من يزرع الرياح الأصولية يحصد العواصف الإرهابية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أنظمة الاستبداد: من يزرع الرياح الأصولية يحصد العواصف الإرهابية!!!
آخر هدايا القاعدة، وخبطات خلايا الإرهاب الأصولي النائمة، كانت في الجزائر اليوم، بعد يوم دام آخر، وحزين في الرباط. لقد حصد الإرهاب حتى لحظة كتابة هذا السطور تسعة عشر قتيلاً، وأثنين وثمانين جريحاً، والحصيلة مرجحة لمزيد من التصاعد، والارتفاع. واستهدف أحد الانفجارات مقر رئاسة الحكومة كضربة عملياتية وعسكرية فيها شيء من استعراض القوة لقدرة تلك الخلايا على الوصول إلى مراكز حساسة في قلب الدولة، ورسالة ذات مغزى ونكهة خاصة، ودليل كبير على تمكنها من اختراق جميع الإجراءات الأمنية الصارمة، وإصرارها على الخيار العنفي كسبيل وحيد للتحاور مع النظام السياسي القائم في عملية ملفتة من تبادل الأدوار بين الطرفين اللذين يتنازعان مصير هذا البلد. والأمر برمته ليس جديداً، أو مفاجئاً، ففي كل ثانية يتوقع المرء تفجيراً هنا، أو هناك. لا بل صار الموت اليومي والمجاني جزءاً من الفولولكلور الوطني العام في منظومة الاستبداد الممتدة، من المحيط إلى الخليج. فالخلايا النائمة في عواصم، ومدن، وبلدات، وقرى حكومات الاستبداد هي واقع حقيقي لم يعد من المجدي تجاهله أو تجاوزه، والقضية برمتها أصبحت قضية توقيتات فقط لا غير؟
ففي محاولاتها الدائمة والحثيثة لفرملة العملية النهضوية والحداثوية التي يعتقد على نطاق واسع بأنها ستطيح بكل البنى والهياكل القديمة والمتآكلة ومن ضمنها هذه الأنظمة البدائية المهترئة والمتخلفة، فقد عمدت أنظمة الاستبداد نفسها على عقد حلف مقدس ومصاهرة مع القوى السلفية والأصولية لترويج الفكر الديني كبديل للعصرنة المطلوبة، ذاك الفكر الذي من شأنه سد الفراغ والخواء الإيديولوجي الموجود، والركون إليه واعتباره الحاضن الأوحد للثقافة المجتمعية، ولإبعاد التأثيرات الفكرية الأخرى. ومن هنا وجدت منظومة الاستبداد في الفكر الديني الملاذ الآمن، والحصن ضد أية عملية تحول مرتقبة. وطوردت لذلك كل القوى العلمانية والليبرالية، والتنويرية، وأقصيت عن الساحة، وأفسح بالمجال لتلك القوى الماضوية للعمل علناً، والنشاط، وإحكام سيطرتها على كافة مفاصل المجتمع.
ثمة ربط وتنسيق، بين ما جرى في الجزائر اليوم والرباط بالأمس ليؤكد على حضور "قاعدي" فعال، ومتجذر في تلك المنطقة من العالم قادر أن يضرب حالما تصله أية إشارات، أو إيعازات لإحداث أثر سياسي ما، والمتعلق ربما، بترتيبات لحقبة سياسية جديدة، ولسان الحال يقول نحن هنا ولسنا خارج أية معادلة أو تسوية سياسية. وأما الحديث عن اختراق هذه الجماعات من قبل أجهزة إقليمية، أو دولية، فقد لا يكون ذا فائدة كبيرة، أو معنى في هذا السياق، فالضرر الحاصل هو الأس ومحور النقاش. ولن ينفع الآن تصريح رئيس الوزراء الجزائري اليوم، بأن هذا العمل هو إجرامي وخطير، فقد سبق السيف العذل. والعمل الإجرامي والخطير، بالأساس، هو في قمع، وإقصاء القوى العلمانية والليبرالية واليسارية، وإفساح المجال للقوى السلفية والأصولية للعمل العلني، ووضع المنابر الرسمية، تحت إمرتها وعدم تبني خيارات ديمقراطية وانتعاش اقتصادي مما سهل على القوى الماضوية للتغلغل إلى عقول الشباب من أبواب الفساد والاستبداد.
لقد أخرجت أنظمة الاستبداد، وكما فعل السادات، هذا المارد الإرهابي الجامح من قمقمه، وتسامحت معه وغذته، وتغاضت عن نشاطاته، وعليها أن تتحمل اليوم نتيجة هذا العمل، إرهاباً، وتفجيرات، وسفكاً للدماء. لا عجب اليوم، البتة، إن حصلت تفجيرات في شوارع القاهرة، والرياض، والكويت، والجزائر والرباط وصنعاء. فحجم التجييش، والتحشيد والخطاب الدعوي الحماسي اللاهب الموجه خصوصاً للشبان، والفتيان، وكما يقتضي المنطق، لا بد أن يجد قنوات تصريف له، وهذه القنوات لن تكون بالطبع سوى أحزمة ناسفة، وسيارات متفجرة، وأجساد مفخخة في الشوارع المنكوبة، والمناطق المأهولة بالمدنيين والأبرياء.
وما لم يتم تبني خيارات ديمقراطية، وإنجازات اقتصادية، وتطوير للممارسة والتشاركية الشعبية، وكسر احتكار السلطات وتمركزها الفئوي وشخصنة الأوطان ونهب الثروات وإفقار العباد، فإن الانفجار الكبير قادم وآت، ودورة العنف مرشحة لمزيد من التوسع والتصاعد والارتفاع. وقوى الشر تتربص أية ثغرة للنفاذ منها إلى عقول المغرر بهم من الشبان. ما حدث في الجزائر، والرباط، وما هو مرشح لأن يحدث في غير مكان، قد لا يعكس، في الحقيقة، حجم التناقضات العميقة، ومدى ما تعيشه وتكابده هذه المجتمعات من بؤس وترد واضطهاد وضياع وتوتر وغليان، بل يعزز الفكرة القائلة بأن النار ما تزال تحت رماد هذه المجتمعات المحترقة. فلقد زرعت أنظمة الاستبداد هذه الجماعات، وساعدت على نشوئها بسياساتها الطائشة الرعناء، وبيديها الآثمتين، وعليها أن تحصد لقاء ذلك، تفجيرات، ودماء، وانهيارات أمنية كبرى، وجثثاً، وأشلاء وكل العزاء والأسى والحزن والأسف لأرواح أولئك الأبرياء.
والقادم أعظم، وأخطر، مما حصل حتى الآن.
نضال نعيسة
Nedal Naisseh
sami3x2000@yahoo.com
nedalmhmd@yahoo.com
nedalmhmd@maktoob.com
Lattakia - Syria