولا تغني من جوع.

كذلك على الصعيد الداخلي هناك اتهامات متبادلة بين الفصيلين الكبيرين بممارسة سياسة الإقصاء في الوزارات. وهذا يعني أن عقلية المحاصصة هي التي تسود في التعامل داخل الوزارات. فهناك الاتهامات المتكررة من قبل حركة حماس لوزير الصحة بممارسة سياسة الإقصاء، وهناك اتهامات مماثلة أيضاً لوزير النقل والمواصلات. هذا لا يعني أن حركة حماس بريئة من هذه السياسة بل يمكن القول إنها مارست وتمارس سياسة الإقصاء بدرجة لا تقل عن حركة فتح في سنوات تفردها بالنظام الرسمي الفلسطيني. وأن هذا يشير إلى تعامل طل طرف مع وزارته على أساس أنها قلعته التي يجب أن يتحكم بها إدارة وتوظيفاً، وأنها ليست وزارة للشعب الفلسطيني بأكمله. وهذا يبرز أيضاً أن مبدأ تكافئ الفرص غير مجسد على أرض الواقع، وأنه يتم التعامل مع كل وظيفة لاسيما الوظائف الكبرى والوسطى على أنها امتيازات سياسية لهذا الفصيل أو ذاك. وأن كل وزير داخل وزارته يحاول أن ينسف قرارات سابقه ويعتبرها كارثة وسموماً أعيت جسم وزارته. ويخشى هنا من استمرارية عقلية الإيثار والثأر في العمل الإداري لكل وزارة، وسياسة التطهير للأشخاص والقرارات الإدارية السابقة يجعل كل وزارة تدور في فلك الهدم والتقويض بدلاً من التقدم بها خطوات للإمام. وكل ذلك يعطي مؤشرات خطيرة على عدم تعامل الطرفين مع حكومة الوحدة الوطنية على أساس مبدأ الشراكة الفعلي وليس الشعاراتي. فمن الواضح أن الشراكة تعني شراكة حقيقية في رسم الاستراتيجيات وصنع القرار، وتعزيز الانتماء الوطني للكل على حساب الجزء، وتجاوز البعد الفصائلي في الإدارة اليومية للحكومة. وأن يكون العمل للصالح العام لاسيما وأن شعبنا قد أبدى تفاؤلاً كبيراً، وعلق آمال عريضة على حكومة الوحدة كمنقذ أخير من الانفلات على الصعد كافة.

وهناك على الصعيد المحلي الإحباط الذي تولد لدى الكثيرين بسبب تقاعس أو عجز الحكومة عن توفير راتب هذا الشهر، حيث لم يتسلم الموظفون الحكوميون المدنيون والعسكريون سوى سلفة بقيمة 1500 شيكل، وهناك العديد لم يتسلموها بعد. وهذا يشير إلى أن الحكومة لم تستفد الكثير من برنامجها السياسي المعتدل، وأن ما جاء في برنامجها التي نالت على أساسه الثقة لن يكون سوى حبراً على وراء كما كان البيان الوزاري للحكومة السابقة ناهيك هن أن برنامج الحكومة الحالية كان طموحاً وترك لنفسه العنان للوعود بلا حدود أو تحفظ. وقد لا نبالغ أن الكثير نظر إلى الحكومة الحالية على أنها حكومة تحصيل رواتب ليس إلا، أي أصبح لا يعنيه أي إنجازات للحكومة سوى تحصيل الراتب بسبب تردي الأوضاع المالية، وعدم التزام الحكومة السابقة بالاتفاقيات التي وقعتها مع النقابات والاتحادات المعنية. ولذلك فإن مؤشر السلفة الأخيرة يعني أن الحكومة الحالية ستكون حكومة سلف كسابقتها.

أما على الصعيد العربي فيبدو أن قرارات القمة العربية الأخيرة لن تكون أفضل من سابقاتها، وأن الوعود العربية برفع الحصار... الخ ليس سوى ذراً للرماد في العيون. وأن القمة الأخيرة لم تكن سوى قمة استجداء فقط، وقمة اجترار لقرارات سابقة. حيث أنها مؤشراً واضحاً على إفلاس النظام السياسي العربي. فقد قدم العرب مبادرتهم هذه في قمة بيروت 2002م، وكانت النتيجة قيام الدبابات الإسرائيلية بالدوس عليها بما عرف بعملية السور الواقي في الضفة الغربية. وبدل أن يبحث النظام العربي عن بدائل وخيارات أخرى، أو يعود للخيارات السابقة ويعززها فإنه أصبح يدور في حلقة مفرغة من الإفلاس السياسي. وكان مشاركة الحكومة الفلسطينية في مؤتمر القمة دليلاً على تعاطيها مع النظام الرسمي العربي، وأنها لا تقل إفلاساً منه. فالجانب الفلسطيني قد حقق التهدئة مع الجانب الإسرائيلي طيلة الشهور السابقة فماذا حقق من ذلك. وبالرغم من قيام الحكومة في بيانها الوزاري أمام المجلس التشريعي بالدعوة الصريحة للمقاومة الجماهيرية الشعبية (أي العمل الجماهيري السلمي) إلا أنها لم تجد لذلك آذان صاغية. ولم تحقق الحكومة انجازات كبيرة من وراء اللهاث وراء النظام الرسمي العربي.

أما على الصعيد الدولي فيبدو واضحاً أن الاختراق الحكومي له لم يكن كبيراً، وأن اللجنة الرباعية لا تزال على موقفها بوجوب الاعتراف الصريح للحكومة بشروط الرباعية. وأن الدول التي تعاطت إيجابياً مع الحكومة الفلسطينية ليس لها تأثيراً كبيراً على مستوى صناعة القرار في الاتحاد الأوروبي. ومن هنا فإن موقف الاتحاد الأوروبي لا زال يدور في فلك الموقف الأمريكي الذي يتماهى مع الموقف الإسرائيلي. وأن السياسة الأوروبية تقوم على إحداث الانقسام وتعميقه داخل الحكومة الفلسطينية من خلال الانتقائية في التعامل مع وزرائها، حيث تلتقي مع وزراء حركة فتح والمستقلين دون أي لقاءات مع وزراء حركة حماس، وهذا يعني أن هناك مساعي لتقسيم الحكومة الفلسطينية إلى حكومتين: حكومة محاصرة بالكامل أو شبه الكامل، وحكومة غير محاصرة على صعيد الأفراد واللقاءات ولكنها محاصرة على صعيد النتائج المتوخاة من هذه اللقاءات. وهذه الازدواجية في التعامل مع الحكومة الفلسطينية دفع برئيس الوزراء إلى التهديد بأن حكومته قد تتخذ خيارات أخرى في حالة استمر الحصار السياسي والمالي للحكومة مما يعني أن رئيس الوزراء بدء ينفذ صبره، وأن الحكومة لم تكافأ ما كانت تصبو إليه بسبب موقفها المعتدل.

إن الحكومة الوطنية الفلسطينية مطالبة بالقيام بعملية تقييم ذاتي لبرنامجها الحكومي، وما تم من نجاحات وإخفاقات حتى الآن، وكذلك في المرحلة القريبة القادمة كي تواجه الشعب وتصارحه بحقيقة الموقف. وعليها من الآن أن تدرس الخيارات والبدائل بما فيها الدعوة لحل السلطة الوطنية الفلسطينية، وتحميل الاحتلال مسؤولياته الدولية التي يتهرب منها خلف سلطة حكم ذاتي هزيلة لا تستطيع التحكم في سجلات مواليد ووفيات سكانها، ولا بمعابرها وفوق ذلك محاصرة من مجتمع دولي يريد أن تبقى السلطة الفلسطينية مجرد واجهة كيانية فلسطينية بدون مقومات حقيقية، ومجردة من حق المقاومة لمحتل يضرب بعرض الحائط كل قرارات الشرعية العربية ولا يقيم وزناً لقرارات القمم العربية التي قال عنها شارون سابقاً بأنها لا تساوي الورق التي كتبت عليه.

د. خالد محمد صافي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف