أصداء

ثنائية المواطنة والتوطين

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

من حضن الوطن الى حضن القبيلة او المنفى


-1-
العدل، الحرية، المساواة او الثالوث القيمي للتعايش الانساني على وفق التعاطي الالي لمنظومة الحقوق والواجبات هو ما يجعل المواطنة مجموعة من القيم الانسانية التي يتحول في ضوئها السلوك الفردي الى استحقاقات مجتمعية وهذا ما لم يحد عنه دين سماوي او قانون وضعي او اية منظومة اخلاقية فلسفية كانت ام ايديولوجية ثقافية ام تربوية على الرغم من اختلاف التفاصيل فاذا كان افلاطون قد انكر على الفرد حريته الشخصية لصالح الدولة فانه في الوقت ذاته رسم الحدود الواقعية للمواطنة من خلال الروابط التي تجمع ابناء المجتمع الواحد في المدينة الواحدة التي ارادها ان تكون فاضلة مقابل هذا نادى الرواقيون بالمواطنة العالمية(1) وذلك بان يحل مبدأ الانسان محل مبدأ المواطن واذا كان الاسلام قد حول انتماء الفرد من القبيلة الى الامة ذات الانتماء الديني فان المشاريع القومانية تسعى الى تحويل الولاء من الوطن الى الامة ذات الانحدار العرقي ونجد ان كلا من المشروع السياسي الاسلامي التقليدي والمشروع القومي قد عجز عن الربط بين الكيان الواقعي للدولة الحديثة وفكرة الامة بشقيها الديني والقومي ذلك ان الامة المفترضة في ضوء المصالح السياسية والاقتصادية والخصوصيات الثقافية قد استحالت على ارض الواقع الى مجموعة من الكيانات المستقلة التي يستحيل انصهارها واختزال خصوصياتها بعنوان رومانسي لم يعد موجوداً الا في مخيلة البعض من القافزين على الواقع من النخب السياسية والثقافية والوعاظ او في اللاشعور الجمعي لبسطاء الناس من اسيري الاملاءات المؤسساتية للنظام الشرقي التربوي والاعلامي وغيرها تلك الاملاءات المدرسية القسرية التي تسعى عبر التكرار الى خلق عقائد وهمية غامضة تبعد المواطن من مشكلاته الواقعية من جهة وتوفر للنظام غطاء سياسياً لقمعه وتهميشه وتوطينه قسرياً.

-2-
ومثلما هناك نزعات اممية تماهي بين الاستحقاقات الوطنية والايديولوجيا او الانتماء الديني او العرقي متخطية الخصوصيات الثقافية للمجتمعات هناك دائماً فشل منتظم في تأسيس الدولة الحديثة وهناك انهيار متواصل لما اسسته تلك النزعات من معاقل سياسية هشة اعتمدت مبدأ التوطين بدلاً عن مبدأ المواطنة ومقابل انهيارها هناك ردود افعال قسرية تتخطى الولاء الوطني الى ولاءات ضيقة دينية وطائفية وعرقية كاجراء وقائي ضد الولاء الاممي الذي همش هويتها واقصى حقوقها ردحاً من الزمن.
بناء على ذلك ينبغي ادراك الفرق بين المواطنة والتوطين من خلال الصراع الواقعي بين استحقاقات الدولة الحديثة والاوهام السياسية التي تنتجها اليوتوبيات الايديولوجية وان اختلفت نماذج الصراع فاذا كان ذلك الكلام ينطبق حرفياً على ما يسمى بدول المعسكر الاشتراكي التي دارت لاكثر من نصف قرن في فلك الاممية الشيوعية فان الصراع في ظل النظام الشرقي المتعدد الصور والمناهج يأخذ بعداً آخر اذ يصبح مفهوم الامة مرادفاً لكرسي الحكم ومختزلاً بطبقة من الحكام دأبت على شخصنة الاوطان وتشييء المجتمعات.

-3-
النظام الشمولي هو القاسم المشترك لاغلب الانظمة الشرق أوسطية مع ان صور الحكم مختلفة (دكتاتورية) وحزبوية وملكية واميرية ومشايخية لكن الصورتين الاكثر اختزالاً هما:
1- الملكية الاسروية التي انشاها الاستعمار شرطا للاستقلال الوطني للحفاظ على مصالحه الاقتصادية والسياسية.
2- الانظمة الانقلابية وهي على الاغلب انظمة معسكرة - بفتح الكاف - ما لم تكن عسكرية اصلاً والملفت ان هذه الانظمة قد تواضعت على مبدأ التوطين لا المواطنة وجندت لذلك مؤسساتها الاعلامية والتربوية.
ان الفرق بين المواطنة والتوطين ليس فرقاً اصطلاحياً او منهجياً انما هو فرق بنيوي في تمثيل الركائز الانسانية او ما اسميناه الثالوث القيمي للمجتمعات والدول وهو ايضاً فرق بنيوي للتعاطي المجتمعي لمنظومة الحقوق والواجبات فاذا كان التوطين ظاهرة قسرية من نتاج المصلحة السياسية فان المواطنة شرط اصيل من اشتراطات قيام الدولة الحديثة واذا كان التوطين اسلوباً وقائياً للحفاظ على نظام الحكم فان المواطنة منهج انساني للحفاظ على الدولة ونموها وتقدمها.
تعرف المواطنة على انها (عضوية كاملة تنشأ من علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات كدفع الضرائب والدفاع عن البلد وبما تمنحه من حقوق كحق التصويت وحق تولي المناصب العامة في الدولة كما جاء في اهم المراجع والموسوعات)(2) فاذا كان هذا تعريفاً مبتسراً اريد منه المباشرة لاختزال مجموع التطمينات المجتمعية بين المواطن والدولة فكيف عسانا تعريف التوطين؟ هل هو عضوية ناقصة تنشأ من علاقة مشوشة بين فرد ودولة من دون قانون بما يضمن الامتثال للاوامر مقابل مصادرة الحريات. الا ينطبق هذا التعريف على العلاقة التي كانت تحكم المواطن العراقي بوطنه من خلال السلوكية العدوانية للنظام الدكتاتوري المنهار الامر الذي جعله دائم البحث لانتهاز اقرب فرصة للهرب من الوطن لا للبحث عن وطن بديل بل ربما لاعادة انتاج المسؤولية الوطنية بازاء وطن مستلب ولو بصورة رمزية في ظل دولة حديثة تراعي حقوق المواطنة فمن بقي داخل اسوار الوطن السجن ظل مكبلاً بالولاء للسجن وليس الوطن الذي اصبح الولاء له منطقة محظورة ومن غادر وجد متسعاً للتحرر من ولاء السجن الى ولاء الوطن لان من يسير في الظلام يظل متوجساً خائفاً متعثراً لايعرف متى تزل قدمه ليس كمن يسير في وضح النهار ولكم تجيد الانظمة الشمولية صناعة الظلام لتوطين الفرد واستلابه خارج جادتها السالكة افقياً من دون الحاجة الى ضوء.
ليست المواطنة خياراً كيفياً او ظاهرة عابرة او قراراً فوقياً انما هي مجموعة من القيم والاخلاقيات الاصيلة والمكتسبة للتوافق والالزام في سيرورة مجتمع ما بنيت العلاقة فيه بين المواطن والدولة على اساس الثالوث القيمي العدل الحرية المساواة في التعاطي الانساني لمنظومة الحقوق والواجبات فهي ليست هبة من هبات انظمة الحكم او منجزاتها وليست صنيعاً ايديولوجياً او تشريعاً فقهياً انما هي شرط التكامل الانساني لاية دولة ذات اركان متكاملة وطن او مساحة جغرافية معلومة الحدود الطبيعية والسياسية + مجتمع امة او شعب يمتلك سمات هوية ثقافية + نظام حكم شرعي.
وهذه القيم مجتمعة اعني الركائز المبدئية والاليات ينبغي في ظل الدولة الحديثة التي انتجت مفهوم المواطنة ان يتم تمثيلها دستورياً وقانونياً وتجسيدها ثقافياً وتربوياً ليتاح للمواطن تحقيق معادلة الانتماء العضوي الفاعل للدولة بدل الانتماء الصوري غير المسؤول.
فاذا كانت المواطنة استحقاقاً انسانياً من اساسيات بنية الدولة الحديثة فان الاخفاق في تعاطيها وتهميشها يكون نابعاً من البنية القبلية او بالاحرى بداوة العقل السياسي المتمركز حول التوريث وشخصنة الامة والغزو والغزو المضاد من هنا فان الاخفاق في تعاطي المواطنة هو جزء من إخفاقات الدولة في ان تتكامل سياسياً على وفق المعطيات الانسانية للواقع اما ظاهرة التوطين فهي تحصيل حاصل لتلك الاخفاقات وهي ايضاً جزء من املاءات العقل السياسي التقليدي ونزعته الكارزمية علاوة على رواسب البداوة من انغلاق ودوغمائية وقلق بازاء الآخر الغازي المنتظر او الاخر الغادر والغريم المتوهم على طريقة لو نافسني هذا عليها لقتلته.

-4-
ان انهيار قيم المواطنة لحساب قيم التوطين يأتي من فرض ظروف قسرية لا انسانية تستحضر وتستجيب للاشعوريات البداوة السياسية كمصادرة الحريات واستباحة الحقوق وفقدان الثقة بالمواطن وتهميش خصوصياته الثقافية واستلابه حق المشاركة والفاعلية السياسية وتغييب النظم المؤسساتية وشخصنة الدولة وغياب القضاء العادل واستئثار طبقة الحكم بمقدرات البلاد وتسيد المعايير العرقية والطائفية والحزبية فضلاً عن غياب الحياة الدستورية والبرلمانية او صوريتها في احسن الاحوال وصولاً الى تخلخل بنية الولاء الوطني. ان المواطنة تقتضي عدداً من المستلزمات الانسانية والاعتبارية لا لتكريس الولاء فحسب انما لانتظام السلوك الاخلاقي والتكامل النفسي للشخصية المعنوية للمواطن.
هناك ربما اكثر من لحظة تاريخية تبدأ عندها عملية تهميش وتغييب قيم المواطنة ولعل اكثر تلك اللحظات قسوة هي اللحظات الانقلابية التي تجتاح فيها النخب العسكرية مؤسسات الدولة ومن ثم الاندثار التدريجي للانساق الثقافية التي تضمن تداول القيم وتؤكد حضورها وسلطتها في الحياة اليومية اذ تحل البداوة السياسية محل التحضر السياسي وتخضع الارادات المجتمعية الى ارادة واحدة هي الارادة الآمرة على وفق مقولة نفذ ولا تناقش وفي اثناء ذلك تشاع اسطورة اعداء الامة مقابل بطل الامة،واذا لم يتسن للعدو الوهمي ان يتحول الى حقيقة فالسعي قائم لاعداد المستلزمات المادية والتاريخية والسياسية لتصنيع العداء بوصفه القاعدة التي يتم في ضوئها عسكرة كل من الدولة والمجتمع ولمجرد التمثيل نحيل القارئ الى استرجاع الوقائع الدموية المعلنة والخفية منذ تولي الزمرة البعثية في تموز68 حتى سقوط نظامها في2003/4/9 الى جانب الاساليب والصور القسرية لعسكرة الحياة.
خلاصة القول هناك عمليات اجرائية لتفريغ المحتوى الانساني والقيمي للمواطن وتحويله الى فرد (رقم) منزوع من ولاءاته وانتماءاته وقيمه المجتمعية والانسانية والاخلاقية الامر الذي دفع به الى مغادرة حضن الوطن الى حضن القبيلة في حركة نكوصية ارتدادية بائسة ومثقلة بالاحباط للتعويض عما افتقده من قيم وطنية لاسيما بعد تحويل القبيلة الى واحدة من مؤسسات التوطين او الهروب خارج اسوار القفص الوطن الى المنفى في حركة تجمع بين الانهزام والوقائية او الخلاص المؤقت وهي لاتقل يأساً واحباطاً من سابقتها وان بدت اكثر جرأة وجدوى في مجال التحرر وبناء الامل من خلال العمل السياسي المعارض وتمثيل مظلومية الداخل.

-5-
ان واحدة من اخطر المعضلات الانسانية التي خلخلت معالم المواطنة الحقة وشوهت بنى الانتماء والنماء الوطنيين هي شيوع قاموس اصطلاحي ذي ابعاد عدائية يستمد دلالاته من مرجعيات مختلفة دينية وتاريخية وسياسية، مصطلحات تظهر وتختفي بارادات سياسية وتخرج عن مدلولاتها القاموسية المحايدة لتأخذ نصيبها من التداول باتجاه تضييق الخناق على الاخر المواطن وتحويل حياته الى مجموعة من التابوات وهذه الظاهرة هي بلا ادنى شك جزء حيوي من ستراتيجية التوطين انطلاقاً من نظرية المؤامرة التي تحكم عموم الخطاب السياسي والغاية من ذلك تحويل المواطن الى متهم دائم مطلوب مراقب مذنب او بالاحرى طريدة مؤجلة على وشك الوقوع في فخ الاجهزة القمعية لنظام الحكم فالخيانة على سبيل المثال هي من اكثر التهم شيوعاً ومن اسهلها الصاقاً بالمواطن ولها مرادفات عجيبة غريبة في القاموس الموجه توجيهاً سياسياً مبيتاً ولان الحاجة الامنية للحفاظ على كرسي الحكم متماهية مع ما يسمى بالمخاطر الخارجية التي تهدد امن الامة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها فان تفعيل ذلك القاموس امر واقع لابد من اتساع مساحته التأويلية حينئذ يصبح انتقاد ظاهرة اجتماعية مساساً بشخص الرئيس ووراء ذلك جهات خارجية تريد النيل من مقدرات الامة والحديث عن اسعار السلع الاستهلاكية يصبح تشويهاً مغرضاً للبناء الاقتصادي والشكوى التقليدية للمواطن من ظروف المعيشة تؤول على انها عدم ايمان بمسيرة الحزب والثورة وتشكيك بالاهمية التاريخية للقائد الضرورة ما لم يصل الامر الى مستوى الخيانة العظمى اما الحديث في الدين او السياسة فهو من المحظورات الشديدة التي يقابلها الاتهام بالعمالة والتآمر وشق صفوف الامة والشعوبية والطائفية والتجسس..الخ.. من تهم جاهزة تجعل القتل مبرراً اخلاقياً ودستورياً وقانونياً من وجهة نظر السلطة الحاكمة في ظل قوانين الاحكام العرفية السائدة والتي اصبحت من سمات القوة وحضور السلطة وهيبتها بل ان القتل يصبح انجازاً وطنياً وانتصاراً للحفاظ على مكتسبات الامة.


وقد استحضرت الاحداث القائمة في العراق قاموساً مرادفاً بصبغة دينية فاشيعت مصطلحات من مثل الجهاد الشرك الكفر الخروج عن الملة الى جانب المصطلحات التقليدية مما تبنت المؤسسا ت الارهابية لتبرير اعمال العنف التي تنطوي على دواعي سياسية بالمقام الاول ومن هنا تبرز خطورة الخطاب اللغوي في التسويق لنوعين من الارهاب هما الارهاب الرسمي الذي تمارسه الانظمة السلطوية والارهاب اللارسمي الذي تمارسه الجماعات المسلحة وتنظيماتها المختلفة التي لاتخرج عن ان تكون محسوبة على ما يصب في صالح حماية الأنظمة او جزء من اوراقها للمناورات السياسية ومن جانب آخر تصبح اللغة التي اعيد انتاجها في نسق معين خطاباً تحذيرياً يحول المواطن الى فرد مذعور وسلبي بازاء ادنى حق لا في ضوء قيم المواطنة فحسب وانما بازاء تفاصيله الشخصية البسيطة كالحلاقة والملابس....الخ خوفاً من ان تلصق به احدى التهم المفزعة والملاحظ ان هذا القاموس لايعد اويستحضر بصيغة مصطلحات مجردة او توصيفات جزائية لها ابعاد اخلاقية وقانونية انما يتم بثها وترويجها عبرنسقين من الخطاب الاول: نسق الشعارات الاستفزازية الرنانة التي تثير الترهيب دون الترغيب من مثل الموت للجواسيس الخونة... الذي يذهب ضحيته الشعارات بل المئات لا لانهم جواسيس او خونة بل لمجرد انهم مواطنون ينتمون لهذه المدينة او ذلك الحزب او تلك الطائفة او القومية او لمجرد انهم يمارسون طقساً او شعيرة دينية اما النسق الثاني فهو الخطب السياسية الغامضة الجزلة بالتغني بأمجاد الامة والقضاء على اعدائها من دون معرفة ما المقصود بالامة ومن هم اعداؤها فكل شيء يمكن ان يكون امة وكل شيء معد ليكون عدوا كذلك الخطب والبيانات والرسائل والفتاوى التي تصدر عن الوعاظ والمرشدين والمتشددين في اطار مؤسسة التطرف الارهابي والامثلة على ذلك كثيرة وصلت الى ان تكون الفتاوى تهديدات دموية مباشرة. ومثلما تلاحق المؤسسات الرسمية واللارسمية للارهاب انساننا بسيل من المصطلحات المفزعة تجد تلك المؤسسات نفسها ملاحقة من قبل المؤسسات الدولية -حكومية وغير حكومية- بلعنة مصطلحات اخرى تختفي وتظهر بحسب الدواعي السياسية من مثل حقوق الانسان، جرائم ضد الانسانية، قمع الحريات، الاسلحة المحظورة وربما تعد تهمة الارهاب في يومنا الحاضرمن اشدها رواجاً فما يحققه القاموس المحلي ضد المواطن يحققه القاموس الدولي بهذه الدرجة او تلك ضد تلك المؤسسات الى درجة ان التوصيفات من اجل ان تصيب اهدافاً اوسع من اهدافها تحولت الى مصطلحات احادية الدلالة ومجردة من التوصيفات الاخلاقية المنتجة للظاهرة المستهدفة بحيث تصبح تهمة الارهاب دالة من دون اي معيار اخلاقي على اي نوع من انواع حمل السلاح بما في ذلك المشروعة في نظر الاخلاقيات السياسية والايديولوجية والدينية ومن ذلك ايضاً تجيير فكرة الجهاد لاعمال دموية غير مشروعة ترتكب بحق الابرياء وقد اسهم هذا الخطاب اللغوي الانفعالي في تقسيم المجتمعات الى فئات وطوائف تسود بينها لغة الاتهام والعداء المتبادل وقد تسعى بعض المؤسسات عامدة للبحث عن مصداقيات تاريخية وفقهية لتكريس العداء.


وبدرجة اخرى يجد المواطن نفسه اسير ثقافة مؤسساتية تصادر في ضوء مبرراتها السياسية خصوصية انتمائه وهويته لان بعضاً من مفردات ذلك القاموس المقيت تجعل من الخصوصيات نقيضاً لشعارات السلطة ومنطلقاتها الايديولوجية ذات الطابع العصابي عادة بل يشمل هذا اغلب اشكال الخطاب القوماني والاسلاموي التي تسوق فكرة الاستبداد وتبرر قمع الاخر او قتله الامر الذي دفع المواطن للعيش بثقافتين وقائيتين: اولهما ثقافة العزلة المكانية والمجتمعية بمختلف الوانها الدينية والسياسية والقومية والطائفية والقبلية وحتى المهنية وهي ثقافة تجمع بين الاصيل والمكتسب في ممارسات وقائية كاحياء المناسبات الخاصة وممارسة الطقوس والتداول الثقافي وهي ممارسات اخذت طابع السرية والرمزية احياناً والغرض منها هو التمسك والولاء وتأكيد سمات الهوية وثانيها ثقافة تطبيعية ذات طابع تقائي (من التقية) تتمثل بالتكيف والاستجابة الاضطرارية لثقافة مؤسسات السلطة وخطابها والتوفيق المسالم بين عدائية القاموس والمراءات بالولاءات الصورية التي تجنبه الوقوع في فخ الاتهام الغرض منها هو الحفاظ على النوع والجنس والعيش، وكحد ادنى من الامان الملغوم بفكرة التطهيرات العرقية والطائفية والسياسية ذلك ان مفردة (أمن) وحدها قادرة على ان تستحضر جميع صور الرعب والبشاعة في ذاكرة اي عراقي في حين انها تدل في مختلف نواميس العالم على حماية الانسان وضمانة امنه ومفردة (مستقل) الدالة على توازن الانسان وتواضعه وربما شعوره بلا جدوى العمل السياسي او عدم الرغبة به قد اصبحت في ذاكرتنا مرادفة للشبهة والتشكيك بالولاء لا للوطن وانما للقائد الضرورة الذي اختزل البلاد والعباد والتاريخ والفكر والاخلاق والعدالة والحكمة والامة بشخصه.


وبناء على ما تقدم يمكن التأسيس على اربعة محاور رئيسة في بحث المعضلات الانسانية بازاء القيم المهدورة لقيم المواطنة هي:
1- الاعتراف بلا واقعية واخفاق المشاريع القومانية والاسلاموية والاممية ببناء قيم مواطنة تنتج انساقاً ثقافية او واقعية لتداول المبادئ بسبب تجاهلها الصريح لخصوصيات الهوية واستحقاقاً للواقع.
2- ان النظام الشمولي هو القاسم المشترك للعقل السياسي التقليدي الوارث الشرعي لقيم البداوة المعيقة لبناء الدولة الحديثة الامر الذي جعل مظاهر التوطين تحل محل قيم المواطنة.
3- تهميش المواطن ادى الى البحث عن بدائل قيمية وانسانية واعتبارية بالنكوص والارتماء في احضان القبيلة او الطائفة او الانهزام الى احضان المنفى.
4- ازمة الخطاب المنتجة لانساق ثقافية وتوصيفات عدائية ذات طابع عنفي تعزل المواطن ليعيش بثقافتين وقائيتين وشخصية مذعورة خلافاً لابسط مقومات المواطنة.


كريم شغيدل

*شاعر وباحث عراقي


الهوامش:
1- ينظر عثمان امين الفسلفة الرواقية، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة1971.
2- حسين درويش العادلي والمراجع التي اشار اليها في بحثه المواطنة المبدا الضائع سلسلة الديمقراطية للجميع (2) منظمة الاسلام والديمقراطية دار الصباح، بغداد 2004ص.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف