أصداء

مؤتمر شرم شيخ المنصر والضحك على الذقون

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مؤتمر أخر ينعقد من أجل العراق، و مثلما ليس بالأول فإنه لن يكون الأخير، مادامت الأوضاع كما هي على أرض الواقع، فالواقع هو المهم، فلا نتائج واقعية منتظرة سوف تتحقق من ورائه، يلمسها المواطن العراقي، شيعي أو سني أو كردي.


إنه كغيره من المؤتمرات التي سبق إنعقادها في منتجع شرم شيخ المنصر، تغطية إعلامية، برقيات ترسل، و شاشات عالمية و إقليمية و محلية تبث مباشرة من هناك، و طقطقات الكاميرات، و إبتسامات مرسومة، و مصافحات حارة، و أحضان، و قُبلات، و وعود خلابة، و لكن لا نتائج.


لست متشائما، و لكن واقعي، فبناء على حقيقتين، أحداهما إحصائية، و الأخرى عملية، بنيت موقفي هذا، فالحقيقة الإحصائية تقول: إنه لم يسبق أن عقد في شرم شيخ المنصر أي مؤتمر ناجح، و معيار النجاح الذي أعنيه، هو النتائج العملية المطبقة التي من أجلها إنعقد المؤتمر، أي التنفيذ الفعلي للوعود و التوصيات الصادرة في ختامه.


هل نجح مؤتمر الإرهاب الدولي الذي إستضافه شيخ المنصر؟ هل توقف الإرهاب الحقيقي عن ضرباته، إم إنه إزداد قوة؟
هل تفاهمات شرم الشيخ، بين الفلسطينيين، التي لا يتذكرها أحد اليوم، تم الأخذ بها؟ بالطبع لا، و إلا لما كان هناك إتفاق مكة الشهير.


هل يتذكر البعض مؤتمر شرم شيخ المنصر الأول بشأن العراق في خريف 2005، و هل أتى بأي نتيجة؟ الإجابة معروفة و مكررة، و هي لا كبيرة للسؤالين، لأنه لو كان أتى بنتيجة لتذكرناه.
العيب بالطبع ليس في المنتجع، رغم إن إسمه أصبح ذا وقع ثقيل على النفس المصرية، لإرتباطه بشخص مبارك الأب، و ما يمثله من طغيان و فساد. العيب هو في تجاهل الحقيقة الثانية، الحقيقة العملية التي تقول، بأن أي تغيير حقيقي إنما يحدث في الكواليس، و ليس على ساحة المسرح تحت الأضواء الإعلامية الباهرة و الضاغطة.


الحل الحقيقي، في أي نزاع، يأتي حين يريد أطراف النزاع حله و تصفيته، بعد أن تكون قواهم قد أستنفذت، أو أدركوا بأن الأوضاع يجب أن تتغير، لأن في إستمراريتها، دون تغيير، إنما هو ضرب من العبثية.


لهذا فإن الحل في العراق، لن يكون في شرم شيخ المنصر، مثلما لن يكون في أي عاصمة أخرى، الحل سيكون داخل حدود العراق، و عبر العراقيين أنفسهم، و سيأتي عبر عملية شاقة من النزاع الدموي ثم الكلامي، ثم فتح القنوات السرية بين أطراف النزاع، أكانوا محليين أم أجانب عن العراق، ثم الأخذ و الرد، كأي مفاوضة أو مساومة، حتى يصل كل طرف إلى النتائج التي يقبلها، و تقبلها بقية الأطراف، بناء عما أسفر عنه النزاع على أرض الواقع من نتائج، لهذا لن يكون المؤتمر الأخير بشأن العراق، و الذي لم يحن وقته بعد، إلا مؤتمر إعلان ما تقرر خلف ستار المسرح، بهدوء و بعيداً عن الأضواء.


أما بشأن الوعود البراقة، و الأرقام المالية الضخمة التي تتداول حالياً، و المحسنين البررة الذين يتبارون في إبداء حسن نواياهم، سواء في صورة إسقاط ديون، أو بذل المنح السخية، و التي تناهل اليوم على العراق، فلا يجب أن يصدقها أحد، لأن هناك من هو أحوج من العراق - الغني بموارده البشرية قبل المادية - لتلك المبادرات الإنسانية، و سمع ما هو أكثر مما سمع العراقيون، و أقصد بذلك شعوب بعض دول أفريقيا، جنوب الصحراء، الذين إنهالت عليهم وعود الإعفاءات من الديون القديمة، و المنح العينية و النقدية، و لكن لم يصل إليهم حتى نصف ما سمعوه، فقد إعترفت بعض الدول الكبرى مؤخراً بإنها لم تنفذ وعودها الإنسانية، التي قطعتها على نفسها، في مؤتمر مشابه لمؤتمر شرم الشيخ الحالي، و لكن يختص بأفريقيا، و من تلك الدول بريطانيا، التي وعدت مؤخراً العراق بإسقاط مائتي مليون دولار ديون، و منح مائتي مليون مثلهم.


إنها ليست إلا فرقعات إعلامية، تجمل صورة بعض الدول، و تريح ضمائر الشعوب الغنية، و تلمع قادة الدول، مثلما أن إستضافة مؤتمر شرم الشيخ هذا، و الذي إعتذرت عن إستضافته تركيا، و غيره من مؤتمرات شرم الشيخ، ليست إلا مؤتمرات إرضاء غرور مبارك الأب، الذي يعشق أن يظهر في صورة العاقل الحكيم، و حمامة السلام في المنطقة، رغم إنه وراء الكثير من الخراب الذي حل بالمنطقة، و لم تكن أي كارثة ألمت بالمنطقة إلا و له ضلع فيها، سواء في إحتلال العراق، أو التغطية على العدوان الإسرائيلي في حرب 2006، أو العقوبات المجحفة بحق الشعبين الليبي و العراقي، أو عملية تقسيم السودان، و عملية تجويع الشعب الفلسطيني، و عقابه المتكرر لمستخدمي منافذ غزة مع سيناء، وما يحدث هذه الأونة بالصومال، و ما حدث في الصومال من قبل.


لقد أسقط مبارك الأب مصر من حسابه، و إختص هو بالشأن الخارجي، الذي يهواه و إن لم يسجل حتى اليوم، و بعد ربع قرن، فيه أي نجاحات، و أوكل لنجله الأثير الشئون الداخلية، مبارك الإبن، الذي تعلم إن السياسة الداخلية ليست إلا عملية تقسيم و بيع لممتلكات الشعب المصري، و مشاركة بالغصب لرجال الأعمال، و إن الشعب لا يعامل إلا بالعصى.


لقد تم تقاسم السلطة في مصر، منذ حوالي عقد من الزمن، و أثبت الإثنان فشلهم الواضح، و أصبح من الضروري وجوه جديدة من خارج تلك المنظومة الفاشلة، لو أردنا لمصر الخروج من أزمتها الراهنة المزمنة.


أخيراً نريد أن نعرف، لأنه حق أصيل لنا، كشعب، أن نعرف، تكلفة هذا المؤتمر الكاذب، و ما تحمله الشعب المصري من تلك التكاليف، مثلما نريد أن نعرف تكلفة كافة مؤتمرات شرم شيخ المنصر، و البطولات الرياضية التي إستضافها، ليعرف الشعب المصري، الذي يعيش نصفة تحت خط الفقر، و لا يجد ثلث من هم في سن العمل أي عمل، و يعمل الكثير ممن يعملون في وظائف لا تناسب تأهيلهم الدراسي، و لا تدر عليهم أعمالهم ما يكفي لأن يستقلوا بحياتهم، ليعرف كل مواطن مقدار ما أُقتطع من قوته و قوت عياله، إرضاء لغرور الطاغية.

أحمد حسنين الحسنية


حزب كل مصر

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف