كردستان: لن نتحدث عنها كثيراً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كردستان: لن نتحدث عنها كثيراً، لكننا سنفكر بها دوماً
عندما وحدّ أوتو فون بسمارك الدويلات الالمانية الصغيرة، والتي كانت تبلغ ثلاثمائة وخمسين دويلة في عام 1871 ودمجها قسرياً في دولة جرمانية واحدة، تنازلت فرنسا عن إقليم (الألزاس ـ لورين) لألمانيا الجديدة بشكل "نهائي"، حتى انه تمت إزالة الإقليم من الخرائط الفرنسية، ولكن،وبعد حوالي خمسين عاماً عاد الإقليم لفرنسا. خلال تلك السنوات الطويلة التي بقي الإقليم رهن الدولة الألمانية، كانت هناك مقاومة فرنسية، وقد سئل غامبيتا زعيم المقاومة الفرنسية عن (الألزاس ـ لورين)، فأجاب: "سنفكر بها دائماً، لكننا لن نتكلم عنها أبداً". أما في المنطقة العربية يحدث العكس، فنتكلم كثيراً، ولا نفعل إلا قليلاً، كما يقول حازم نهار في دراسة له. والامر نفسه ينطبق على "الحالة الكردية" راهناً، فبدل العمل لتطوير الحالة الكردية في كردستان نرى دفاعا هشا عن الاخطاء التي لا تنكرها الادارة الكردية، والتي تقول انها تعمل لازالة هذه الأخطاء، بل يتم بدلا من ذلك الاصطفاف الى جانب حزب معين (بالطبع لست معترضا هنا، ولا يحق لي القول لماذا يكون المثقف عضوا في اي حزب)، بدلا من العمل الدائم والدائب في ايجاد ما يمكن الاتفاق عليه كردستانيا في ظل زيادة التنسيق بين الدول الحاكمة في اجزاء كردستان الثلاثة: واقصد بذلك تركيا التي تقود حلفا خطيرا مع ايران وسوريا لمواجهة الحركة الكردية، ويظهر ذلك بوضوح من خلال الزيارات المكوكية بين قادة هذه الدول وكبار المسؤولين فيها، وهي تنسق بينها، ولا تزال، بحملات تمشيط عسكرية مشتركة ضد قوات حزب العمال الكردستاني.
وهذا الأمر الذي يستدعي الكثير والكثير من المثقفين الكرد في اجزاء كردستان الاربعة وفي المهجر كذلك، وبخاصة أولئك المنشغلين بالشأن العام، لاننا نعلم ان الذي ساهم وأدى لتوحيد المانيا ودويلاتها الكيثرة والتي خاضت حروباً طاحنة ضد بعضها البعض تحت حجج وذرائع دينية ليس قوة بيسمارك ولاصلابة مقاتليه فقط، بل ذلك الجيش العرمرم من المثقفين الذين كانوا يعملون معه كي يتمكن من توحيد تلك الدويلات الصغيرة واقناع قادتها. وهنا يحضرني ما قاله ارنولد توينبي عن عصر التنوير: إنه لولا وجود 100 دماغ اوروبي مفكر، لما كان هناك عصراً للنهضة في القارة الأوروبية".
اليس حريا بنا اذن، ان نعيد قراءة تجارب أولئك الأولين والاستفادة منها والابتعاد عن صغائر الامور، كما هو الحال الآن فيما يٌكتب من مقالات وشروحات بعيدة عن الهم الكردستاني الاول، والذي اعرّفه بانه العمل المتواصل لتغيير الذهنيات الكردية المنغقلة على نفسها وأحزابها. وكأن "الحزب" هنا اهم من الشعب واهم من الوطن، وكأن "الحزب" لم يتأسس، أو يدعّي ممثلوه انهم موجودون، لخدمة هذه الامة.
