حادثة ديريك و البعد التاريخي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يدرك كل من ساهم في تطويق الحادث المؤسف الذي تعرض له بلدة ديريك، حيث يعيش الكرد و السريان جنباً الى جنب منذ عشرات السنين، أن مقتل الشاب الكردي جوان أحمد محمد و جرح أخرين على أيدي مجموعة من الشبان السريان، ليس مجرد حادث إجرامي عابر، ممكن حدوثه في أي وقت و مكان. و كذلك إعتبار الغضب الجماهيري العارم في ديريك من قبل الكرد مجرد فورة حزن عادية على شاب قضى و هو ما يزال في مقتبل العمر. القضية بإختصار تتعلق بجرح تاريخي يرزح تحت وطأته ذاكرة الشعب السرياني /الآشوري، الذي يدعي تعرضه للإبادة الجماعية من قبل الأتراك و الكرد في بداية القرن الماضي.
الحادث كشف عن أزمة العلاقة بين القوميتين المتعايشتين، وما تناقض الخطاب التاريخي و السياسي، إلا منعكس حقيقي لأزمة هذه االعلاقة. فمنذ إنتفاضة 12 آذار في مدينة القامشلي و باقي المناطق الكردية و تواجد الكرد في 2004، صعد سياسيو و مثقفو السريان و الآشوريين خطابهم المعادي و المركز بإتجاه الكرد و مطاليبهم القومية، مصرين على التقوقع في حدود الخطاب القومي العروبي الرافض لوجود مسألة قومية كردية في سوريا، تخص شعب يعيش فوق أرضه التاريخية، معتبرين " إدعاءات" الكرد القومية تزييف لحقائق التاريخ و الجغرافيا، و سعي لتقسيم سوريا.
و عليه بقيت العلاقة بين النخب السياسية و الثقافية بين القوميتين مرهونة بحساسية الظل التاريخي المطل على الإحتكاك اليومي بين أبناء الشعبين. و للإنصاف يمكن القول أن حصة السريان و الآشوريين في تعطيل دورة الحياة الطبيعية بين القوميتين تشكل القسم الأكبر، وذلك من خلال تركيزهم المتصاعد على ضرورة إلتزام الكرد في سوريا بسقف" الخطاب الوطني المعارض " المستند على المساواة في حقوق المواطنة، و إستبعاد الحل السياسي للقضية الكردية، بإعتبارها قضية شعب يقارب تعداده 3 ملايين. و لعل هذا الأمر كان له الأثر البالغ في موقف المنظمة الديمقراطية الآشورية عندما رفضت التوقيع على إعلان حلب، بإعتباره إقراراً بالبعد القومي للمسألة الكردية، و إستحقاقات حلها بشكل عادل و مشروع في إطار الدولة السورية الحالية.
لهذا لا تنفع سياسة التهدئة على المدى البعيد في تجنيب ابناء الشعبين حوادث من شأنها تعميق الجرح و توسيع الشرخ، و إنما من واجب نخب الطرفين التحاور و الإتفاق على حل الخلاف التاريخي بين الطرفين، سواءاً تعلق الأمر بمشاركة بعض الكرد لدوافع دينية في قتل بعض السريان أو الآشوريين، وتقديم الإعتذار الرسمي عنها، أو تعلق الأمر بالخلاف السياسي الراهن حول مطالب الكرد و مفردات خطابهم القومي، و إنزعاج الطرف الأخر منها، و لا سيما السريان و الأشوريين.
فقد دأبت القوى السياسية و النخب الثقافية السريانبة و الآشورية منذ عدة سنوات على ممارسة سياسة إزدواجية، و متناقضة في جوهرها، و إنبطاحية في شكلها، تتمثل في إنخراط أبناء جلدتهم في دوائر الدولة و أجهزة الأمن و فروع حزب البعث بإيعاز من أحزابهم، في الوقت الذي إنخرطت فيه نفس الأحزاب في إقامة العلاقات مع أطراف المعارضة السورية، و تبنت مواقفها و تصوراتها حول مستقبل البلاد، الأمر الذي حرم المكون السرياني و الآشوري من مكانة لائقة في الخارطة السياسية السورية.
و علاوة على ذلك، بدى من جميع تصرفات و تحركات السريان و الآشوريين السياسية و الثقافية و كأن هدفهم هو عرقلة جهود الحركة الكردية في سبيل تحقيق مطالب الكرد القومية من خلال إثارة الشكوك و المخاوف حول نواياهم و أهدافهم. و كان الهدف من كل هذه التحركات الإنضمام الى جهود عزل الحركة الكردية و تهميشها، و إعتبارها في نهاية المطاف، كحركة تعمل على تعريض السلم الأهلي و الإجتماعي في البلاد للخطر.
من هنا لا بد أن تعي الحركة الكردية الواقع الحقيقي للتعايش القومي في المناطق الكردية، و أن تأخذ في حسبانها أن تفعيل الحراك الكردي و تصعيده، تثير حفيظة المكونات الأخرى، و تدفعها الى ممارسة أعمال و تصرفات عدائية في كثير من الأحيان ضد الكرد. فكان من نتائج هذا الإضطراب أن تعرضت العلاقات بين ابناء القوميات الثلاث، الكردية، العربية و السريانية / الآشورية بعيد إنتفاضة آذار على وجه الخصوص للضرر، وطالت كافة مناحي الحياة اليومية، و السبب في كل ذلك إتهامات كردية صريحة لبعض السريان و الأشوريين على سبيل المثال بتصوير المشاركين في إنتفاضة آذار و تسليم تلك الصور و مشاهد الفيديو لأجهزة الأمن، الامر الذي ساعد في إعتقال العديد من أبناء الإنتفاضة من قبل أجهزة الأمن السورية، تعرضهم للتعذيب و المعاملة القاسية.
و هذا الأمر لا يعني على الإطلاق الإنجرار الى دوامة الحقد و الحقد المتبادل، و إنما يشكل رؤية الواقع و معطياته على حقيقتها دافع للبحث عن سبل إيجاد حوار بناء و فاعل بين الكرد من جهة و باقي القوميات الأخرى من جهة أخرى، بغية الوصول الى صيغة تضمن وضع التعايش القومي في المنطقة الكردية على سكتها الطبيعية، لان من شأن إي إضطراب أو خلل في هذا التعايش أن يدفع النظام الحاكم الى الإستفادة منه و اللعب عليه للإستمرار في سياساته و ممارساته القمعية و الإستبدادية في البلاد.
زيور العمر