الحركة العمالية والفصائل اليسارية في ايران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يعود انبثاق الحركة العمالية في ايران الى اواخر القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين وذلك عقب تأسيس اولى المعامل و المصافي و المصانع في مدن تبريز /شمال شرق/ و طهران و عبادان / جنوب غرب/ في نهاية القرن التاسع عشر و اوائل القرن العشرين.
ويعود ميلاد الحركة العمالية في ايران كطبقة واعية لمصالحها الاجتماعية الى وقوع اول اضراب عمالي في احد معامل طهران في العام 1905.
وقد عزز تكوين الطبقة العاملة كطبقة صناعية حديثة تتمايز عن الطبقات التقليدية كالملاكين و تجار البازار والكسبة والمهنيين الصغار عزز مواقع الطبقة الوسطى التحديثية التي انبثقت في اواسط القرن التاسع عشر اثر تعرف النخبة الايرانية على انجازات الحضارة الغربية.
وقد تأثرت الحركة العمالية الايرانية بالحركة الاشتراكية - الديمقراطية و الشيوعية الروسية التي كانت تخوض مخاضا ثوريا اشتراكيا في اواخر القرن التاسع عشر و اوائل القرن العشرين.
وقد تأسس الحزب الشيوعي الايراني (حزب كمونيست ايران) بايعاز من الكومينترن المستقر في روسيا في العام 1921 في مدينة انزلي (شمال).
وكان حزب تودة الذي تأسس في العام 1941 وريثا للحزب الشيوعي الايراني و رغم ان الحزب لم يدعي الشيوعية عند انشاءه غيرانه اتجه بالتدريج الى هذا المنهج بمساعدة الاتحاد السوفيتي الجار الشمالي لايران.
وقد بلغت قوة الحركة العمالية و اليسارية في ايران، ذروتها في الاربعينات من القرن المنصرم حيث كان "المجلس المركزي المتحد لنقابات العمال و الكادحين في ايران" قائدا لمعظم القطاعات العمالية في البلاد. اذ لعب عمال النفط دورا بارزا في عملية تأميم النفط التي تمت على يد زعيم الحركة الوطنية د. محمد مصدق في العام 1950.
غيران الحركة العمالية شهدت ركودا جليا اثر انقلاب الشاه ضد حكومة مصدق في العام 1953. وقد عاشت الحركة العمالية اسوأ اعوامها في الفترة 53- 1979 حيث حكم الشاه محمدرضا البهلوي البلاد بطريقة دكتاتورية فظة خشية المد الشيوعي.
و في ثورة فبراير 1979 لعبت الطبقة العاملة دورا حاسما في الاطاحة بالنظام الشاهنشاهي في ايران وهذا ما تجسد في اضراب عمال النفط في مدينتي الاهواز و عبادان و اغلاقهم لانابيب النفط المصدر للخارج؛ غيران زعماء الثورة لم يشركوا المنظمات و الاحزاب العمالية و اليسارية في الحكومات التي تعاقبت في ايران بعد الثورة. ولاننسى ان معظم عمال قطاع النفط في اقليم الاهواز هم من العرب الاهوازيين.
وقد تمكن العمال الايرانيون من تشكيل نقابات و منظمات خاصة بهم في العامين الاولين للثورة غير ان موجة القمع التي بدأت في العام 1981 لم تستثنيهم. لكن اهم انجاز حصل عليه العمال كان قانون العمل الذي صادقت عليه الجمهورية الاسلامية في العام 1985 حيث يعد من ارقى قوانين العمل في العالم. لكن ما ينقص هذا القانون هو تركيزه فقط على موضوع "الشورى" اي انشاء "المجالس الاسلامية" في المعامل و المصانع و ذلك خلافا للدستور الذي يسمح بتشكيل نقابات و اتحادات عمالية.
فالمجالس الاسلامية - وفقا للقانون- تضم علاوة على ممثلي العمال، ممثلين عن ارباب العمل و هذا ما يرفضه العمال لاعتقادهم بان المجالس الاسلامية ليست عمالية مستقلة ولم تدعم مطالبهم المهنية. وبما ان الدولة هي اكبر ارباب عمل في ايران فان العمال يعتبرون حضور ممثليهم في المجالس الاسلامية في المصانع و المعامل والورش حضورا لممثلي الحكومة. فعليه ومنذ عهد خاتمي بدأ العمال بانشاء نقابات و اتحادات عمالية مستقلة، غير ان الحكومة ترى في ذلك انتهاكا لقانون العمل في ايران؛ الامر الذي ادى الى خلافات حادة بين الحكومة و العمال في القطاعين الصناعي و الخدمي.
ومنذ بضع سنوات و نحن نسمع عن محاولات تقوم بها مجموعة تصف نفسها ب " الهيئة المؤسسة للاتحادات العمالية " لانشاء اتحادات عمالية في ايران واصباغ الصفة القانونية عليها. وتقوم الهيئة التي تضم بين دفتيها الهيئة المؤسسة لنقابة " شركة واحد" و الهيئة المؤسسة لعمال مصانع الاحذية والحذائيين تقوم بتدريب العمال و توعيتهم على حقوقهم المهنية.
وقد ادى الانفتاح السياسي في عهد خاتمي الى اضرابات و اعتصامات عمالية واسعة حدثت بفعل مشاكل عمالية في القطاعات الصناعية و الخدمية والزراعية؛ و استمر الوضع بدرجة او اخرى في عهد الرئيس احمدي نجاد. لكن ومع كل هذا فان الحركة العمالية و كحركة اجتماعية لم تصبح بعد عاملا مؤثرا وحاسما في الحياة الاجتماعية و السياسية في ايران بسبب بطش السلطات و كذلك ضعفها التنظيمي و عدم انسجام قطاعاتها المختلفة حيث هناك تفاوت في المستوى المعيشي بين هذه القطاعات؛ اذ يتمتع العمال في قطاع النفط بامتيازات مادية تميزهم عن سائر القطاعات العمالية. وقد اثبتت الاحداث ان عمال شركة النفط لم يتحركوا بشكل مؤثر الا في المنعطفات التاريخية كتأميم النفط في اوائل الخمسينات وقيام الثورة في اواخر التسعينات من القرن الماضي.
تشهد ايران بين الحين و الاخر اضرابات و اعتصامات عمالية، كان اهمها اضراب العمال و سواق الحافلات التابعة ل"شركة واحد" الحكومية قبل اكثر من عام حيث تتولى النقل والمواصلات المدنية في طهران وسائر المحافظات الايرانية.
وقد ادت سلسلة اضرابات دعت اليها نقابة العاملين في الشركة في عامي 2004 و 2005 الى شل المواصلات في العاصمة الايرانية و اعتقال و طرد العديد من العاملين فيها.
وتعاني العديد من المعامل و المصانع مشكلات عديدة تؤدي بين الحين و الاخر الى اضرابات و اعتصامات وسد الطرق في طهران والمدن الايرانية الاخرى. وفي الحقيقة اننا نشاهد بين الحين والاخر عمال من قطاعات مختلفة يجتمعون امام مكتب رئيس الجمهورية او البرلمان او في المصانع للاحتجاج على وضعهم المعيشي. غيران كافة هذه الاحتجاجات ليست منظمة و لم تقودها نقابات كنقابة عمال شركة واحد.
وقد باشرت الحكومة الايرانية عقب انتهاء الحرب العراقية - الايرانية اعادة بعض الشركات و المصانع المصادرة و المؤممة الى اصحابها من الرأسماليين الهاربين الى الخارج و اشتد الامر في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي ما ادى الى خلل في عملية الانتاج و ايقافها في العديد من المعامل و المصانع.
وتعود المشكلات العمالية الى عدة عوامل منها: اعادة المصانع و المعامل التي تمت مصادرتها بعد قيام الثورة الى اصحابها السابقين او الى القطاع الخاص و الضعف في الادارة و انخفاض مستوى الرواتب و سوء المعيشة لقطاعات واسعة من العمال الايرانيين.
ولاتلعب الحركة العمالية اليوم في ايران اي دور سياسي مستقل ومؤثر كما تلعبه الحركة الطلابية بسبب غياب الاحزاب التي تمثلها ويقتصر دورها راهنا على النضال من اجل مطاليبها المهنية.
اما اليسار العلماني و الشيوعي فليس له حضور سياسي او تنظيمي في الداخل بعد القمع الذي واجهه في اوائل الثمانينات، غيران تأثيره الثقافي و الاجتماعي لايزال محسوسا على الساحة الايرانية.
وقد اخذ اليسار الشيوعي يعيد نشاطه في الجامعات و بين اوساط المثقفين حيث ان قيادته لمظاهرات يوم الطالب التي تمت في جامعة طهران في 7 ديسمبر الماضي اثار قلقا شديدا بين صفوف القوى القومية والليبرالية واليسارية الاسلامية. كما ان اليسار يحاول ان يضع بصماته على بعض المجموعات العمالية.
يوسف عزيزي