كردستان العراق: حذار من تهميش الكرد الإيزيديين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كردستان العراق: حذار من تهميش الكرد الإيزيديين
اثناء تجوالي في كردستان العراق، كنت اتحدث مع السائق عن الاوضاع في الاقليم. وفي اثناء رحلتنا الطويلة توقف السائق ليصطحب من قريته قريباً له قال انه "استاذ مدرسة" كي يقوم بايصاله لمدينة ديانا. كان السائق لا يكف عن النظر حوله و"تلطيش" من كان يراهم من النسوة والفتيات المارات. لذلك لم يمر بخلدي انه يمكن ان يكون متدينا لانه بالاضافة لذلك كان يبدي ندمه على الزواج، ويكرر بتأفف" يا ليتني بقيت عازباً حراً"!.
وبدون مقدمة ولا اعلم كيف وصل بنا الحديث لمناقشة الحادثة التي ادت الى مقتل امراة كردية مسلمة، في حادثة كادت ان تشعل ناراً عظيمة في الأقليم بين الكرد من المسلمين والإيزيديين. وكانت المرأة هربت من بيت زوجها لتلجأ لعائلتها لكن حظها السيء لم يتركها، فهي ارادت الوصول لاهلها ولذلك أشرّت لسيارة مارة متجهة للمنطقة التي تقيم فيها عائلتها. وعند نقطة التفتيش شاهدها قريب لها وهي راكبة في السيارة بمعية شابين، وحين سألها من هم والى اين ستذهب، عرف قريبها العسكري الكردي انها تود الذهاب لاهلها هربا من جحيم زوجها. لكن الرجل القريب أضمر لها في نفسه، ودفعته نخوته الكردية الاسلامية لاعتقال الشابين وكانا من الكرد الايزيديين، وتسليم المراة الكردية المسلمة لاهلها الذين قامو بذبحها على الطريقة القاعدية الزرقاوية الاجرامية، هكذا بكل سهولة وبرودة دم..!.
كنت اقول رايي الصريح في الحادثة، اثناء الدردشة مع السائق و"الاستاذ" وصديقي المرافق في زيارتي لكردستان. قال الرجل فجأة وبدون مقدمات: انا لا احب الايزيديين وهم ليسوا بمسلمين. سألته لماذا، أوليسوا من قومك؟. ثم ما علاقتك يا اخ بمعتقدهم، هل تملك مفتاتيح الجنة وصكوك الغفران؟. هنا تدخل "استاذ القرية" ليؤكد ان من لم ينطق بشهادة ( لاإله إلا الله محمد رسول الله) لن يدخل الجنة!. وحينما قمت بالرد عليه عبر الاستشهاد بآيات قرآنية عن حرية الانسان الذي "له دينه ولنا ديننا". وإنه قد "تبين الرشد من الغي، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". سكت الرجل لبرهة، لكن كان واضحاً انه لم يقتنع بكلامي.
كانت تلك "الدردشة" عاملا مساعدا كي استوعب الأمر: كيف هاجمت الجموع الكردية المسلمة مناطق (شيخان) التي تقطنها اغلبية كردية ايزيدية جراء اصطحاب الشابين الإيزيديين لتلك المرأة، وكيف كانت تلك الجموع تهتف رافعة العلم الكردي وتقول (الله اكبر)، وكأنهم في "غزوة جهادية" لفتح "بلاد الكفار"، وكيف ان ضباطاً من القوات الكردية كانوا في "قافلة الجهاد" تلك، جنباً بجنب مع الغوغاء والدهماء. وكيف ان الصمت الكردي الرسمي، كان مريبا، وان المثقفين القوميين "التقدميين" لزموا الصمت وفضلوا السكوت الذي لم يكن من ذهب هذه المرة.
اكتب هذه المقدمة الطويلة بعد ان فجعت بسماع خبر مقتل أربعة وعشرين عاملا ايزيدياً فقيرا في الموصل على يد إرهابيين مجرمين. جاء ذلك جراء حالة الاحتقان، وجراء الاجواء السائدة في عموم العراق، اذ قالت الأنباء ان القتلة انزلوهم من الحافلة التي كانت ستعيدهم الى اهلهم وعوائلهم في بلدتي بعشيقة وبحزاني الصغيرتين، وقتلوهم جميعاً على هويتهم الدينية الكردية.
لا بد من القول هنا ان الاجواء في اقليم كردستان العراق تجعلني اخشى من تكرار هكذا حالات لما رايت وسمعته. وما اوردته آنفاً مما قاله السائق الشاب ومدرس قريته ليس الا نموذج مصغر في حالة عامة يعيشها الأقليم. وكان رئيس اقليم كردستان العراق السيد مسعود البرزاني عبر عن خشيته حينما صرح ذات مرة ان يخشى ظهور حركة حماس كردية في حال التمادي في اهمال الأوضاع. وهو كلام وتحليل صائب جدا، ولكن يحتاج الامر الى العمل كي لا تصل الحالة الكردية وتختصر في ظهور "حماس"، او لوضع شبيه بوضع منظمة التحرير الفلسطينية، والتي اشعلت فتيل النضال من اجل استعادة الحق الفلسطيني لكنها تحولت وبخاصة عند العودة للبلاد الى جزر تابعة لاعضاء لجنتها المركزية ومجلسها الثوري (اية ثورية هذه، واين هي؟)، الامر يحتاج الى تصدي العقلاء من الاكاديميين الكرد وما اكثرهم لتشخيص مثيل الحالة القائمة، ومعرفة الأسباب التي يمكن ان تفتح الطريق امام ظهور حركات اسلاموية جراء الاوضاع السائدة في كردستان العراق، حيث الارضية موجودة.
ولااخفيكم هنا وكدليل على توجه المجتمع الكردي لبحر السلفية المظلم، اني فوجئت بوجود كتب انيقة ومزركشة ومجلدة بشكل جميل للسلفي الوهابي عائض القرني ولسلمان العودة الداعية السعودي المعروف، وكتب اسلامية مترجمة للغة الكردية، منها بضع عناوين للمصري عمرو خالد، في كل المكاتب التي زرتها لابتياع كتب في طريق عودتي الى المانيا. كما لاحظت الاقبال الكبير على شراء كتب السلفييّن أو مايعرف بتيار "الصحويين" في ظل حالة التذمر الشعبية الموجودة، والفساد المنتشر والمستشري في كل مكان، والذي تقر به الادارة الكردية وتقول انها تعمل على الحد منه عبر وضع ضوابط وآليات صارمة.
وهنا اود القول اننا لا نقول بالوصاية على الناس والتدخل في أمزجتهم، بل ان الضرورة تفرض نفسها لنزع فتيل الكارئة التي يمكن ان تقع في القادم من الايام، لان صور المهاجمين على معاقل الايزيديين وقصباتهم، وهم الذين يوصفون عادة "بالكورد الاصلاء" لا يمكن السكوت عليه، والا فاننا سنقر بما ذهب اليه صديقنا الكاتب طارق حمو من ان كردستان اصبحت سنيّة بامتياز، ونضيف من عندنا سنيّة وسلفية كذلك. وفي جو مثل هذا الجو ووجود شحنة تعصب ظاهرة يمكن ان تظهر "حماس" اخرى ومن بعدها يمكن ان تكون هناك "قاعدة كردستان" كما شاهدنا مؤخرا في القناة التي تروج كثيرا للقاعدة، واقصد "الجزيرة" القطرية وهو ما لا نتمناه ابداً.
اعتقد جازما ان النظام التعليمي للاقليم الكردستاني يمكن ان يلعب دورا فاعلا للغاية مع مؤسسات الاعلام، وبمساندة المؤسسات الثقافية الاخرى دوراً في نشر ثقافة التسامح والتعرف على الآخر وثقافته وقبولهما. كما يجب تفعيل المؤسسات المدنية في الاقليم مهما كانت هشة، والعمل لسد الذرائع التي يتسلل عبرها الاسلاميون الى المجتمع، وهو ما يبدو جليا من عدد المساجد التي باتت منتشرة في كل مكان، وتنامي حركات الاسلام السياسي، وهي التي تصل اغلبها لحدود التطرف في طروحاتها، وبذلك تهيء الناس ليكونوا من اتباع (تنظيم القاعدة) الإرهابي العالمي.
اعتقد ان جريمة قتل العمال الإيزيديين الأبرياء بتلك البشاعة يمكن ان تكون البداية لحملة صادقة ضد العنف والتطرف. حملة من اجل نشر التسامح وغرسه في النفوس والضمائر، ولنا في تجارب الاخرين عبر، ففي فرنسا وبعد الحادثة التي انتحر فيها احد ابناء عائلة (كالاس) والتي حاول فيها الاب ان يثبت ان الابن مات ميتة طبيعية لان الانتحار في ذلك الوقت كانت له عواقب وخيمة على عائلة المنتحر، لكن الاشاعا ت التي رددها الكاثوليك آنذاك ذهبت في اتجاه ان الاب قتل ابنه كي يحول بينه وبين التحول الى الكاثوليكية، وهو ما ادى الى القاء القبض عليه وبدأوا في تعذيب الأب الرجل حتى مات وهربت العائلة، وهو ما جعل الفيلسوف العظيم فولتير يطلق صيحته الشهيرة: "اسحقوا العار"!. وقد تحدى فولتير الجميع في ذلك الحين، والان يؤكد البعض انه كان قد استخدم بعض الامور كحقائق وهي ليست كذلك، وذلك لتخليص مجتمعه مما كان فيه من ظلام وتمسك بقيم العار والعصبية، كما هو حاصل عندنا الآن.
اجدني مضطرا للتوجه الى كل المثقفين الكرد، والكبار منهم تحديدا، ليدقوا ناقوس الخطر في مواجهة ماقد يحيق بالتجربة الكردستانية، والوقوف في وجه حالة التهميش التي يتعرض لها مئات الالاف من الكرد الايزيديين، والتهميش الذي يطال الكرد الفيلين الشيعة وعلى اكثر من صعيد. يجب التخلص من تاثيرات الثقافة البعثية الكريهة والتي علمت الناس ان "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" التي لن تاتي، وان "الوضع حساس وعلينا ان لا نقول ما يمكن ان يستفيد منه العدو" وما الى ذلك من مقولات جعلت العراق ساحة للعراك، ومن سوريا بلداً مهمشاً محطماً يقبع في ذيل قائمة التطور الدولية، وفي مقدمة دول العالم فيما يخص مواضيع الفساد والافساد وتهريب الأموال والقمع ونسبة الفقر وتدني التنمية. فلماذا لا نستفيد من التجارب الاوربية وكذلك من التجربة الماليزية التي استطاع شخصية بحجم مهاتير محمد وعبر تغييرات بنيوية ان يوصل بلاده الى مرتبة الدول المتقدمة التي لها مكانتها في العالم.
لنسحق "العار" وليعش الناس، كل الناس احرارا، اليس ذلك حق طبيعي لهم جميعا؟. فهل من مجيب؟. وهل سيكون اولئك الضحايا آخر ضحايا الغدر الاسلامومي ؟.
كما اتوجه هنا للمثقف الكردي الايزيدي، واجدني مضطرا ان اقول الايزيدي لكي احدده هنا، كي يلعبوا دورهم المنشود. واتساءل اين كان المثقفون الكرد الإيزيديون في داخل اقليم كردستان حين رجم الدهماء والغوغاء الفتاة دعاء التي كان حظها التعيس ان احبت شاباً ينتمي لديانة اخرى؟. وفي الخارج كذلك، ومع استثناءات قليلة ( مثال الباحث هوشنك بروكا والكاتب طارق حمو والدكتور خليل جندي)، الذين كتبوا بالكردية والعربية، لم يعلو الصوت الكردي الإيزيدي كثيراً.
نتمنى ان يكتب المثقفون، لان ذلك يستدعي العار علينا جميعا. ومشاهد رجم تلك الفتاة وبتلك الصورة هي اكبر تشويه لصورة الايزيدي المسالم والمرتبط بدون حدود بارضه الأولى: كردستان.
نواف خليل
newaf2@hotmail.com