أصداء

خدعونا فقالوا: التاريخ لا يعيد نفسه!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تعالوا نتفاءل ونثق أن التاريخ سيعيد نفسه مرات ومرات كما حدث من قبل.. عكس ما خدعونا به وصدقناه لنقع في فخ الإحباط واليأس.. فرددنا إلى حد القناعة: "ما في فايده".. وهذا هو الهدف من إدعائهم أن التاريخ لا يعيد نفسه.


لقد عاشت أمتنا العربية كما هي دول العالم بين مد وجزر في حركة التاريخ.. وفي كل مرة يعيد التاريخ كتابة نفسه ولكن بقلم مختلف.. وعلينا أن نتعلم من المد والجزر الماثل أمامنا فنعرف بوعي كيف نرسو بمركبنا وأشرعته مشرعة.. ليبحر في الوقت المناسب.. وليتفادى التحطم الجاهل بحركة التاريخ.


ألا نعيش اليوم ما كان أجدادنا وآباؤنا يعيشونه بالأمس مع الاختلاف في بعض الرتوش؟!!.. ألم تتمزق الدولة الإسلامية إلى ثلاث خلافات بعد أن كانت خلافة واحدة: الخلافة العباسية في الشرق، والخلافة الفاطمية في مصر وأجزاء من المغرب والشام، والخلافة الأموية في الأندلس؟!.. ألم تعاني أمتنا العربية في العصر الحديث من الخلافات مما أدي إلى لجوئها إلى "التشرنق" في مجالس تعاون عربية وخليجية ومغاربية لعل وعسى؟!!.. ثم دب الخلاف بين بعضها فانهار مجلس التعاون العربي بسبب الأطماع، وارتضى مجلس التعاون المغاربي الدخول إلى الثلاجة طوعا أو كرها، أو لنقل أنه زج به في حاضنة المبتسرين منذولادته، بينما صمد مجلس التعاون الخليجي بحسن النوايا وصدق التوجه على الرغم من بطء خطواته التي يشعر بها مواطنو المجلس وتحدثوا عنها غير مرة رغبة في زيادة التفعيل.


في الماضي بدأ التفكك والتشرذم في أمتنا بسيطرة السلاجقة على بغداد، ونجاحهم في بسط سيطرتهم على أجزاء واسعة من العراق وبلاد فارس وأرمينيا، وتوسعوا على حساب البيزنطيين في آسيا الصغرى حتى أجهزوا عليهم في معركة ملاذكرد التي قادها السلطان ألب أرسلان في أغسطس 1071م. ثم توسعوا على حساب الفاطميين في فلسطين والشام.


ودارت الدائرة.. فتفكك السلاجقة بعد وفاة سلطانهم ملكشاه سنة 1092م واقتتلوا وتناحروا.. حتى أصبحت سلطتهم تتكون من خمس ممالك: سلطنة فارس بزعامة بركياروق، ومملكة خراسان وما وراء النهر بزعامة سنجر، ومملكة حلب بزعامة رضوان، ومملكة دمشق بزعامة دقاق، وسلطنة سلاجقة الروم بزعامة قلج أرسلان في سنة 1096م.. والأكثر.. ظهور بيوت حاكمة لا يزيد شعب كثير منها عن مدينة واحدة بسبب ضعف الحكم في الشام بقيادة الأخوان: رضوان ودقاق.


ومما زاد الأمر سواء أن اقتتل الأخوان رضوان ودقاق، ودارت معارك شرسة بين محمد بن ملكشاه وأخيه بركياروق، تداولوا فيها اراقة الدماء والتهديد والوعيد بهدف الزعامة ولا شيء غير الزعامة.
وفي ظل هذا التمزق والضعف والاقتتال والكيد والضغائن.. هانت الأمة الإسلامية فبدأت الحملات الصليبية ضدها بقيادة رجل اسمه بطرس، كان مهلهل الثياب حافي القدمين يركب حمارا أعرج، لكن الله سلم واندحرت تلك الحملة التي كانت تظن أن المسلمين جسد بلا روح وأنه يسهل القضاء عليهم بأقل عدد وبأي عدة، فقتل من حملة بطرس 22 ألفا ولم يبق منهم سوى ثلاثة آلاف.


