أصداء

ظاهرة التصنيف الجنسي في الأدب العربي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لقد صار الحديث عن المجتمع الذكوري حديثا سمجا مملاً فقد بريقه من كثرة التكرار، لا سيما و انه اتخذ مناح متفرقة شتت الفكرة الاساسية، فاجتمع هذان الامران ليضفيا في النهاية شيئا من عدم الالتفات من جهة المتلقي الذي بات يسخر من هذا المصطلح كلما اصطدم "بقضية المراة".. و ضاق النساء قبل الرجال من الكلام حول حقوق المراة، و قهر المراة، و المجتمع الابوي الخ.. و بما انني ساستخدم مثل هذه الاصطلاحات وجدت من الحكمة ان انبه القاريء لها و ان اختلف استخدامي لموضعها.. فاذا كان القاريء ممن ضاقوا بها فيمكنه الامساك عن القراءة من الان و ان كان مناصرا لقضية المراة فيمكنه ايضا الامساك من الان لاني لا اناصرها بمثل ذلك النهج السالف ذكره..

بين فترة و اخرى تطالعنا اعمال ثقافية نسوية يضج لها الشارع الثقافي العربي اما احتفاءا او استنكارا لها.. اما اسباب الاستنكار فهي عادة ما تكون معروفة، مثل الجراة و التمرد و تعدي الخطوط الحمراء المفروضة تقاليديا..الخ..

في الحقيقة ان ما يستوقفني هو الاحتفاء بالمراة المبدعة - او في بعض الاحايين "المبتدعة"-

هذا الاحتفاء المبالغ فيه في كثير من الاحيان، جعلنا كمتلقين ننظر الى ابداع المرأة كحالة طارئة على الحركة الثقافية و الابداعية.. هذه النظرة لا تصب في صالح المراة بالتاكيد، بل في صالح ما ينعته مناصروا قضيتها "بالمجتمع الذكوري"، الذي صنف بدوره الابداع الانساني العام على حسب الجنس وقلل من اهمية و جودة ابداع المراة على وجه الخصوص.. مما جعلنا كمتلقين ننبهر الى حد الانكار بكل امراة تخرج علينا بقصيدة شعرية او بعمل مسرحي مثلاً، لاننا منذ البداية مبرمجون على حكم مسبق و هو ان الابداع الثقافي الناتج عن الانثى طاريء..

بما ان الابداع الحقيقي هو ابداع صرف و غير قابل للتصنيف الجنسي اساسا، فان مثل هذا التصنيف القسري قد بدأ يشمل ابداعنا كله بمشكلة انعدام التطور الابداعي.. فاذا كنا كمتلقين قد سمحنا لرواية ركيكة لامرأة ان تنجح مثلا..ً فاننا بالتأكيد سياتي علينا يوم نقبل فيه برواية اقل من سابقتها ضعفاً، و يومها لن نعود نهتم ما اذا كان كاتبها امرأة او رجل.. هذا بالاضافة الى كوننا سنبقى نراوح في مكاننا في افضل الاحوال اما في اسوءها فاننا و للاسف سنكون في طريقنا نحو هبوط حاد..

احيانا اقع في حيرة كبيرة عندما اجد كبار المبدعين و النقاد يحتفون بعمل الانثى الضعيف..
لكنني لدهشتي الاكبر استنتجت ان هؤلاء انما يهللون لذلك العمل خوفا من ان يتهموا بالعداء للمرأة و ابداعها.. في الواقع انا ليس لدي دليلاً ملموسا على هذا الاستنتاج لكنني لا يمكنني ابدا تفسير اقبال ادباء و نقاد كبار على اعمال ادبية ركيكة جداً.. لا يمكنني الا ان اخرج بذلك الاستنتاج.. هذا بالاضافة الى ان غالبية من ابدى عدم استحسانه هذه الاعمال اتهم بالعداء للجرأة القصصية اذا كان العمل رواية او لانثوية الكاتبة فاننا نجد ان الكثير من النقاد قد اشادوا بهذه الروايات فيما بعد كأنهم يريدون جب هذه التهم عن انفسهم..

نستخلص من هذا ان من يطبلون و يهللون لابداع المراة انما هم ينظرون اليها على اساس انها اقل مستوى من ان تطال ابداعا مميزا، فهم بذلك انما ينظرون اليها نظرة دونية.. ثم و كاننا بهذا نحدد للمراة مستوى معين من الابداع لا يسمح لها ان تتخطاه..

في الغرب تنعدم مثل هذه الثقافة الشاذة عندهم.. فنجد ان الكثير من التحف الادبية الخالدة كانت لنساء.. مثل ذهب مع الريح لمارجريت ميتشل، و الارض الطيبة لبيرل اس. باك و مرتفعات وذرينغ لايميلي برونتي ثم ما نتج عنها و اختيها من روايات اثرت الادب الناطق بالانكليزية.. اما بالنسبة للادب المعاصر فنجد الكتاب الاكثر مبيعا هاري بوتر و كاتبته كما هو معروف امراة.. و لا يمكننا ان نغفل كاتبة معاصرة بحجم ايزابيل الليندي التي تشكل ثالوثا رائعا للادب الجنوب اميريكي مع كل من باولو كويلو و غابريل غارثيا ماركيز و ان كانت في نظري لم تصل الى مستوييهما الا انها تعد ندا لهما و هذا يكفيها - ليس لانهما رجلان بل باعتبارهما قمما ادبية يحسب حسابها-.. اما اذا ما رجعنا قليلا الى الوراء، الى السبعينيات تحديدا فستقابلنا سوزان هينتون بروايتها الاشهر (اللا منتمون) التي صدرت لها و هي بعد لم تتعد السابعة عشرة، و احدثت من خلالها نقلة نوعية في عالم ادب الشباب..

كل هؤلاء النساء لم يشر الى اعمالهن على انها صادرة من اناث بل كابداعات انسانية شمولية.. في المقابل لا نحترم في عالمنا العربي ابداع نسائنا بل ذهبنا الى ما هو اكثر من هذا و صرنا نتهم المراة اذا ابدعت حقا بسرقة ذلك الابداع من رجل و نسبه لنفسها.. كما حدث مع الاديبة احلام مستغانمي و روايتها الشهيرة ذاكرة الجسد..

غير ان ما يعزز هذه الفكرة اساسا عن المرأة في عالمنا، هو عدم اقتناع المرأة ذاتها بنفسها و بقدراتها.. فالمرأة اذا كانت منهزمة فإن هزيمتها انما تنطلق من نفسها، لانها في اغلب الاحيان اقتنعت بان قدراتها و ابداعها يقلان عن قدرات و ابداع الرجل..

ببساطة لا يوجد شيء اسمه ابداع ذكوري و ابداع نسوي.. هناك ابداع فقط.. ابداع انساني عام.. لذلك لا يجب ان نعلّي من شأن المرأة التي توازي رجلا ما ابداعياً و نفضلها عليه لانها تختلف عنه بالجنس..

انها دعوة للنقد و التجرد..انتقدوا ابداعها اذا كان بحاجة لذلك فبالنقد يمكن للمبدعة ان ترتقي للافضل.. لا بكيل المديح غير المناسب لها..

حوراء النداوي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف