أصداء

مطلوب إعتراف عربي إسلامي بجرائم الأنفال

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مطلوب إعتراف عربي إسلامي بجرائم الأنفال و تعريفها على أنها جرائم إبادة بشرية

على خلفية المؤتمر الذي تم عقده في عاصمة هولندا السياسية دنهاخ/لاهاي على مدى يومي 20 و 21 من شهر أبريل المنصرم الذي عقده المركز الثقافي الكوردي في دنهاخ في الذكرى السنوية لجرائم الأنفال، خرج المشاركون في المؤتمر بجملة من التوصيات من أهمها:
العمل على عقد مؤتمر موسع وعلى أرض كوردستان، بمشاركة مختصين و سياسيين و أساتذة جامعات و باحثين في مجال الجينوسايد و العدالة الدولية، من داخل و خارج كوردستان، و أيضاً بحضور كل من رئيس العراق و إقليم كوردستان، و رئيس حكومة العراق و إقليم كوردستان، و برلمان العراق و إقليم كوردستان و سفراء مختلف دول العالم و ممثلين عن منظمات حقوق الإنسان و الأمم المتحدة.يكرس المؤتمر لمناقشة مسألة تعويض أهالي ضحايا تلك الجرائم البشعة مادياً و معنويا.


و السعي نحو الحصول على إعتراف عراقي و دولي بجرائم الأنفال على أنها جريمة إبادة جماعية إرتكبها النظام الفاشي ضد الشعب الكوردي و تعريفها بالعالم الخارجي و منظمات حقوق الإنسان الدولية على هذا الأساس.. إضافة إلى إدخال تفاصيل الجريمة في المناهج الدراسية، و إعتبار يوم إستذكارها سنوياً في يوم محدد في عموم العراق..


و من بين التوصيات أيضاً العمل على تطوير الجانب الإعلامي الكوردي الموجه إلى العالم الخارجي، بهدف العمل الجدي على تعريف الجريمة بالأوساط الدولية على نطاق واسع، هذه المهمة التي هي من صلب مهام الإعلام الحكومي الكوردي الموحد.


و من النقاط المهمة التي تم طرحها بإهتمام بالغ كانت مسألة التأكيد على مواصلة محاكمة كل من له ضلع بتلك الجرائم و محاكمتهم محاكمة عادلة، علنية و شفافة..و أخيراً دعى المشاركون في المؤتمر إلى السعي من أجل توحيد كل الجهود التي تصب في مجال التعريف بهذه الجرائم و العمل على إنتزاع الإعتراف الدولي، سواء الجهود الكوردية، أو العراقية..

و رغم قناعتي أن إعتراف دولي و رسمي بأن جرائم الأنفال هي جرائم تصنف على أنها جرائم إبادة بشرية، جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية، و هذا بالمناسبة ما أقرت به المحكمة العراقية، و هي نفس الجرائم التي يذكرها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلا أن الضمير الإنساني يقف حائراً و متسائلاً أمام الصمت العربي و الإسلامي إزاء قضية إنسانية بحجم جريمة الأنفال، ففي الوقت الذي ينادي الجميع بمحاربة كل أشكال الإرهاب الآن في العالم، إلا أننا نجد أن الدول العربية و الأنظمة الإسلامية في العالم يتجاهلون كل معاناة الشعب الكوردي و الجرائم التي وقعت عليه، في حين أن موت طفل في فلسطين على سبيل مثال هو نفسها جريمة بشعة لو كان الطفل كوردياً أو من أي قومية أخرى.. لا أجد أي تبرير للسكوت الواضح إزاء جرائم الأنفال و بشاعتها و عدم الإعتراف بها.


يرد في المادة السادسة لنظام روما التي تخص (الإبادة الجماعية) ((أن "الإبادة الجماعية" تعنى أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكا كليا أو جزئيا:
قتل أفراد الجماعة؛ إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة؛ إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا أو جزئيا؛ فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة؛ نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.)) *1* و هذا كله ينطبق على طبيعة جرائم الأنفال.
و في الفقرة السابعة و التي تخص (جرائم ضد الإنسانية) من نفس النظام يرد أن: ((أي هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم بهدف:
القتل العمد؛ الإبادة؛ الاسترقاق؛ إبعاد السكان أو النقل القسرى للسكان؛ السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي؛ التعذيب؛ الاغتصاب، أو الاستعباد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة، اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرف في الفقرة 3، أو لأسباب أخرى من المسلم عالميا بأن القانون الدولي لا يجيزها، وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة؛ الاختفاء القسري للأشخاص؛ جريمة الفصل العنصري؛ الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.))*1*


و نفس الشيء لو بحثنا في جرائم الأنفال نجد أنها جرائم تشمل كل أشكال الإبادة الجماعية و قد كان و كما هو وارد في التعريف أنها هجوم ممنهج و موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين، و الذين هم الكورد، في المناطق التي شملتها جرائم الأنفال، إبتداءاً من الأنفال الأولى في 23 فبراير حتى 19 مارت 1988 في قرية جافايتي شمال مدينة السليمانية، و الأنفال الثانية 22 مارت حتى2 أبريل 1988 في منطقة قرداغ جنوب مدينة السليمانية، الأنفال الثالية في منطقة كرميان و التي تعرضت إلى أبشع جريمة أنفال و قدمت أكبر عدد من الضحايا، و التي حدثت في الفترة ما بين السابع إلى 20 أبريل من عام 1988، و الأنفال الرابعة في منطقة كركوك و كويسنجق من الثالث إلى السابع من ماي 1988، و حملات الأنفال الخامسة و السادسة السابعة و التي وقعت في الفترة ما بين 24 ماي و حتى 26 أوكوست و ذلك في منطقة هولير (أربيل)، أما آخر حملة أنفال تمت في منطقة بادينان و التي إستمرت ما بين الفترة من 28 أوكوست و لغاية الثالث من سبتمبر من عام 1988.. و قد نجم عن حملات الأنفال البشعة هذه فقد و إختفاء أعداد هائلة من النساء و الرجال و الأطفال من المدنيين، قتل ما يقارب من ستة آلاف مدني في مدينة حلبجة و جرح حوالي عشرة آلاف، إضافة إلى حرق و تدمير 2240 قرية و تسويتها بالأرض *2*، و تدمير البنية الإقتصادية لمنطقة كوردستان العراق بهدف تجويع الشعب و تشريد عشرات الآلاف و ترحيل عشرات الآلاف الآخرين و تغيير هويتهم القومية و تشويه الواقع الديموغرافي لأغلب المناطق التي تمت فيها هذه الجرائم البشعة، الأمر الذي نجم عنه دمار إنساني و بيئي و جغرافي و إقتصادي و ثقافي و بشري..


و هذا كله مثبت في وثائق موجودة في أغلب المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، من ضمنها منظمة حقوق الإنسان العالمية، و منظمة الأمم المتحدة..


و الجدير بالذكر أن جرائم الأنفال و وفق نظام روما تندرج أيضاً في خانة (جرائم حرب) حسب التعريف المذكور في النظام لجرائم الحرب و ما تشمله، فجرائم الحرب حسب نظام روما هي: جرائم ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق و تكون وفق ذلك إنتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب/أغسطس 1949، أي أي فعل من الأفعال ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة لجرائم مثل: القتل العمد؛ التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما فى ذلك إجراء تجارب بيولوجية؛ تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة؛ إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة؛ الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع؛ تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية؛ تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكل أهدافا عسكرية؛ تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو عن إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحا بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة؛ مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافا عسكرية، بأية وسيلة كانت؛ أو جرح مقاتل استسلم مختارا، يكون قد ألقى سلاحه أو لم تعد لديه وسيلة للدفاع؛ إعلان أنه لن يبقى أحد على قيد الحياة؛ rdquo; نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة؛" استخدام السموم أو الأسلحة المسممة؛ استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات وجميع ما في حكمها من السوائل أو المواد أو الأجهزة؛ استخدام أسلحة أو قذائف أو مواد أو أساليب حربية تسبب بطبيعتها أضرارا زائدة أو آلاما لا لزوم لها أو أن تكون عشوائية بطبيعتها بالمخالفة للقانون الدولي للمنازعات المسلحة، بشرط أن تكون هذه الأسلحة والقذائف والمواد والأساليب الحربية موضع حظر شامل وفق نظام روما، الاعتداء على كرامة الشخص، وبخاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة؛ الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري على النحو المعرف في الفقرة 2 (و) من المادة 7، أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي يشكل أيضا انتهاكا خطيرا لاتفاقيات جنيف؛ تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف؛ تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة الوطنية أو استخدامهم للمشاركة فعليا في الأعمال الحربية؛ " استعمال العنف ضد الحياة والأشخاص، وبخاصة القتل بجميع أنواعه، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب؛ *1*

عندما قرأت نظام روما، فكرت للوهلة الأولى أنه ربما كان صدام قد نفذ جرائمه بالإستفادة من روح هذه القوانين، ربما رأى هذه القوانين، و تعلم من محتواها كيف تكون الجرائم، لأن هذه القوانين إضافة إلى كونها تصف الجرائم و تعرفها، إلا أنها تعطي تفسير و شرح مفصل عن ملامح و خصائص تلك الجرائم و بالتالي يبين حتى روح تلك الجرائم لمن يرتكبها أو لم يعشها أو لم يشهدها..


فلو كان نظام روما قد تم إعتماده قبل أن يرتكب صدام حسين جرائمه، لقت أنه إستفاد بدون شك من محتوى هذا النظام، مثلما إعتمد على آية قرآنية و إستفاد من روحها في إرتكاب جريمة من أبشع الجرائم التي هدتها البشرية..


العالم الإسلامي و العالم العربي مطالبان اليوم بمراجعة موقفهما من مثل هذه الجرائم، و أن يولوها إهتماماً أكبر لأنها جرائم تنافي كل الأعراف البشرية و القوانين الدولية و الشرائع السماوية..
المطلوب إعتراف عربي و إسلامي بتلك الجرائم و تصنيفها على أساس أنها جرائم ضد الإنسانية، و جرائم إبادة بشرية (جينوسايد) و جرائم حرب.. بالرغم من أن الإعتراف الدولي و التعاطف الدولي مع تلك الجرائم يشمل كتحصيل حاصل الإعتراف الإسلامي و العربي، لكن ما نطلبه نحن ككورد هو إعلان موقف محدد و من خلال الحكومات العربية التي الآن بصدد بناء علاقاتها مع العراق من جديد بعد سقوط نظام صدام حسين..


المحكمة الهولندية التي بتت في قضية التاجر الهولندي المجرم (فرانس فان آنرات) بتهمة بيعه 11000 طن من مادة الـTDG التي تدخل بشكل مباشر في صنع الأسلحة الكيمياوية إلى صدام حسين، و التي إستفاد منها في صنع القنابل الكيمياوية و الغازات السامة و قصف بها مدن و قرى و قصبات كوردية في كوردستان العراق، و ايضاً في كوردستان إيران إبان الحرب العراقية العراقية الإرانية و التي تسببت في قتل مالايقل عن 5000 مدني بين طفل و إمرأة و عجوز في منطقة حلبجة فقط و جرح و تشريد نحو تسعة آلاف و نزوح المئات إلى القرى المجاورة الحدودية.. المحكمة الجنائية الهولندية حكمت العام الماضي على التاجر فرانس فان آنرات بخمسة عشر عاماً، و إستأنف محامي الضحايا الحكم هذه السنة و بنفس توقيت محاكمة صدام حسين و أعوانه بتهمة جرائم الأنفال و حكمت محكمة التمييز الهولندية بالسجن لمدة سبعة عشر عاماً، إلا أنها لم تحكم عليه بتهمة المشاركة في إرتكاب جريمة الأنفال، لكن حكمت عليه بتهمة بيعه تلك المواد الخطيرة مع علمه بأنه سيستخدمها في صنع تلك الأسلحة للقضاء على أناس أبرياء من الشعب الكوردي..


الشيء المهم الذي خرجت به المحكمة الهولندية في تقريرها النهائي يوم صدور الحكم على فراسن فان آنرات، هو أن المحكمة الجنائية الهولندية قد وصفت هذه الجرائم على أساس أنها جرائم ضد الإنسانية، جرائم إبادة جنس بشري و جرائم حرب، و هذا الشيء بالإستناد إلى نظام روما و الذي تم تثبيته في وثائق المحكمة الجنائية الهولندية، و هو أيضاً نفس ما دعت إليه و ركزت عليه المحكمة العراقية في وصفها لجرائم الأنفال حين وصفتها بنفس الخصال و المميزات و نفس التعريف، و صنفتها على أساس أنها جرائم ضد الإنسانية، جرائم إبادة الجنس البشري وجرائم حرب..


من المهم جداً أن يستفيد الشعب الكوردي من وثائق هذه المحكمة، بالإضافة إلى ما يرد في نظام روما الذي سن في عام 1998 و تم بدأ العمل به منذ عام 2002 و أن تنظلق مطالباتنا بإعتراف دولي بتلك الجرائم، لكن من المهم جداً أيضاً أن تدين الدول العربية و ألإسلامية هذه الجرائم حتى تثبت للعالم أنها حضارية و أنها تدين مثل هذه الجرائم، و لكي تبرء نفسها أيضاً من التهم الموجهة إليها بإحتضانها و رعايتها لبؤر الإرهاب..

فينوس فائق
venusfaiq@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف