أصداء

عندما احترقت القيم والذمم

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عندما نتكلم عن سقوط هبل واللات والعزى فقد حلَّ محلهم اطهر الأنبياء وأروع الرسالات السماوية التي أخذت بيد الإنسان إلى العزة والهداية والطريق القويم، أخرجتهم من الظلمات إلى النور وعلمتهم كيفية الجلوس والكلام والطعام وحتى أدق قوانين الطهارة، ولكن عندما سقط صنم الطاغوت في بغداد الوديعة، احترقت القيم، وانهدمت النواميس وأصبح الحرام حلالا والسرقة متعة وقتل النفس البشرية التي حرم الله قتلها لعبة يتسلى بها الرعاع وشذاذ الأفاق وعملاء الضمير الميت.


نحن لسنا بموقع العتاب بل بموقع السارد لما حصل من جرح عميق ينزف قيحاً ويصيب الفرد بسرطان لم يُسمع به ولن يُسمع به، نحن نعاني من مذبحة لا مثيل لها حتى في زمن هولاكو ولن يحصل مثلها مطلقاً حتى بين الحيوانات الأشد وحشية. شعب يُقتل لأنه طالب بحريته ولقمة عيش كريمة، شعب يُباد لأنه عريق كعراقة الحضارة التي نمت وترعرت بين جنباته، شعب يحرق ويدمر بأبشع أنواع الجريمة على يد حفنة بكت وناحت ولطمت وأصيبت بجنون السرقة والعظمة سوية، وعندما يُبتلى الإنسان بواحدة من هذه الصفات هو نكبة له، فكيف نحلل هذه الشخصيات العفنة عندما تُصاب بالشرور اجمعها؟


لقد مر العراق العظيم بتاريخ حافل من الغزوات والاستعمار والقتل والنهب لم يمر شعب قبله بهذا الهوجان الغادر، لقد تلاقفته الأيدي من فرس وأتراك وإنكليز وقبلهم هولاكو والحجاج وهلم ّ جر من المتوحشين، وما كاد أن يتنفس حتى يحلُّ عليه ضيف قاتل أخر، كلها أصبحت في طي التاريخ وتعلمنا منها الحكم والمحافظة على الذات والأرض، لكن ما يحصل في ارض الرافدين في القرن الواحد والعشرين لم يصدقه لا عقل سوي ولا عقل مخبول، انقلب العراق إلى ساحة عمالة والكل يجري لإرضاء سيده، كيف يفقد الإنسان عقله عندما يصبح عميلاً لبلد أخر ويفتك بشعبه وحرمة عرضه وماله؟


لقد أراد العرب والعجم للعراق أن يخر صريعاً للنفس السياسي الرذيل، وللعداء التاريخي المتأصل في مفاصلهم، عندما تهب علينا الريح من الشرق والتي تمَّ تهريب نصف من يحكمون إليها تأتي إلينا الحمى الطائفية المقيتة، وعندما تأتينا الرياح من الغرب ندفع ثمنها من نفطنا ومالنا وأمننا. لقد أمعنوا حرقا وابادة بهذا التربة وشعبها، حرقوا كتبها ورموها في نهر دجلة معتقدين بأنهم سيحيلو بغداد الى خربة تنعق بها الغربان، لكنهم نسوا أن العراق مرت به جحافل جيوش أرادت إنهائه لكنها لم تفلح مطلقا، انتفض الهادر العملاق من داخل نفسه وبنى وعمر وأصلح ما أفسدته تلك الفئات العفنة.


كلام في كلام ينبع من معاناة دامية وحلم طويل اختصره الزمن من اجل تحقيق رغبة واحدة هي بسيطة ومعقدة في وقت واحد. عندما نطالب بعودة الأمن إلى العراق لن نطلب شيئا صعبا، إن الأمن موجود في نفوس العراقيين لكن من يدير العمليات هم حفنة عميلة إيرانية أمريكية اسرائيلة تفخخ وتهدم وتسرق دم وحياة ومستقبل وامن ومال شعبنا. هربوا عندما حانت ساعة الصفر، هربوا ليس خوفا بل هربوا عندما طالبهم سيدهم بالاختفاء من الصورة والعودة بعدها لإكمال المخطط الخبيث، والاستمرار في كتم النفس العراقي.


إن تفشي الفساد الذي استمر على امتداد السنوات العجاف في الزمن الغابر حلَّ محله فساد بجلباب وعمامة، وعندما اختفى حزب وعائلة حلت محله احزاب عميلة تستمد ايدلوجيتها من بطون الكتب الصفراء والمناخات الخارجية، وعندما انكشفت المقابر الجماعية حلت محلها مقابر جماعية علنية يديرها ويخطط لها ويشرف عليها صلافة لا مثيل لها، فساد مكشوف مغلف بالسرقات القاسية والتهريب المنكر لثروات الشعب بعد أن استُنزفت مسبقا من العائلة التكريتية التي نهبت الأخضر واليابس ووضعت العراق تحت حصار مدمر لن تجرؤ الأمم المتحدة ولا سيدتها أمريكا على فرضه على أي بلد أخر.


لقد سقطت عروس العواصم على يد الطغمة المدججة بسلاح فتاك بعد أن سلمها صدام بكل بساطة لهم، سقطت بغداد واحترقت أحشائها المعطاء على يد سراق وعملاء جاؤوا مدججين مع أسيادهم وابتسامة الموت على وجوههم، سقطت بغداد ويا للأسف جلسوا على شكل مجلس حكم يرأسهم غريب ولكنهم أكثر اغتراباً وتعفنا منه، إنه يمثل مصالح بلدهم، لكنهم العراقيون الممتثلون للغة الأسياد جلسوا يتقاسمون الأموال خلف متاريس ضخمة وتحت حماية العظمة الأمريكية لا يعرفون ما يدور في شوارع عروس العواصم من قتل وتنكيل على يد مليشياتهم ومن دُفع له اجر لعبه بالرصاص والسيارات المفخخة، دخلوا الأحياء التاريخية ولم يتركوا شبرا لن يدنسونه بأرجلهم، باسم تطبيق قوانين الإبادة الجماعية، وتعطيل عجلة الزمن وتهديم جميع البني التحتية والفوقية وهرب جلهم كما هرب حشد صدام بمال العراق وتركوا خلفهم الكوارث للباقين باكمالها.


لكن ستبقى عروس العواصم وسيبقى شعب العراق حياً لن يموت، والخزي والعار لمن سبق ولمن لحق ولمن هرب ولمن بقى يكمل المخطط الرهيب في إنهاء العراق، العراق باق لن يموت كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما حصلت الردة بعد وفاة الرسول العظيم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلوات والسلام " من كان منكم يؤمن بمحمد فإن محمد قد مات، ومن كان منكم يؤمن بالله فإن الله حي لا يموت".

الدكتورة خوله الزبيدي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف