أصداء

القاعدة الاجتماعية للسلطة في الجمهوريات العراقية!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الجمهورية نظام حكم وقد اختير هذا النظام بعد ثورة 14 تموز 1958 ولكن هذا النظام يعتمد على الدستور الذي يسيره، وبالتالي من حقنا استعمال الجمهوريات وهي جمع الجمهورية للانظمة التي حكمت العراق واعقبت الثورة المذكور لان كل منها اعتمد دستورا غير شرعي ومغايرا كليا عن سابقه وان كان مؤقتا.

في الدول ذات النظم الديمقراطية تستند السلطة السياسية وبمختلف اتجاهات المتمسكين بها من اليسار والوسط واليمين على القاعدة الواسعة وهي الطبقة الوسطى، فالسلطة تعبر بوضوح عن امال واماني واخلاق الطبقة الوسطى اكثر من تعبيرها عن اي طبقة اخرى.

وفي الدول ذات النظم الدكتاتورية، يتسلم السلطة على الاغلب اطراف تدعي انها تمثل الفئات المسحوقة والمعدومة وانها اتت لخدمة الشعب كله، ولكن لو القينا نظرة متفحصة ودقيقة على تشكيل السلطة وقاعدتها المساندة نراها سلطة في رأس هرم تستند على قاعدة ضيقة وقاعدة الهرم اي الشعب بعيد عنها وبالاحرى انه لا يحس بها وبما يجري داخلها من تطورات او خلافات، فالطرفين منفصلان لكل واحد مهامه التي لا يهتم الاخر بها، فالشعب يكيفيه انه يجد العمل ومهما كان وان لم يجده فانه سيسكت ويصمت لانه يدرك ان للسلطة عصى غليظة واثارة غضبها امر غير محمود ونتائجه وخيمة العاقبة.

ولو استقرينا تاريخ العراق منذ انشأه عام 1921 اي قبل حوالي 86 عام، نرى ان الحكومة الملكية في زمن فيصل الاول حاولت بكل السبل توسيع قاعدة السلطة الاجتماعية من خلال اشراك الجميع ليس في النشاط السياسي والوظيفي من خلال توسيع مساحة الحرية وتوسيع قاعدة الوظيفة الحكومية، الا ان تسنم رؤوساء وزراء من ذات التوجه العروبي كان يجعل من هذه القاعدة العامة استثناء احيانا وبعد وفاة فيصل الاول وتسنم غازي السلطة وجراء طموحاته وتوجهاته العروبية حتى شبه العراق ببروسيا وسمي ببروسيا العرب، عمل على تضيق هذه القاعدة وحوربت التوجهات السياسية وحصر النشاط بمن كان يوالي السلطة القائمة، وتحولت السلطة الى لعبة يلعبها بعض رجال العهد من خلال اثارة العشائر لاسقاط المنافسين. وبرغم كل ما يمكن ان يقال عن العهد الملكي وخصوصا ابان رئاسة الحكومة من قبل رشيد عالي الكيلاني وبعض القوميين وخصوصا مذابح الاشوريين في اب 1933، الا انه يلاحظ ان النظام الملكي قد عمل وخصوصا في سنواته الاخيرة على محاولة اعادة توسيع قاعدة السلطة، وخصوصا من خلال محاولة وضع ميزانية للاعمار يستفاد منها الجميع.

ما كبل توسيع هذه القاعدة بشكل فعلي وجذري كان الامية المتفشية، ودخول الاحزاب الايديولوجية الى العراق واستقطابها الجماهير بفعل خطابها العاطفي والتبسيطي.

وفي العهد الجمهوري الاول ويمكن ان نقول الجمهورية العراقية الاولى وقائدها عبدالكريم قاسم لم يشذا عن هذا المنحى، لا بل ادخل الجميع الى الساحة السياسية ومنح للجميع حرية العمل واشرك الكثيرين في السلطة السياسة بما جعلها تضم طيف واسع من التنظيمات السياسية وقاعدة جماهيرية واسعة استندت الى تطلعات كبيرة ببداية جديدة، يكون المواطنون فيها متساويين، الا ان حروب الاحزاب الايدولوجية سرق الطموحات والامال التي علقتها الجماهير على هذه الثورة، وخصوصا طموحها بتوسيع قاعدة نظام الحكم بادخال مجاميع الفقراء والمعوزين والكادحين الى الطبقة الوسطى من خلال نظام الاصلاح الزراعي وتوسيع قاعدة العمال بانشاء مصانع كبيرة وعديدة، ولكن الاصلاح الزراعي وتوزيع ملكيات الاراضي على الفلاحيين قد انقلب ضد الدولة ولم يستفد منه الفلاح، فالبلد الذي كان يصدر منتوجاته الزراعية صار بعد الاصلاح الزراعي يستورد هذه المنتوجات، وما امله عبد الكريم قاسم الوطني الشجاع ولكن السياسي الذي تحركه عواطفه وليس دراساته المعمقة، حطمته الصراعات الحزبية واندلاع الحركة الكوردية وتدخل دول الجوار بدعم تيارات معينة مثل حزب البعث والقوميين العرب.

بعد انقلاب 8 شباط الاسود، صار واضحا ان مسار الدولة قد انقلب من دولة لمواطنيها الى دولة لخدمة الايديولوجية العربية والتي اختلف عليها كل القوميين العرب، اي تحديد مسار موحد لها، فالخلافات والحروب اندلعت حتى على ترتيب الشعارات هل يقولوا الوحدة والحرية والاشتراكية ام الحرية الاشتراكية الوحدة وهلم جر.

من الواضح ان الدول التي تعمل على خدمة الايديولوجية تحصر همها في توسيع رقعه معتنقي هذه الايديولوجية ومهما كانت النتائج، فجلب القوات السورية في صيف عام 1963 واشراكها في الحرب ضد الثورة الكوردية خلق شرخا ليس بين القوميين من كلا الطرفيين بل بين الشعبين وخصوصا الكوردي، لانه اعتبره تدخلا في شانه العراق الداخلي، كما ان محاربة كل الايدولوجيات الاخرى وخصوصا الحزب الشيوعي العراقي اطلق شرارة الحرب ضد اطراف اخرى وخصوصا ابناء الاقليات القومية والدينية.

اذا بات معترفا به ان الدولة هي دولة العرب وترغب في تحقيق حلم العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية، وبالتالي عزل بقية مكونات المجتمع عن الدولة، والامر الاخطر ان صراعات الايديولوجيين تكون على الاغلب على المصطلحات والكلمات وتفسيرها (مثال الصراعات اللاهوتية او في علم الكلام الاسلامي) وبالتالي استمرار حالة الانقسام الاميبي داخل الايديولوجيين واتهام المختلف بالهرطقة وهي تستلزم الاتهام بالخيانة والعمالة والرجعية ومساندة الحكم البائد، ويكون الحق دائما للرجل الاقوى برغم ان السياسة لا تتطلب الحق، بل القدرة على تحقيق الامال والبرامج الموضوعة.

لم تختلف الحالة في حكم الاخوين عارف الا ان ما يجب التنويه عنه محاول عبدالرحمن البزاز لوضع العراق على سكة اعادة البناء كدولة ولكن هذه المحاولة بات بالفشل، ايضا لاعتبارات مصلحية فردية فقد اعتبر البعض ان تحقيق البزاز لمرامية يعني ابعاده عن السلطة والاتيان بالمجهول او الاعداء الحتميين.

بعد انقلاب 17 تموز 1968 ومع بداية السبيعينيات وبعد ان ادركت السلطة انها ستخسر كل شئ وستتكرر تجربة 18 تشرين الثاني لعام 1963 اتجهت منحى اخر وهو توسيع مظلة السلطة واشراك الاخرين فيها وعلى الاقل الاعتراف بوجودهم، فكان بيان 11 اذار لعام 1970 واقامة الجبهة مع الشيوعيين ومنح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية (الاشوريين الكلدان السريان) والتركمان، دون ان يمنح للاخيرين اي دور سياسي محوري، فارتفعت الامال مجددا بان العراق سيضع على سكة اعادة البناء وستكون الدولة للجميع، ولكن امال العراقيين قصيرة الامد فما ان تبينت نتائج حرب 6 تشرين الاول لعام 1973 من مضاعفة اسعار النفط بحدود غير معقول حتى قلبت السلطة ظهر المجن للجميع، وبدأت باقتطاف الصلاحيات من الحكم الذاتي وضرب الشيوعيين وكل من اعتقدته السلط تهديدا لها معتمدة على الاموال الطائلة التي صارت بحوزتها.

وبرغم من الاستفادة الطفيفة لابناء الشعب من زيادة اسعار النفط، الا ان غالبية الاموال ذهبت لتحقيق طموحات ومغامرات من في السلطة والتي كانت محصورة في محاربة الاعداء الايديولوجين وعلى رأسهم الاقرب اي الطرف المنشق عنهم والذي يتقاسم معهم نفس الشعارات ولكن ليس نفس القيادة.

رويدا وريدا تقلصت قاعدة السلطة فحتى حزب البعث صار عمليا خارج السلطة، التي انحصرت في ايدي اناس ليس لهم من علم وفهم غير قرابتهم للقائد الاوحد، والذين كانوا محصنين من كل مسألة قانونية لانهم اعتبروا فوق القانون وكلمتهم اوامر واجبة التنفيذ، فالشعب بعمومه لم يعد يرغب من الدولة غير توفير لقمة الخبز اما الامور الاخرى فتركت لدراية القائد المفكر.

واليوم بعد كل الاحداث والنتائج الوخيمة العاقبة التي توالت على العراق بلدا وشعبا، يعاد تكرار تجارب الماضي العقيمة الاليمة، فالايديولوجيين والاكثر تخلف منهم وخصوصا الاسلامويين ومن الطرفين الشيعي والسني، ترغب في ادارة العراق حسب مفهومها ولخدمة الاسلام الذي تعتنقه، والمشكلة انه داخل كل طائفة هناك تفاسير متعددة للاسلام وبالتالي سترون الحروب والتصفيات والقتل المجاني مستمرا وكل واحد يستند الى حكم الله، وبدلا من انشاء دولة القانون والمساواة والمواطنة وتوزيع السلطات على الاقاليم والمناطق لكي يشارك الجميع في بناء دولتهم، يقوم الايديولوجين ببعث حلم الدولة القوية الضاربة وصار من اولية كل طرف القضاء على غريمة لتحقيق هذا الشعار.

ولان الايديولوجين الاسلاميين وبالاخص السنة والشيعة منهم وبالاخص انصار السيد مقتدى الصدر، يريدون دولة مغلقة على تعاليمهم واوامرهم، ولانهم يسيرون الدولة وفق القيم الدينية والعشائرية، ولانهم يدركون ان اي تهاون مع المثقفين سيكون وبالا عليهم فترى الطرفين يرغبون في افراغ العراق من كل عقل نير اما بالقتل او بالتخويف لكي يهرب ويهاجر، ولهذا السبب يتم استهداف العلماء واطباء وذوي المهن الهندسية وابناء الاقليات ناقلي قيم التنوير، لكي يمكن لقيادة الايديولوجيين من السيطرة على الدولة وتسيير الشعب حسب رغباتها واهواءها، والمهم لتحقيق ذلك هو عودة الشعب الى الشعوذة والسحر والتنجيم في قضاء شؤونه وبالاخص الطبية فالحبة السوداء كفيلة بصنع المعجزات والمعميين مستعدون لتوزيعها بالمجان.

اذا ان قاعدة السلطة بدلا من ان تتوسع لكي يعتبر كل مواطن انه يشارك في صنع القرار، تتقزم في العراق لكي يمكن لاشخاص معدودين توجيهها حسب رغباته مستندين الى كلام الله الذي لا يفهمه الا القليلين المختارين من قبله.

تيري بطرس

Betkanno@web.de

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف