أصداء

افضل انتخابات في تاريخ سوريا

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

اختلف مع معظم منتقدي الانتخابات السورية الاخيرة ونظرتهم السطحية الروتينية لمجريات الوضع السوري، ولا اتفق البتة مع المعارضة السورية التي اعتبرت الانتخابات حدث عادي لايقدم ولا يؤخر، فالانتخابات التشريعية السورية الاخيرة التي جرت يومي 22 و 23 من شهر ابريل الحالي، تعتبر بحق الحدث الاهم على الاطلاق في الحياة السياسية السورية منذ سبع سنوات من حكم بشار الاسد، بل هي افضل انتخابات شهدتها سوريا طوال تاريخها القديم والحديث، وبدون ادنى شك وبعيداً عن التهويل والتضخيم اعتقد انها تشكل الحدث الاكبر على الساحة السورية خلال الحقبة البعثية الطويلة والقاسية.

بدون مبالغة، الانتخابات السورية الاخيرة التي جرت قبل ايام معدودة، هي اهم بكثير من حرب تشرين"التحريرية"عام 1973، واهم من احداث حماة التي راح ضحيتها اكثر من 30000 مواطن ومواطنة سورية، مع كامل احترامي لذوي الضحايا، واهم بكثير من تطبيقات المشروعين الحزام والاحصاء العنصريين مع تعاطفي الشديد مع كل كردي فقد ارضه وهويته، واهم بكثير من وفاة الرئيس حافظ ووصول نجله الشاب بشار الاسد عام 2000 كوريث غير شرعي الى دفة الحكم وكزعيم وقائد اوحد للدولة والمجتمع، كما ان الانتخابات الاخيرة اهم بكثير من دخول الجيش السوري الى لبنان ومن ثم خروجه المذل والمهين من بلاد الارز، واهم من عملية مقتل الرئيس رفيق الحريري وسلسلة الجرائم التي طالت خيرة ابناء لبنان ويتهم بارتكابها النظام السوري، واهم من خطاب القسم الذي القاه على مسامعنا ومسامعكم بشار الاسد امام مجلس الشعب المعين، ووعد فيه السوريين بالحريات والقضاء على الفساد، واثبتت الايام انها كانت مجرد "كلام في كلام"، واهم من خطابه الاخير المعروف بانصاف الرجال والذي خربط فيه و"خبص"، واهم من الحلف السوري الايراني وظاهرة التشيع الجديدة في سوريا، والانتخابات الاخيرة عرس وعيد كبير اكبر من اعياد الجلاء والعمال والفلاحين والفطر والشجرة وميلاد حزب البعث والحركة التصحيحة، واهم من المقاطعة الامريكية لسوريا ومن زيارة نانسي بلوسي لدمشق، واهم من المقاطعة العربية والخلاف المصري ـ السعودي السوري، واهم من حضور بشار الاسد لمؤتمر القمة العربي الاخير وهو يتوسل الملوك والرؤساء وحتى السفراء للتوسط له في طلب الرحمة والمغفرة، واهم من الطلعات الجوية الاسرائيلية فوق القصور الرئاسية السورية، واهم من التورط الاستخباراتي السوري في العمليات الارهابية بحق المدنيين العراقيين والدور السوري في تعقيد وتأزيم الوضع اللبناني، كما انها اهم من قرارات المعارضة السورية بشقيها الخلاص واعلان دمشق بمقاطعة الانتخابات ورفضهما المشاركة والرقص في العرس الانتخابي، واهم بكثير من الحكم الظالم بحق الناشط انور البني ذلك الحكم الجائر الذي تزامن مع ايام الانتخابات المباركة.

الانتخابات السورية الاخيرة ظاهرة قائمة بحد ذاتها واهم من الانتخابات الفرنسية والموريتانية معاً، وتعتبر مفترق طريق في مصير الشعب السوري وخطوة جبارة لتعزيز اصول الحياة الديمقراطية، كما تعتبر نقلة نوعية حقيقة في المستقبل السوري، ونحن نبارك لانفسنا ونبارك الشعب السوري بهذا العرس الكبير، بالرغم من كونها انتخابات بالاسم فقط وتفتقد لادنى شروط النزاهة والحرية والشفافية، وبالرغم من كونها انتخابات لمجلس لا شعبي، همه الاول والاخير النهب والتصفيق وسيارات المرسيدس"المنحة"، وبالرغم من كون تلك الانتخابات فزلكة مكشوفة الاسباب والنتائج، وصورية ديكورية لاضفاء الشرعية على حكم غير شرعي، ورغم كونها انتخابات للضحك على الذقون، وكذبة نيسان كبرى واخر نكتة في الشارع السوري.

ربما يتعجب البعض ويندهش لموقفي الثابت هذا من الانتخابات الاخيرة عكس كل الانتخابات التي سبقتها، بما فيهم الرفاق في وزارة الاعلام السورية، كوني ازايد عليهم في التضليل والتهليل للانتخابات الاخيرة، لكن وكما يقال لو عرف السبب بطل العجب، واليكم السبب الذي جعلني اتفائل خيراً بالانتخابات الاخيرة، واعتبرها على رأس قائمة الاحداث الايجابية في سوريا، لانها يا سادة ياكرام انتخابات صوت فيها المواطن السوري دون ان يحمل عناء الذهاب لمراكز الاقتراع، وصوت صراحة ب"لا" ضد النظام الحاكم وانتخاباته، وقرر السوريون بالاجماع عدم المشاركة في تلك المهزلة والتي تسمى بالانتخابات لمجلس مايسمى بمجلس الشعب، وللمرة الاولى اخترق المواطن السوري بفضل الانتخابات الاخيرة حاجز الخوف الرهيب لجبروت السلطة واجهزنه القمعية، خاصة في المدن الكبرى والمؤثرة كالعاصمة دمشق وحمص وحلب، واثبت الشعب السوري بجميع مكوناته وتلاوينه انه شعب واع يدرك حقيقة اوضاعه التعيسة ولم يعد يقبل بان يمثل دور الضحية التي لاحول لها ولا قوة، وانه شعب يحق له ان يقرر مصيره بنفسه، ويرفض ان يقف موقف المتفرج من اليوم وصاعداً، واعتقد ان المقاطعة الشعبية العارمة للانتخابات هي بداية النهاية لحكم الاستبداد والتسلط ومؤشر واضح لنهضة شعبية سورية قريبة.

احد الكتاب السوريين اعتبر الاحجام الشعبي عن المشاركة في الانتخابات الاخيرة جاء تجاوباً مع قرارات ودعوات المعارضة السورية بمقاطعة الانتخابات، وسواء اصاب الكاتب او اخطأ، فمن المؤكد ان حجم الحدث كان اكبر في الحقيقة من دعوات المعارضة السورية وحجمها، والتساؤل حول مدى امكانية ارتقاء النخبة المعارضة وتجاوبها مع طموحات وامال الشعب السوري من اجل مستقبل افضل يبقى تساؤلا مشروعاً وقائماً لفترة مقبلة اخرى، لكن في كل الاحوال الافضل ات لامحالة.

درويش محمى

d.mehma@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف