حماية مسيحيي العراق واجب ديني وانساني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يتعرض المسيحيون العراقيون الأبرياء هذه الأيام وامام انظار الحكومة والعالم، الى ملاحقة وقتل وتهجير ليس لمخالفتهم قانون السكن او سرقة اموال الدولة العراقية، ولا لأنهم ينتمون الى ميليشيا حزبية طائفية معينة، انما السبب هو لأنهم ينتمون الى الديانة المسيحية السمحاء، فهؤلاء الأبرياء بين نارين، نار دولة الطائفية الدخيلة ونار دولة الإمارة الإسلامية المتطرفة، هذا القوم المسيحي المسالم والذي تعايش مع المسلمين منذ الاف السنين، يواجه اليوم وخاصة في بغداد حملة شرسة متطرفة لإجباره على اعتناق الإسلام او دفع الجزية او الرحيل عن العراق، فبالرغم من ان هذا القوم المسيحي له ممثلين ومشاركين في الحكومة والبرلمان استنادا الى المحاصصة الطائفية سيئة الصيت، والتي لم يجني منها شعبنا العراقي بكل مكوناته غير التمزيق والمصائب والويلات، فقد بقي هذا المكون يتعرض الى تصفية تلو الأخرى بغية إنهاء وجوده والقضاء على تأريخه الحافل بالمنجزات العظيمة. وليس غريبا ان قلنا ان مسيحيوا العراق قاطبة مع بقية الاقليات الدينية الأخرى كاليزيدية والصابئية والشبك لم يتعرضوا للقتل او التهجير ولم تهدم وتحرق كنائسهم ومعابدهم يوما ما، الاّ بعد تدمير العراق وتمزيق وحدة شعبه على يد قوات التحالف والمتعاونين معها من الظلاميين والعنصريين، حيث تم تعيين حكومة محاصصة طائفية غير كفوءة استمرت في نهجها الى يومنا هذا فاصبح المسيحيون العراقيون وباقي الأقليات تحت رحمة الأحزاب الدينية المتطرفة المتنفذة.
وكما قال قداسة البطريرك مار دنخا الرابع في نداءه الى اعضاء الحكومة العراقية والبرلمان..
{ نحن المسيحيين و منذ الفي سنة عشنا ولانزال نعيش في هذه البلدان المشرقية خاصة في بيث نهرين العراق، معا مع جيراننا المسلمين بالمحبة و الاحترام و السلام، نحن ابناء العراق الاصليون فلماذا اليوم وفي القرن الحادي و العشرين ترتكب اعمال ظلامية لا انسانية ضد مسيحيي العراق }.
فمنذ الهجوم الشامل على العراق وتدميره وسيطرت القوى الشريرة على مقاليد الحكم بدعم واضح من قوات التحالف بدأت مظاهر الطائفية والقتل على الهوية تظهر وتنتشر شيئا فشيئا حتى طالت الأبرياء من اتباع الديانات غير المسلمة، وانطلقت اولى شرارتها من بغداد والبصرة والموصل على وجه الخصوص ولمختلف الأسباب، منها اصحاب محلات باعة الخمور المساكين اولى الضحايا، حيث تم مطاردتهم لأن اجازات بيع الخمور كانت محصورة لأبناء الطائفة المسيحية فقط، حيث يحرم على المسلمون بيع الخمور او المتاجرة بها، الامر الذي جعلهم صيدا سهلا للمتشددين الاسلاميين الطائفيين من السنة والشيعة على السواء، فبعض هؤلاء قام بارسال تهديدات لاصحاب هذه المحلات باغلاقها او تركها ومن لم يلتزم خلال فترة معينة يتم قتله في محله او في محل سكناه وامام انظار ذويه، كل ذلك يحدث امام حكومة مسؤولة عن حماية الشعب ولطالما ادعت انها شرعية ومنتخبة، واليوم وبعد اربع سنوات من انفلات الأمن وسيطرت ميليشيات الأحزاب الدينية الطائفية على الحكم والشارع، تكشفت النوايا وتوسعت رقعة الجريمة فتم تنفيذ النصوص التي ستفتح لهم ابواب الجنة كما يعتقدون، حيث يتم قتل وتهجير وتكفير المسيحيين استنادا لذلك، واخر ما وصلنا من المعلومات، ان في منطقة الدورة والتي كانت مكانا آمنا للمسيحيين قبل العدوان على العراق يطلب اليوم من القلة المسيحية المتبقية اشهار اسلامهم واما دفع الجزية او انتظار مصيرهم المجهول !
اما النساء المسيحيات الأبرياء بعد العدوان على العراق فقد اضطررن لارتداء الحجاب من اجل عدم تمييزهن من قبل المتشددين او الطائفيين، وما زالت هذه الظاهرة قائمة وامام انظار الوزراء والمسؤولين وخاصة في الدوائر الرسمية.
ان الأقلية المسيحية في العراق، هم في الأصل ينحدرون من اصول آشورية امتلكت ارض ما بين النهرين وبنت عليها اعظم حضارة عرفتها البشرية، ويفتخر هذا القوم انه كان من اوائل الأقوام التي اعتنقت المسيحية في المشرق، وقد شاركوا جميعا بكل اخلاص وتفاني مع المسلمين الشرفاء في خدمة بناء العراق عبر مؤسساته الرسمية والمدنية منذ تأسيسه، واليوم ولأسباب سياسية خلقتها الظروف "الطائفية الدخيلة" حيث يتم الخلط بين الاشوريين والكلدانيين فيشار لهم مرة بالكلدواشوري السرياني ومرة بالكلدو اشوري وهي تسمية يرفضها بعض من قادتهم السياسيين، والتسمية ما زالت وستبقى موضع نقاش سيستمر اجيالا اخرى، { لكن المهم انهم مسيحيون ويتعرضون للقتل والتهجير }.
لكن الأهم هو المصير الأسود الذي ينتظر هذه الأقلية على يد القوى الدينية الطائفية التي تدير شؤون الشعب العراقي اليوم، هذه القوى باتت تشكل خطرا على شعب العراق، بل خطر على الإسلام نفسه، وخطر بالغ على بقية الأقوام التي تعيش على ارضه، نعم هي خطر علي العراق لأن أحلامها للسيطرة على السلطة دفعتها إلى مشروع تطهير طائفي وحشي لخلق واقع عراقي منقسم علي ذاته كما نراه على الأرض، واقع يلغي مفهوم الوطن والوطنية، واقع يؤدي إلى انهيار ملايين الأسر العراقية الشريفة المختلطة والمتداخلة، نعم ان هذه القوى كا ظهرت تشكل خطرا ايضا علي الإسلام ومذاهبه لأنها تقودهم إلى عالم المجهول الذي لا يعرفه الأخرون !، وما نراه اليوم من قتل وتهجير على الهوية ما هو الا افراز للمشروع الطائفي البغيض الذي تبنته الحكومات المتعاقبة منذ سقوط نظام الحكم الدكتاتوري في 2003 وتدعمه دول الجوار وبمباركة من المحتل الذي لم يحسن ادارة البلد !
ان استمرار المشهد الطائفي الدموي في العراق والذي توسع ليشمل المسيحيين الآمنين سيؤدي الى افراغ العراق من ابناءه المخلصين كما سيؤثر ذلك على مصداقية رجال الدين المسلمين في توجهاتهم الإسلامية والتي تدعو الى الحفاظ على ارواح الأقليات في البلدان الإسلامية، واشير هنا الى تورط حكومة إيران في كل ما يحدث في العراق من اقتتال طائفي وتطهير عرقي حيث يلقى الدعم من بعض التنظيمات الإسلامية المتشددة الأخرى في الداخل والمشاركة في السلطة، وما زاد الطين بلة هو دخول تنظيم القاعدة الى العراق لمحاربة اميركا عبر الحدود التي انهارت حراستها بعد الغزو، فكان الشعب العراقي هو الضحية المطلوبة !
لقد اتضحت ملامح المشروع الطائفي للقوى الدينية السياسية في العراق منذ سقوط الدكتاتور وقد قلنا وقالها غيري كثيرون ان الحاكمون الجدد طائفيون وان العراق سائر الى الهاوية والحرب الأهلية ستحرق الأخضر باليابس، وان الحل الوحيد لإستقرار العراق هو في تغيير عقلية الحكومة والغاء الدستور والبرلمان والإتيان برجال اكاديميون مخلصون وطنيون يشكلون حكومة نزيهة وبرلمان كفوء ودستور عقلاني يوفر كل الضمانات للشعب العراق مبني على اساس الوطنية ونكران الذات.... ولكن نداءاتنا لا تجد أذنا صاغية !
وبكل ثقة نقول، أننا نحن المسيحيون العراقيون سنبقى مخلصون لعراقنا ارضا وشعبا، وسنبقى على العهد نحترم اصحاب الديانات الأخرى ونقف معهم في السراء والضراء، ونقول لأخوتنا المسلمون العراقيون سنة وشيعة أننا للأسف لا نملك من الأمر شيء إلا التنديد وعدم الرضا بما تفعله القوى الطائفية المجرمة في العراق، ونطالبهم بالوقوف معنا في محنتنا لأن هؤلاء القتلة سواء من كان منهم في الحكومة او خارجها مدعومون من قبل قوى قوية كأمريكا وايران ولا طاقة لنا لصدهم، فهي الجبروت المتنفذ وصاحب الشأن في مصير بلادنا الجريحة اليوم.
وكما أكد الدكتور المطران لويس ساكو رئيس اساقفة كركوك للكلدان، في مقابلة تلفزيونية.
{ لقد كنا ولا زلنا ويجب أن نظل أبداً مسلمين ومسيحيين متعايشين متحابين تجمعنا الوطنية والمحبة }
فإن خوفي الشديد يزداد لأن التطرف الطائفي والتمييز اذا ما انتشر ليشمل عموم البلاد العربية فانها ستقضي على كل الشرفاء والمخلصين لأوطانهم واخص بالذكر الأقلية من المسيحيين سكنة الأوطان العربية.
أناشد كل المسلمين عربا وكردا وتركمان، سنة كانوا أم شيعة، أن يعلموا أن الطائفية والمذهبية، ليست ثقافة عراقية اطلاقا، بل هي ثقافة جاءتنا من خارج الحدود، وأن الحرب على العراق ليست مسيحية اسلامية ولا شيعية سنية ولا عربية كردية، بل هي حرب دول على المصالح وحرب عصابات عالمية وبعضها حرب ميليشيات تتبنى خطابا تعبويا دينيا مذهبيا لخداع السذج من الشيعة والسنة، وهي في حقيقتها لا تمثل إرادة طائفة الشيعة العراقيين البسطاء ولا ارادة البسطاء من العراقيين السنة !
وإني إذ أشعر بالغبطة عندما أجد عقلاء من السنة والشيعة يميزون بين المجرمين وبين المخلصين، واشعر بالسعادة حين اقرأ ما يكتبونه من كلام يدعو الى وحدة العراقيين والى نشر المحبة والسلام، علينا أن نعمل جميعا لكشف زيف المتاجرين بالدين الإسلامي ونطالب دائما بمعاقبة كل موقديها مهما كانت طوائفهم ومذاهبهم.
ان حجم المأساة كبير جدا، فالقتل على الهوية والتطهير الطائفي اللذان تشهدهما بغداد وباقي مناطق العراق الأخرى، تسللا إلى الأقوام الغير مسلمة وهذا ما يجعلنا ومعنا الشرفاء من العراقيين على اختلاف انتماءاتهم ايصال ذلك الى الجهات الدولية والعربية لتتدخل لمنعها من الإنتشار والتوسع، وبات من الضروري الآن أن يتحرك الجميع، قادة الرأي وقادة الكنيسة، والأساتذة والعلماء، وقادة الأحزاب المسيحية والقومية، والفنانين وغيرهم، لمحاصرة الخطر الطائفي ومن يقف وراءه.
نطلب من الله السلام والامن لكل العراقيين، مسلمين و مسيحيين صابئة ويزيديين وشبك وغيرهم كما كانوا قبل الغزو آمنين، وان يستمتعوا بخيرات الوطن التي ستؤمن لهم مستقبلهم ومستقبل اطفالهم في ظل حكم وطني شريف يحترم كل الأديان وكل المعتقدات ويوفر لهم الأمن والسلام.
ادورد ميرزا
استاذ جامعي مستقل