النظام السوري والحريق الكبير 2
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
من المفروض أن النظام السوري الذي حكم لبنان لربع قرن أنه يعرف تداخلات الساحة اللبنانية الأمنية والسياسية والإجتماعية والطائفية ومراكز القوى فيها وتقاطعات المصالح الخارجية على الساحة اللبنانية وتشابكاتها مع الصراعات الإقليمية التي تهز المنطقة بشكل خطير، لكنه لايريد أن يعرف أن زمن وجوده وتلاعبه في المصير اللبناني قد ولى، ولازال يقامر على إشعال الحريق الكبير في المنطقة على خلفية حلمه بالرجوع إلى لبنان أو التأثير فيه عن بعد وإرباكه من خلال أجهزته وأعوانه وخلاياه التي زرعها لتكون يده الطولى في لبنان عندما تغلق في وجهه أبواب العودة إليه، العودة الأمنية طبعاً على اعتبار لبنان جزء من مملكته الأمنية التي يمارس فيها دوره الشرير لزعزعة الإستقرار وخدمة المصالح الخارجية على حساب مصالح لبنان وسورية والشعوب العربية واستقرارها.
واليوم عندما يدفع إلى الواجهة في شمال لبنان أدواته تحت هذه التسمية أوتلك لإشعال الحريق في لبنان وعبر لافتات أصولية متطرفة من "جند الشام " إلى فتح الإسلام " إلى كل هذه التسميات، يريد النظام السوري إرسال رسائله إلى المعنيين بأنه يعمل أمنيا ً وتخريبياً وبالحث والتجاوب مع موجة التطرف لتثبيت صورة الإرهاب واللعب على شماعتها بأرواح الناس ومصالحهم في لبنان، محاولاً سحب محور حركة الأحداث من مضاعفات عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري ورفاقه السياسية والدستورية إلى محور آخر،محور الحرب الأهلية ليتحرر من عقدة العقد وهي تشكيل المحكمة الدولية التي أصبحت على الأبواب.
وعليه يتابع النظام السوري دوره بإصراره على إدخال لبنان في دائرة العطالة السياسية والدستورية والفوضى الأمنية على خلفية ماحدث من جرائم وأزمات،وكان ولازال يعمل على هدف واحد وهو تعطيل تشكيل المحكمة الدولية ولو أدى ذلك إلى خراب لبنان، ولعل حرب تموز 2006 كانت في هذا الإطار لكن حسابات حقل النظام السوري وأعوانه غير حسابات البيدر اللبناني ورغم كل الدمار والخراب لم يحقق هدفه الأساسي وهو إسقاط الشرعية اللبنانية وإرجاع لبنان إلى دائرته الأمنية وتكرار عهد الوصاية عليه، بل خرج منها لبنان رغم النزيف الخطير الإنساني والمادي موحداً يتمسك بسيادته واستقلاله وديموقراطيته، عاود الكرة ثانيةً بنزول أعوانه إلى شوارع بيروت لتعطيل مالم تستطع الحرب تعطيله، و شل لبنان اقتصادياً وضرب مصالح الناس وقطع أرزاقهم ودفع لبنان إلى الإنهيار من الداخل، لكن لم تجر الرياح كما تشتهي سفن النظام السوري، وفشل في تحقيق مايريد ووقف أعوانه بعد فشل مخططهم في إسقاط الشرعية وإحداث فراغ دستوري، في شوارع بيروت معطلين،وصمتوا منتظرين متفرجين على مايحدث الآن في شمال لبنان وماتقوم به " فتح الإسلام " بإشغال الجيش وإنهاكه في الداخل.
وعليه بات واضحاً أن النظام السوري قررالرد السريع على قرار تشكيل المحكمة الدولية، وأصبح في سباق مع زمن تشكيلها، وفي هذا السباق لابد من خاسر، وعليه قرر تحريك جنده أياً كانت تسميتها، ولاأحد في لبنان ولا في سورية ولافي العالم العربي والإسلامي ولافي العالم كله بهذه السطحية ليصدق أن هذه المجموعات نزلت من السماء وأن هذه الأسلحة الثقيلة التي تملكها تم تهريبها إلى لبنان على بساط الريح، وأنها تمثل القاعدة وتفريخاتها، وغاب عنهم أن الساحة اللبنانية مكشوفة ومعروفة، وأن موضة التسميات والمسميات غريبة عن طبيعة لبنان، وهي مستوردة ومزروعة كألغام موقوته في لبنان، وللغرابة أنها تنشط بالتوازي مع سرعة عملية تشكيل المحكمة الدولية، والأغرب ماهو طبيعة الهدف الستراتيجي لها بأن تختل بين المدنيين الفلسطينيين وتستخدمهم دروعاً بشرية في حروبها الخالية من كل معنى سوى خدمة أجندة إقليمية معروفة.
خلاصة القول: أن النظام السوري أسير خيارين أحلاهما علقم، الأول هو الإقرار بتشكيل المحكمة الدولية وهذا الخيار يعرف النظام السوري تداعياته واستحقاقاته عليه، والثاني هو الوقوف ضد الشرعية اللبنانية والعربية والدولية وعدم الإعتراف ورفض التعاون في تشكيل المحكمة الدولية، وهذا وضمن عقلية النظام الأمنية يفرض عليه اللجوء إلى سياسة التهديد والوعيد والتخريب، مرتكزاً على بعض موازين القوى الأمنية التي يملكها والأدوات التخريبية التي يمسك بها داخل لبنان وإشعال الحريق فيه على أمل حدوث فوضى إقليمية هدامة كبرى، تفقد فيها الدولة اللبنانية تماسكها وتنهار وتدخل في حروب داخلية فلسطينية - فلسطينية، لبنانية - لبنانية، لبنانية - فلسطينية وبفسيفسائها السياسية والأهلية و ضمن الظروف الإقليمية المتدهورة والتي يطبع جميع أطرافها الخوف و الإنهاك والشلل وعدم النية والقدرة على فعل شيء، وبالتالي نقل أولويات المنطقة من أزمة لبنانية إلى حريق إقليمي كبير يتجاوز مسألة المحكمة الدولية وأزمات لبنان إلى انهيارات إقليمية جديدة تفرض بطبيعتها الكارثية نقل الإهتمام إلى مرحلة أخرى، وبالمحصلة يريد تعطيل تشكيل المحكمة الدولية،على أمل أن " يملص " النظام السوري من قبضة العدالة، وفي سباق الزمن القليل هذا بين النظام السوري وتشكيل المحكمة الدولية، يفسر مايحدث في شمال لبنان ومخيم نهر البارد من تفجير البارود وإراقة دماء الأبرياء، ودفع الجيش اللبناني إلى أن يخوض المعركة الخطأ في المكان الخطأ،والهدف الوحيد منها هو إنهاكه وإضعافه وتعويم دوره، إنها بداية تفجير الوضع الداخلي اللبناني في وجه تشكيل المحكمة الدولية، وهي وكما تشيرعملية توسيع مساحتها الجغرافية والسياسية، المقدمة الخطيرة لتصعيد شامل ودخول أكثر من جهة على الخط وإشعال أكثر من فتيل بارود،وتفجير أكثر من لغم، وعلى أكثر من محور في لبنان، وإشعال الحريق الكبير..فهل سيستطيع النظام السوري أن يبقى طويلاً لاعباً ومتفرجاً في آن؟!.
د.نصر حسن