أصداء

هل ينقذ حلف أم درمان الإنقاذ؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مخطئون أولائك الذين يعولون كثيرا على ما أثمر عنه التحالف الجديد المنعقد في أم درمان الأسبوع الماضي. وليس من الحكمة في سودان اليوم التفاؤل أو عقد الآمال على اجتماع أطرافه الجنرالات البشير وسوار الذهب وعثمان عبد الله، ويوسف عبد الفتاح والسادة المهدي والميرغني ونقد والترابي والهدية وغيرهم. والقاسم المشترك في حلف أم درمان الجديد "القديم" هو أن هؤلاء المشيرون وأولئك السادة الساسة العواجيز تقاسموا حكم السودان فتفاقمت أزماته في عهودهم في كل زمان، وزادت حروبه الأهلية اشتعالا في كل مكان. فهذه الشخصيات لا تملك ما تقدمه للبلاد أكثر من تاريخها المكلل بالفشل المعروف للقاصي والداني، فمن كان سبباً في مشاكل السودان وأزماته لن يكون بالطبع مفتاحا أو سببا لحل هذه الأزمات والحروب.

فقد سبق أن انبرى بعض "قادة جمع الصف الوطني" لمهام وطنية جسام والإنقاذ لم تكمل عامها الأول بعد، من اجل حقن الدماء عندما تعرضت الإنقاذ لامتحانها العسكري الأول في صبيحة 28 رمضان 1990 فتسببت وساطتهم في "إنقاذ الإنقاذ" وإزهاق أرواح عزيزة، وسالت بقدرهم دماء كثيرة لم تجف إلى يومنا هذا. فهذه الهيئة على رأسها حسب ما ظهر من أمرها من هو حانث بقسمه الديني رغم ما عرف به من ورع، وآمر بضرب الجماهير المنتفضة على الدكتاتورية "ضرب البط" في ابريل 85، ومن توعد الشعب السوداني في صبيحة 30 يونيو بمزيد من الثكالى واليتامى في خطبه سيئة الذكر، ومن الطبيعي أن لا تجد مبادرة هؤلاء رجالها، طريقها إلى جماهير الشعب الواعية في العاصمة والأقاليم.

وحقيقة فان الإنقاذ عقدت العزم منذ اليوم الأول لتآمرها على البلاد بأن تستخدم كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية وتوظف كل الشخوص والأدوات من اجل إسالة مزيد من الدماء لأجل تطبيق مشروعها الحضاري المتهاوي، وقد وضعوا لذلك سقفا هو تطبيق المشروع ولو اضطروا لإبادة كل الشعب ليبق منه "عشرات تؤمن به". ولم ينضب معين الإنقاذ من حيل وتكتيكات، فمن الخطة (ب) التي صاحبت تنفيذ الانقلاب والتي كانت تهدف إلى إحداث فوضى وتصفيات في حالة فشل الانقلاب، وصولا إلى هيئة جمع الصف الوطني برئاسة سوار الذهب، وما بين هذه وتلك يقف طابور طويل من "أقطاب العاصمة" ممن تخصصوا في خدمة الأنظمة العسكرية الشمولية لوأد أحلام الشعب السوداني وقمع طموحات أقاليمه.
إن القرار 1706 هو اخطر ما توجهه الإنقاذ في تاريخها الدموي الطويل، و على أساسه قامت وتشكلت هيئة جمع الصف الوطني لدرء مخاطره على النظام واعتباره كارثة على "السودان" ككل، فجابت الهيئة على كل الأحزاب والتشكيلات السياسية "الخرطومية" علّها تفوز بصكوك منها لإطالة عمر النظام بضعة أشهر. وبسبب القرار 1706 حدثت قطيعة بين النظام والحركة الشعبية شريكه الأساسي، وبينه وبين حركة تحرير السودان المتصالحة، اللتين رحبتا بمقدم القوات الدولية لدارفور حقنا للدماء وحفظا للأرواح. كما احدث القرار انقساماً حاداً في منظومة السلطة نفسها، لدرجة أصبح معها الحديث عن الصراع والفرقاء مباحا للصحف. وأكثر ما تخشى الإنقاذ من هذه القوات الدولية هو تحولها إلى شرطة دولية لاصطياد قائمة الواحد وخمسين التي بينها الرؤساء والوزراء المتنفذين لمحاكمتهم بالجرائم التي اقترفوها في دارفور.

فمن ينقذ الإنقاذ من نفسها إذن؟ هل سينقذها حلف أم درمان الذي اجتمع بالأمس؟ إن هيئة جمع الصف الوطني هي امتداد للعقلية المركزية التي لا ترى خارج حدود العاصمة، ولا ترى في الشعب السوداني غير وصايتهم الإلهية عليه. ويجسد حلف أم درمان قوى المركز في أبهى صورها، فمخطئ من يظن هذه الشخصيات المجتمعة هي رؤوس لأحزاب سياسية، بل هي في اجتماعها الأخير كانت تمثل "المركز" وعقله المدبر وقلبه النابض، وعينه الساهرة على حمايته من الغير، وحارسة مصالحه. لذلك كلما نابت الإنقاذ نائبة من الدهر تصدوا لها حماية للإنقاذ التي تشكل الآن عندهم رأس المركز ورمحه المصوّب على الآخرين. وتمثل الهيئة أيضا استمرارا لعقلية قوى السودان القديم التي أخافتها ثورة الإقليم المهمشة فقامت للدفاع عن مصالحها التاريخية المشتركة مع الإنقاذ بحجة "جمع الصف الوطني" "وتوحيد الجبهة الداخلية"، وغيرها من التخريجات التي تروج بأن البلاد في خطر دون التطرق لأسباب هذا الخطر أو الإشارة لمن تسبب فيه. تلك شعارات زائفة ألفنا ظهورها كلما وجدت الدكتاتورية نفسها في مضيق سياسي وخناق شعبي يهدد بقائها في السلطة.

مشاكل الإنقاذ لا تعنينا في كثير شيء مهما حاول هؤلاء الربط بين مصير قيادات الإنقاذ ومصير بقاء الوطن كله. فمشاكل الإنقاذ مع المجتمع الدولي هي مشكلتهم هم وحدهم وتخصهم هم في المقام الأول ولن يتطوع احد لفدائهم ولن يسمح النظام الدولي بذلك. وموضوع القوات الدولية هم الذين قدموا رقاع الدعوة لها في ورق مذهب حينما برعوا في تقتيل والفتك بأبناء دارفور الأبرياء، فهم الذين ابتكروا وأبدعوا أساليب الفتك والدمار والاغتيالات وغيرها. فهل نجازيهم بالمد في عمرهم؟ وإذا حدث ذلك فهل يتوقعون أن يلزم العالم الصمت إزاء كل هذه الجرائم البشعة ضد الإنسان السوداني؟ فالذي سيواجه المصير أمام محكمة الجنايات الدولية هم هؤلاء المجرمون وليس الوطن ولا أبناء دارفور الأبرياء، ولن تصيب الوطن كارثة بغيابهم أو إدانتهم وسجنهم.

تخطئ المعارضة إن ظنت أن دخول القوات الدولية سيحرجها أمام الجماهير السودانية التي اختارت هذا وعملت وصلت من اجله كل يوم. وتخطئ المعارضة إن ظنت أن معارضتها هذا النظام تتم باستخراج الاذونات والتصاريح اللازمة للمظاهرات، فالحكومة تسعى "لتليين" و"تهذيب" و"تدجين" المعارضة وتكريس سياسة الحزب الواحد الحاكم في ظل أحزاب ذليلة تابعة وخاضعة خانعة تستجدي التيار الكهربائي لعقد اجتماعاتها في أم درمان.

وتخطيء المعارضة أيضا إن ظنت بعد كل هذه السنوات أن نظام الإنقاذ سيزول بهذه المعارضة الناعمة، وبهذه البطولات الكرتونية التي تتم على ضوء الشموع وأنوار السيارات، فنظام هذه ممارساته وسلوكه لا تجدي معه إلا المقاومة المستمرة، مقاومة تكسر حاجز الخوف وتستنهض الجماهير للقيام بدورها في الانتفاضة الشعبية، وليس معارضة تقاسم النظام مأدبة عشاء تستفز بها جموع الجماهير الغاضبة والجائعة.

على المعارضة وكافة جموع الشعب السوداني في العاصمة والأقاليم الثائرة ألا تنخدع بهذه المحاولات البائسة ولا تنجر وراء "طيبة" أو "ورع" "وصيام وقيام" أقطاب الخرطوم التي تقودها وتروج لها، فهذا النظام عاطب لا يمكن إصلاحه ولن ينصلح حاله كما قال الراحل د. جون قرنق: This Regime is too deform to be reformed.

إبراهيم علي إبراهيم
* متخصص في شئون الكونجرس.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف