فوضى الفتاوى الخلاقة

سوق الفتاوى جبر..

قلتها وأنا أتابع على وقع أنغام ما يحدث في مخيم نهر البارد وفي غزة..غزارة وسرعة بل سهولة إطلاق صواريخ الفتاوى أرض- أرض والتي تنهال على أسماعنا كل يوم كمطر استوائي من بعض المشايخ الذين لا يتقون الله فينا وفي أنفسهم وفي دينهم ودنياهم بحيث باتوا أشد خطورة على الإسلام والمسلمين من أعدى أعداء الدين..!!

كيف لا..؟!!

وهم يتسلحون بحصانة ولا حصانة الرئيس في بلد المتاعيس ويتمتعون بثقة وتصديق يقتربان من درجة تقديس لا يرقى إليها شك من المسلم العادي فهم يتمنطقون بما قال الله والرسول والسلف الصالح ويجيرون الحق لخدمة الباطل بالتأويل والتخريج المسموم عن قصد لمصلحة أو غرض دنيوى بل ويطلقون من المنابر نيرانا لا تصد و لا ترد من الترهيب أو التكفير أو الدعاء بالويل والثبور وعظائم الأمور على من يوسوس له "شيطانه " بالوقوف أمام جهالتهم.!!

أقول بعض المشايخ..!!

وهم لحمد الله قلة ولكنهم يفتون بفتاوى حسب الطلب والمقاس فهناك في سوق الفتاوى المعروضة للبيع فتاوى دينية محضة وهناك فتاوى سياسية بلباس ديني وهناك فتاوى دينية بلباس وطنى..الخ

إلا أن ما صعقني فعلا هو أن تصدر أخر صرعة من الفتاوى المدوية عن رئيس قسم الحديث بكلية الدعوة وأصول الدين في جامعة عريقة لأكبر الدول العربية والإسلامية ومفادها أنه يجوز للمرأة العاملة أن ترضع زملائها في العمل أربع رضعات مشبعات حتى تكون محرمة عليهم وبذلك تتقي شر تحرشاتهم الفوقية والتحتية..!!

ولست أدري لو طبقنا فتوى الشيخ الجليل ماذا سيكون حالنا بعد الرضعة الأولى..؟!!

وطبعا فقد جاءت فتوى إرضاع الكبير هذه بردا وسلاما على كل متشه لزميلته في العمل وكأن سوق الفتوى ناقص..خاصة بعد أن أفتى كبير المفتين في أرض الكنانة بأن الصحابة كانوا يتبركون ببول النبي عليه أفضل الصلاة وأزكي السلام..!! وقد نسي مولانا أن النبي كان طاهرا مطهرا لا يقبل هكذا خزعبلات وبدع..!!

لقد ذكرني ذلك بما قاله لنا التاريخ مرة..ففي الوقت الذي كانت الامة الاسلامية تتعرض لغزوات الفرنجة والتتار كان الكثير من مشايخ السلاطين منشغلين في جدل عقيم حول قضية فقهية في غاية الاهمية وهي.. كم من الملائكة يجلس على رأس الدبوس..؟!!

ثم اني أسأل وأتساءل : هل انحلت كل مشاكلنا اليومية والدينية والسياسية والوطنية والاجتماعية ولم يبق إلا موضوعتي الارضاع و بول النبي عليه صلوات الله وسلامه لكي نقتلهما بحثا..!!

يالله كفانا.....

يالله ارحمنا من فوضى الفتاوى المدسوسة والمكشوفة.. التي لاتقل خطورة وفداحة عن فوضى فلتان السلاح والمخدرات..!!

يالله..

إلى هذا الدرك الأسفل من نار الدنيا أوصلنا هؤلاء..من الذين سجل لهم التاريخ فتاوى بسرعة البرق وحسب توجيهات البيت الأبيض في بداية الثمانينات من القرن الماضي لحكوماتهم بالجهاد ضد الجيش الأحمر في أفغانستان دون أن ينبسوا ببنت فتوى ضد جيش بوش الذي يغتصب حرائر كابل وماجدات بغداد منذ سنوات..!!

لقد وصل الأمر بهم حين ذاك إلى التأكيد أن الجنة فقط تحد بحدود كابول وقندهار بينما كانت القدس ولا زالت تتهود تحت أنوفهم وتلبس مايوها عبريا ويذل المسجد الأقصى ولا زال تحت عيونهم بالحفريات والتدنيس والأسلاك الشائكة مكتفين بدعاء البكائين العاجزين في ليالي القدر..!!

يالله..

الا يكفينا مانحن فيه من هم وغم حتى يتوزع مشايخنا أولئك بالضرب على رؤوسنا مابين تكفير وترهيب و عبوس وكبر وسلس افتاء..!! مع أن أبسط قواعد الدعوة تقول "يسروا ولاتعسروا ".. و"ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ".."وجادلهم بالتي هي أحسن"

ثم لماذا نسمع هذا العك من أولئك دون أن نسمع فتاوى صريحة عما يدور من سفك للدم بنيران صديقة أو جارة في مخيم نهر البارد وغزة..؟!!

يالله..

الفتاوى نص كم للأسف لم تعد قاصرة على بعض رجال الدين المسيسين والموظفين في ديوان البلاط وإنما تعدت ذلك إلى رجال حكم وشعراء وحتى رجال اقتصاد ونجوم كرة قدم

خذوا مثلا

*شاعر مشهور في فتوته بالبركانيات وفي كهولته بالاعتذاريات أفتى قبل أيام للصحف ومواقع الانترنت بأن "عزمي بشارة" باع وطنه ومبادئه مقابل آلاف الدولارات وان صدقت الفتوى فان بشارة في رأيي ليس أسوأ ممن قبضوا آلاف الدنانير ولا زالوا يقبضون آلاف الشيكلات..!!

أما أخر فتوى سمعتها فقد بدت كنكتة لكن قالها وبجد متشيخ زملكاوى متعصب على إحدى القنوات الفضائية قبل مباراة القمة 99 ومفادها أن كل من يشجع "الشياطين" يعتبر كافرا لا تجوز له صلاة.!!

ولما فاز الزمالك بهدفين للاشيء عاد وقال لقد نصرنا الله لأنه معنا وكأنه يرى في كل الأهلوية المساكين فلولا من المهزومين في خيبر..!!

نعم.. إن شر البلية ما يضحك..!!

وفي الختام أدعو كل معمم موحد بالله غيور على دينه ووطنه وأمته ومحل ثقة الدهماء ألا يسارع إلى التنطع والإفتاء ويفتي بما يجهل أو يفتي زورا بما يعلم فان الأسرع في الفتوى هو الأسرع للنار..!!

والا فما الفرق بين شيخ مريض الإفتاء وكبير حاخامات القدس الذي أفتى وأعلن على الملأ في حينه ان "تسونامي" لم يكن إلا غضبا وسخطا من الله على أعداء إسرائيل..!!

اللهم تب علينا وارحمنا من الدجل والتدجيل

اللهم إنا نسألك الستر الجميل..

ونرجو منك العفو والعافية..

يا من لا تخفى عليك خافية..!!

توفيق الحاج