منذ ان وعيت وبدات بمتابعة الحركة السياسية الكردستانية منذ ما يقارب العقدين من الزمن، لا اعتقد ان الارضية كانت مهيئة بهذا الشكل لتوحيد الصف الكردستاني، وخاصة بين القوى الكردية الكبرى وهي هنا: حزب العمال الكردستاني والديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. فرئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني طالب باطلاق سراح المعتقلين الكرد في شمال كردستان، ومنهم القائد الكردي الأسير عبد الله اوجلان الذي رد بدوره بتحية البارزاني في رسالة له، وقال "ان مقاتلي حزبه يتواجدون في جنوب كردستان للدفاع عن الاقليم اذا تعرض للخطر". كما اعلن جميل باييك احد القادة التاريخيين لحزب العمال الكردستاني "بانهم سيكونون في خندق الدفاع عن كركوك اذما تعرضت للخطر"، وذلك ردا على التهديدات التركية وبعض الاطراف العراقية، واخيرا اعلان قوات الدفاع الشعبي الكردستاني (الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني) في الشهر المنصرم انهم "سيفتدون بارواحهم الجنوب الكردستاني اذما تعرض لهجوم تركي"
واخيرا لا آخراً، اعلان رئيس اقليم كردستان العراق السيد مسعود البارزاني انهم سيتدخلون في آمد/دياربكر، اذما تدخل الاتراك في كركوك. وهو ما اثار ثائرة الاتراك، وشنت الصحف التركية هجوما في غاية الانحطاط الاخلاقي ضده مستخدمة لغة شوارعية، هي اقل من لغة الصحف الصفراء المعروفة.
هناك أجواء ايجابية في كردستان العراق: وهو ما يدفعني للكتابة بهذا الاتجاه والعمل بكل قوة لاستثمار الاجواء الايجابية الموجودة من جانب المثقفين الكرد لخلق حالة صحية نحن بامس الحاجة اليها، وتجاوز المواقف الحزبية التي يبدو انها متقدمة كثيرا على مواقف بعض المثقفين الكرد الرافضين لتقارب القوى الكردستانية الكبرى. ومن تلك المواقف القومية المتقدمة موقف فلك الدين كاكائي وزير الثقافة في حكومة الاقليم، والذي طالب الكرد جميعا لتحرير الزعيم أوجلان من الأسر، وعندما زايّد عليه بعض ادعياء الثقافة والوطنية الكردية( وهم كثر كالطحالب الضارة)، ردّ كاكائي قائلا وبالحرف في حديث لوكالة انباء دجلة قائلا :"لا أعتبر هذا إساءة لي، حين يقولون عنِّي: بأنه صار آبوجي(نسبة للقب أوجلان آبو). الآبوجية مفهوم نضالي، ظهر للسطح نتيجة نضال الرفيق آبو (عبدالله أوجلان). كل ما في الأمر، بأنه هنا، في العراق، وفي تركيا أيضاً، حين ينوي البعض القيام بمثل ما أقوم به، فإنه يكون عرضة لمثل هذه الأقاويل. باعتقادي، من يثير مثل هكذا أقاويل، هم أنفسهم أناس سيّئون. ولست وحدي من يعتقد ذلك، بل يشاطرني الكثير في هذا الصدد. فثمة الكثير ممن يوافقونني الرأي، وفي الأيام القادمة، سأدلي بما هو أكثر صعوبة ووضوحاً، وسيظهر بأن هذه مسألة قومية، لا ينغبي الحياد فيها".
ونحن ننتظر الاجمل والاكثر وضوحا من شخصية كالمفكر كاكائي يمكن ان تلعب دورواً محورياً بين المثقفين الكرد لما تملكه من مكانة ثقافية عالية ومسؤولية كبيرة في وزارة الثقافة الكردستانية، ولاني اعتقد انه لن يزايد احد عليه في علاقته مع حزبه (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، فهل نحن مقبلون على فترة نقيّة نغسل فيها افكارنا وقلوبنا مما علق بها خلال العقدين المنصرمين؟.
هذا هو الدور المأمول من المثقف الكردي الحقيقي، الوطني، المناضل..
فمن سيتصدى لهذه المهة الكبيرة، التي ستكون اكبر خدمة يمكن ان تقدم "لأمة الالف ثورة والالف حسرة" كما قالها جوناثان راندل ذات مرة.
نواف خليل