استشرت روح الانتقام لدى الصليبيين الذين جمعوا فرسانهم لضرب المسلمين حيث أسسوا إمارة الرها في مارس 1098م بزعامة بلدوين البولوني. ثم حاصروا أنطاكية تسعة أشهر حتى هلك أكثرهم، إلا أن الخيانة (!) جعلت أحد الأرمن وكان حارسا على أحد أبواب المدينة يفتحه أمام الصليبيين الذين اندفعوا داخل انطاكية واستباحوها وأسسوا فيها إمارتهم الثانية في العام نفسه بزعامة بوهيمند النورماني.
الغريب أن الفاطميين استغلوا فرصة الحرب بين السلاجقة والصليبيين، فانقضوا على صور سنة 1097م وتمكنوا منها، ثم سيطروا على القدس 1098م أثناء حصار الصليبيين لأنطاكية، بل انهم ارسلوا للصليبيين أثناء حصارهم لأنطاكية يعرضون التحالف معهم(!!) ضد السلاجقة.. بل وقتالهم إذا لزم الأمر.. بحيث يقتسمون معهم الغنيمة فتكون سوريا للصليبيين، وفلسطين للفاطميين.!!


أما باقي أمراء المدن الممزقة فقد قالوا: أسألك يا رب نفسي، أو أنا ومن ورائي الطوفان، ونسوا الحكمة التي حفظوها عن ظهر قلب: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، فحرص كل منهم على مهادنة الصليبيين واسترضائهم عسى أن ينجو بنفسه من شرهم. فاتصل بهم حاكم إقليم شيزر متعهدا بعدم اعتراضهم(!)، بل وتقديم ما يحتاجون من عون، وللتدليل على صدق نواياه أرسل دليلين ليرشدا الصليبيين على الطرق التي يريدوها!!، وقدم لهم حاكم حمص الهدايا!! ودفعت لهم طرابلس وبيروت الأموال.


وأمام هذا الانكسار والمهانة استطاع ريموند دي تولوز مواصلة زحفه إلى بيت المقدس على رأس ألف فارس وخمسة آلاف من المشاة، وفي 1099م مروا بعكا فقام حاكمها تمشيا مع الأوضاع السائدة وقتها بتمويلهم حتى احتلو قيسارية وأرسوف والرملة واللد وبيت لحم، وفي يونيو 1099م بدأوا حصار بيت المقدس، حتى سقطت في 15 يوليو 1099م حيث استباحوها لمدة أسبوع قتلوا خلاله في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفً مسلم.


وقد استقبلت الدولة الفاطمية التي هادنت الصليبيين ما حدث في الأقصى بـ"أُذن من طين وأُذن من عجين".. وكأن شيئا لم يحدث!


والغريب والمذهل أن الصليبيين أصبحوا بعد الاستيلاء على القدس جزرا متناثرة في المحيط الإسلامي، فلم يبق منهم بعد تلك المعارك إلا ثلاثمائة فارس وألفين من المشاة.. ومع هذا استمروا على ذلك الوضع مائتي سنة!! بسبب الامدادات التي كانت تصلهم تحت سمع وبصر وموافقة المسلمين.. وبسبب ضعف المسلمين وتخاذلهم.


وكان طبيعيا أن تتساقط باقي المدن الفلسطينية أمام الصليبيين ما عدا عسقلان، التي حوصرت حصارا شديدا، حتى عام 1153م، وعندما يأس الصليبيون وهموا بفك الحصار والعودة خائبين، أتاهم من يبلغهم أن أهل عسقلان دبت بينهم الفرقة، فكل منهم يدعي أنه هو صاحب الفضل في رد الصليبيين، وزاد الخلاف حتى تفرقوا واقتتلوا فذهبت ريحهم!!!، فعاد الصليبيون وانقضوا عليهم، وسقطت عسقلان بأيدي أبنائها لا بقوة أعدائها.


ورغم كل تلك الانتكاسات، والدروس والعبر، إلا أن الصراع استمر بين المسلمين، بل إن بعضهم استعان بالصليبيين على إخوانهم، مما دعم موقف الصليبيين الذين اكتفوا بالفرجة في أغلب الأحيان تبعا لمصلحتهم، ولعب دور الشرطي إذا اقتضى الأمر.. فقد تصارع طغتكين مع بكتاش على حكم دمشق، فاستعان الأخير بالصلبيين على خصمه، فلم يعطوه إلا الوعود، فانتصر طغتكين.. وعندما جاء جيش من العراق سنة 509هـ إلى الشام لجهاد الصليبيين بقيادة برسق بن برسق، خاف طغتكين على سلطانه فتعاون مع الصليبيين ضد جيش السلطان.. ثم انقلبت الأوضاع فاشتبك طغتكين مع الصليبيين في قتال مصلحة!، مرة بدعوى الجهاد، وأخرى دفاعا عن الحكم.


وقد استمرت مقاومة المسلمين ضد الصليبيين رغم ضعف الامكانيات.. ورغم دعم الصليبيين من بعض المسلمين، استمرت المقاومة سنوات طويلة ألحقت بالصليبيين خسائر كبيرة.. ومنها معركة نهر البليخ التي تحالف فيها معين الدولة سقمان وشمس الدولة جكرمش حرب ضد الصليبيين فقتلوا منهم 12 ألفا وأسروا قائدهم بردويل الذي فدى نفسه بخمسة وثلاثين دينارا و160 من أسرى المسلمين.
كما اجتمع المسلمون في سنة 507 هـ لقتال الصليبيين وانتصروا عليهم.. وعاد مودود بن التونتكين صاحب الموصل مع طغتكين إلى دمشق، وهناك في صحن المسجد في يوم الجمعة وثب عليه شخص فجرحه أربع جراحات، وأبى مودود أن يموت إلا صائماً، ويقال إن طغتكين هو الذي تآمر عليه. وكتب ملك الفرنج إلى طغتكين بعد قتل مودود كتاباً جاء فيه: "إن أمة قتلت عميدها يوم عيدها في بيت معبودها لحقيق على الله أن يبيدها"!!


وقد سخر الله للمسلمين قائدا فذا هو نور الدين زنكي الذي تولى ولاية الموصل، واجتهد في توحيد قوى المسلمين، وبسط حكمه على حلب وحماة وحمص وبعلبك، وسرجي، ودارا، والمعرة، وكفر طاب، وقلعة الصور في ديار بكر، وقلاع الأكراد الحميدية، وقلعة بعرين، وشهرزور، والحديثة، وقلعة أشب وغيرها، وفي سنة 534هـ حاول زنكي الاستيلاء على دمشق مرتين فقام الحاكم هناك معين الدين أنز بالتحالف مع الصليبيين ضد زنكي مقابل أن يحاصر بانياس ويسلمها لهم وتم له ذلك.


كانت فلسفة نور الدين زنكي هي بناء قوة المسلمين أولا، والارتقاء بهم في جوانب الحياة المختلفة وذلك وفق تصور إسلامي متكامل لإعادة أمجاد المسلمين وطرد الاحتلال الصليبي من بلادهم.
كان نور الدين تقيا ورعا زاهدا متواضعا، كثير الصيام، يؤدي السنن، يقوم الليل والناس نيام، فقيها واسع العلم، قوي الشخصية، جادا، قال ابن الأثير: "طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام، وفيه إلى يومنا هذا، فلم أرَ بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين" وقد جاءه التشريف من الخلافة العباسية وتضمن قائمة بألقابه التي يذكر بها على منابر بغداد: "اللهم أصلح المولى السلطان الملك العادل العالم العامل الزاهد العابد الورع المجاهد المرابط المثاغر نور الدين وعدته، ركن الإسلام وسيفه قسيم الدولة وعمادها، اختيار الخلافة ومعزها، رضي الإمامة وأثيرها، فخر الملة ومجدها شمس المعالي وملكها، سيد ملوك المشرق والمغرب وسلطانها، محي العدل في العالمين، منصف المظلوم من الظالمين، ناصر دولة أمير المؤمنين"!! وتواضعا منه أوقف كل ذلك مكتفيا بدعاء واحد هو "اللهم أصلح عبدك الفقير محمود بن زنكي".


بعد توحيد جهود المسلمين ولم شملهم، حرص نور الدين زنكي على ضم دمشق التي كانت حائلا بينه وبين الصليبيين في فلسطين، وكان الحكم فيها مرة يصادق الصليبيين ومرة يقف ضدهم تبعا لمصلحته وتوطيد أركانه، وبصبر وحكمة استطاع نور الدين أن يفتح دمشق في صفر 549-25 إبريل 1154م، وبعد أن خضعت الشام كلها له بدأ يفكر في السيطرة على مصر لوضع الصليبيين بين فكي الكماشة.
كان الصراع على الوزارة في مصر على أشده، وقد استعان شاور أحد المتنافسين بنور الدين زنكي ضد منافسه ضرغام في سنة 559هـ، واعدا إياه بثلث دخل مصر، فوجدها نور الدين فرصة، فأرسل له العون والمدد بقيادة أسدَ الدين شيركوه الذي هزم ضرغام وقتله، ولكن شاور غدر بشيركوه واستعان بالفرنج لإخراجه من مصر، وفعلا حاصروا شيركوه وجنوده في بلبيس ثلاثة أشهر حتى جاءتهم أخبار انتصارات نور الدين فعرضوا الصلح والعودة إلى الشام فوافق.


وبعد ثلاث حملات تمكن نور الدين من السيطرة على مصر بقيادة أسد الدين شيركوه، الذي تولى الوزارة بدلا من شاور الذي قتل في المعارك، إلا أنه توفى بعد شهرين، فتولي صلاح الدين يوسف الأيوبي الوزارة مكانه، وكانت في ذلك نهاية الخلافة الفاطمية، واصبحت مصر تحت الخلافة العباسية بقيادة نور الدين زنكي. وتوالت الفتوحات حتى امتدت الخلافة الإسلامية بوحدة المسلمين لتشمل العراق والشام ومصر واليمن.


وخلال فترة حكم نور الدين زنكي التي امتدت من 1146-1174م لم تتوقف المعارك بينه وبين الصليبيين، حيث كان يستولي على الممالك الصليبية حتى تمكن من استرجاع وتحرير حوالي 50 مدينة وقلعة من السيطرة الصليبية. وقهر الحملة الصليبية الثانية (1147-1148م) التي شارك فيها ملك فرنسا لويس السابع وإمبراطور ألمانيا كونراد الثالث، حيث كسرت هيبة الصليبيين ورفعت الروح المعنوية لدى المسلمين.


وبعد معارك استمرت طويلا تمكن نور الدين زنكي من حصار بيت المقدس، ومن أشهرها المعركة التي وقعت عند تل حارم في رمضان 559هـ- 11 أغسطس 1164م. حيث قتل فيها عشرة آلاف من الصليبيين وأسر عشرة آلاف أو أكثر، وكان من بين الأسرى أمير أنطاكية وأمير طرابلس وحاكم قلقيلة البيزنطي وأسر جميع الأمراء عدا أمير الأرمن.
توفى نور الدين زنكي عن عمر يناهز 60 عاما قضى منها 20 عاما في الجهاد في سبيل الله، كان ذلك في 15 مايو 1174م، 11 شوال 570هـ.


كان صلاح الدين الأيوبي الذي تولى الأمر في مصر متسما بالعدل، كثير الذكر، شديد المواظبة على صلاة الجماعة والمواظبة على السنة والنوافل، ويقوم الليل، ومات ولم يكن لديه من الأموال ما تجب فيه الزكاة، واستنفدت صدقة النفل جميع ما ملكه، ولم يخلف في خزائنه من الفضة والذهب إلا 47 درهماً ناصرية، وديناراً واحداً ذهباً، ولم يخلف ملكاً ولا داراً ولا عقاراً ولا مزرعة... عزم على الحج في السنة التي توفي فيها ولكنه لم يستطع بسبب ضيق ذات اليد وضيق الوقت.


وما أكثر المعارك الداخلية والخارجية التي خاضها صلاح الدين لصد الصليبيين وإصلاح ذات البين، بذل الكثير من الجهد في إعداد الجبهة الداخلية لأنه كان يعلم علم اليقين أن المعركة الفاصلة مع الصليبيين قادمة لا محالة، وأنها ستفرض عليه إن لم تكن من طرفه، لأنه كان حريصا على الدفاع عن بلاد المسلمين واستعادة الحق المسلوب.


جهز صلاح الدين جيشه للمعركة الفاصلة وكانوا 12 ألف مقاتل نظامي غير المتطوعين، وجهز الفرنج أنفسهم وتصالحوا فيما بينهم، تجمعت ملوكهم وجيوشهم، وكانوا حوالي 63 ألف مقاتل.
وجاءت معركة حطين، ولسنا في معرض الحديث عن تفاصيلها، لكن من نتيجتها قتل ثلاثين ألفاً من الصليبيين وأسر ثلاثين ألفاً، وكان فيمن أسر جميع ملوكهم سوى أمير طرابلس. وفتح الطريق أمام المسلمين لتحرير معظم أرجاء فلسطين في شهرين تقريباً، وكان جملة ما فتح حوالي خمسين بلداً. كما تم للمسلمين فتح القدس في 27 رجب 583هـ-2 أكتوبر 1187، بعد 91 سنة هجرية (88سنة ميلادية)، وعاد صوت الآذان يصدح في جنبات الأقصى، وتم إحضار المنبر الذي أعده نور الدين له قبل فتحه بعشرين سنة.


ولأن التاريخ يعيد نفسه، دب النزاع والشقاق بين خلفاء صلاح الدين، ودخلوا بعد سنوات من وفاته في صراعات دموية أضعفتهم، وقوت شوكة المملكة الصليبية في عكا التي استمرت وتمددت في بعض الأحيان على حسابهم. لقد كان حب الدنيا وحب السلطان ولو على حساب المبادئ والمقدسات أحد المظاهر التي حكمت عدداً من سلاطين الدولة الأيوبية، فتحالف بعضهم مع الصليبيين ضد بعض وعرضوا عليهم بيت المقدس أكثر من مرة مقابل أن ينتصر سلطان الشام على سلطان مصر أو العكس!! إلا أن الصليبيين كان هدفهم الجمل بما حمل، لذلك لم يسعدوا طويلا بهذا العرض السخي فتوالت حملاتهم على بلاد المسلمين بالحملة الرابعة والخامسة التي شعر معها السلطان الأيوبي الكامل محمد بن محمد بن أيوب بخطورة الوضع، فعرض عليهم الصلح مقابل تسليمهم القدس ومعظم فتوح صلاح الدين(!!)، فرفضوا وطالبوا بجنوب شرق الأردن أيضاً (الكرك والشوبك) وقام الملك المعظم عيسى بن أحمد بن أيوب صاحب دمشق بتدمير أسوار القدس وتخريبها حتى لا يستفيد منها الفرنج إذا احتلوها 616هـ -1219م، لكن الأيوبيين حشدوا قواهم في النهاية واستطاعوا هزيمة الصليبيين الذين عادوا خائبين إلى عكا بعد أن فاتتهم الفرصة.


ولأن التاريخ يعيد نفسه، نشب الخلاف بين الكامل محمد والمعظم عيسى، مما أدى إلى استنجاد الكامل محمد بفردريك الثاني امبراطور الامبراطورية الرومانية مقابل تسليمه القدس إن هو ساعده على أخيه المعظم عيسى. وجاء فريدريك الثاني يقود الحملة الصليبية السادسة ووصل إلى عكا سنة 625هـ-1228م، ورغم أن المعظم عيسى توفي فلم يعد الكامل بحاجة إلى فردريك الثاني، إلا أن الكامل فرط في القدس "وفاء" بعهده لفردريك!! الذي لم يكن لديه من القوة ما يكفي لإجبار المسلمين على التنازل عن القدس بل إن فردريك اضطر للبكاء واستعطاف الكامل في مراحل المفاوضات ليتسلم القدس!! ومما قاله للكامل "... أنا مملوكك وعتيقك وليس لي عما تأمره خروج.... فإن رأى السلطان أن ينعم علي بقبضة البلد والزيارة فيكون صدقة منه ويرتفع رأسي بين ملوك البحر"!! واستجاب له الكامل وعقد معه صلح يافا 626هـ- 18فبراير 1229م لمدة عشر سنوات وبمقتضاه تقرر أن يأخذ الفرنجة بيت المقدس وبيت لحم وتبنين وهونين وصيدا مع شريط من الأرض من القدس يخترق اللد وينتهي عند يافا فضلاً عن الناصرة وغرب الجليل، على أن يكون الحرم بما حواه من الصخرة والمسجد الأقصى بأيدي المسلمين.
استمر الصراع بين أبناء البيت الأيوبي، حتى أن الناصر داود صاحب الأردن انتهز فرصة انتهاء مدة صلح يافا وتحصين الفرنج بيت المقدس خلافا لما اتفق عليه فاستولى على القدس وطرد منها الصليبيين في 6 جمادى الأولى 637هـ - 7 ديسمبر 1239م، لكن الأغرب أن يسلمها لهم الصالح إسماعيل صاحب دمشق 638هـ-1240م!! بعد أن طلب مساعدتهم له ضد صاحب مصر الصالح نجم الدين أيوب.
استمر الخلاف بين أبناء البيت الأيوبي، وظلت القدس بعد خمسين سنة من تحريرها على يد صلاح الدين ورقة مساومة بين الأمراء الأيوبين والصليبيين، ولم ينقذها منهم إلا وحدة المسلمين كما فعل صلاح الدين.


تأملوا معي: أليس مايحدث اليوم هو صورة طبق الأصل لما حدث بالأمس من تهاون وهوان وضعف وخيانة وتمزق وصراع على كرسي الحكم؟


ألا تجدون معي أن التاريخ يعيد نفسه في حركة مد وجزر.. لذلك.. أتمنى ألا نصاب بالإحباط.. ولنعش على أمل أن يأتي المد.. وننتظر المدد من الله سبحانه وتعالى حتى يصلح حال الأمة التي لن ينصلح حالها إلا بما صلح عليه حال السابقين.. وإذا كان غد أمسنا قد انتهى بتحرير القدس بوحدة المسلمين وتكاتفهم، فنحن ننتظر أن يكون غدنا مثل غد الأمس.. طالما ثبت بالدليل القاطع.."أن التاريخ يعيد نفسه".


حمدي نصر

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف